قصة نبي الله يونس عليه السلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد: فلقد قصَّ الله علينا في كتابه العزيز قصصَ الأنبياء والمرسلين؛ لنأخذ منها الدروس والعِبر ولتثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقْوية إيمان المؤمنين، وموعظة وذِكرى للمؤمنين وغير ذلك من الدروس والحكم، قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111] وقال أيضًا: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]، ومِنْ هؤلاء الرُّسل نبيُّ الله يونس - عليه السلام - وقد ذكر الله قصَّته في عددٍ من الآيات، قال - تعالى -: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98]. وقال - تعالى -: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]. وقال - سبحانه -: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [الصافات: 139 - 148]. ذكر أهل التفسير أن الله بعث يونسَ إلى أهل نِينَوَى من أرض الموْصل، فدعاهم إلى الله - عز وجل - فكذَّبوه وأصرُّوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه مِنْ أمرهم، خرج من بين أظهرهم، فركب سفينة في البحر فلجَّتْ واضطربت وماجتْ بهم، وثقلت بمن فيها وكادوا يغرقون، فتشاوروا فيما بينهم على أن يقترعوا فمن وقعتْ عليه القرعة ألقَوْه من السفينة؛ ليتخفَّفوا منه، فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبيِّ الله يونسَ فلم يسمحوا به، فلما أعادوها ثانية فوقعت عليه أيضًا، فشمر ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه، فأبوا عليه ذلك ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضًا؛ لما يريده الله به من الأمر العظيم، وبعث الله - عز وجل - حوتًا عظيمًا من البحر فالْتقمه، وأمَرَه الله - تعالى - ألاَّ يأكل له لحمًا، ولا يهشم له عظمًا، فليس له برزق، فأخذه فطاف به البحر. ولما استقر في جوف الحوت، حسب أنه قد مات، فحرَّك جوارحه فتحركتْ، فإذا هو حيٌّ، فخرَّ لله ساجدًا وقال: يا رب، اتخذتُ لك مسجدًا، لم يعبدْك أحدٌ في مثله، فأمر الله الحوت فقذفه في أرض خالية من كل أحد ومن الأشجار والظلال، وهو مريض؛ بسبب حبسه في بطن الحوت، حتى صار مثل الفرخ الممعوط من البيضة، وأنبت الله عليه شجرةً تظله بظلالها الظليل وهي باردة، ثم لطف به فأرسله إلى مائة ألف من الناس أو يزيدون، فدعاهم إلى الله، فآمنوا فصاروا في موازين أعماله، فمنعهم الله بأن صرف عنهم العذاب بعدما انعقدتْ أسبابه. من الدروس والعِبَر المستفادة من هذه القصة العظيمة: أولاً: أن الفرَج مع الكرب، وأنَّ مع العسر يسرًا؛ قال - تعالى -: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾[الأنبياء: 87، 88]. قال المفسرون: الظلمات ثلاث: ظُلمة البحر، وظُلمة الليل، وظُلمة بطن الحوت. قال - تعالى -: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]. ثانيًا: أن تقوى الله نجاة للعبد في الدُّنيا والآخرة ثالثًا: استجابة الله لدعاء المؤمن؛ فإن يونس لما دعا ربَّه والتجأ إليه، كشف الله عنه هذه الغُمَّة﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144] وقال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3] وقال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]. قال - تعالى -: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88] وقال - تعالى -: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]. روى الترمذي في سننه من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوةُ ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فإنه لم يدْعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له))[1]. رابعاً: لطْف الله - تعالى - بعبده؛ فإن يونس لما قذفه الحوت على الشاطئ وهو مريض أنبت الله له شجرة اليقطين، قال بعضهم: هي القرع، ورقها في غاية النعومة، وكثير وظليل ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره، نيئًا ومطبوخًا، وبقشره وبزره أيضًا. خامسًا: قدرة الله - تعالى - المطلقة، قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82] وهو - سبحانه - الذي أمر الحوت ألاَّ يأكل له لحمًا، ولا يهشم له عظمًا. سادسًا: أن المؤمن قد يعاقَب على ذنبه في الدنيا، قال - تعالى -: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: 123] وقال أيضًا: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] ص 552، برقم 3505 وصححه الألباني - رحمه الله - في "صحيح سنن الترمذي" (3/168) برقم 2785. د. أمين بن عبدالله الشقاوي. |
تسلم ايدك ع الطرح
|
,,~
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..، جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً.. جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ دَآمَ لَنآعَطآئُگ.. دُمْت بــِطآعَة الله ..~ ,,~ |
-
شكراً لكم ولمروركم الراقي عطرتوا متصفحي بطلتكم البهية عبق الجوري لأرواحكم :241:. |
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ |
•. جزاك الله خير سلمت أناملك على الطرح المميّز:241: ويعطيك العافية على المجهود المبذول:ff1 (27): ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعك:241: لك تحياتي وفائق شكري:ff1 (27): ولك كل الود:241: |
-
شكراً لكم ولمروركم الراقي عطرتوا متصفحي بطلتكم البهية عبق الجوري لأرواحكم :241:. |
بورك فيك
رزقت الجنان |
الله يعطيك العافيه
سلمت يدينك ربي يسعدك ماننحرم منك :rose::rose: |
/ جزاك الله خيراً وَ بارك الله فيك |
الله يعطيك العافيه
جزاك الله كل خير سلمت يمناك ... |
-
شكراً لكم ولمروركم الراقي عطرتوا متصفحي بطلتكم البهية عبق الجوري لأرواحكم :241:. |
سَلِمت الأنَامِل المُتألِقة لِروعَة طَرحهَا
دَام العطَاء والتَميّز المُتواصِل لرُوحك السّعادة :241::ff1 (153)::241: |
-
إزدان مُتصفحي بتشريفك لك جنائن الورد. |
- جزآك الله عنا كل خير ولا حرمك الأجر وفي موازين حسناتك أدآمك الرحمن ..:ff1 (3): |
|
الساعة الآن 02:54 AM |
تصحيح تعريب
Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب