منتديات انفاس الحب - فاطمة السمرقندية والتكامل لا التنافس مع الزوج

فاطمة السمرقندية.. اسمها ونسبها
هي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ العالمة الصَّالحة[1] الفقيهة[2]، ابنةُ علاء الدِّين السَّمرقنديِّ[3]. تتلمذت في الفقه الحنفي على يد والدها، واستطاعت حفظ كتابه «تحفة الفقهاء»[4]، كان والدها علاء الدين السمرقندي: من أكبر علماء الحنفية، وهو صاحب كتاب تحفة الفقهاء، وهو من أهل سمرقند (أوزبكستان) ولمكانة والدها تقدَّم لخطبتها أكثر من ملكٍ من ملوك المسلمين في ذلك العصر، غير أنَّ والدها رفض، وفضَّل عليهم تلميذًا نجيبًا لديه يُدعَى علاء الدين الكَاسَانِيَّ، الذي استطاع التَّفوُّق في فروع وأصول الفقه الحنفي، فقام بتزويجها له. وكان مهرها كتاب «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع»، الذي ألَّفه الكَاسَانِيُّ كشرح لكتاب السمرقندي «تحفة الفقهاء»، فقال فقهاء العصر: شرح «تحفته» وتزوَّج ابنته[5].
وعلاء الدين الكَاسَانِيَّ هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانيّ، وكاسان بلد كبير بتركستان خلف نهر سيحون، وتقع حاليًا في دولة أوزبكستان. وكان علاء الدين الكاساني مقيمًا في الأناضول، وقد أرسله سلطان سلاجقة الروم رسولًا إلى السلطان الزنكي نور الدين محمود، فعرض عليه المقام بحلب والتدريس بالمدرسة الحلاّويّة فأجابه إلى ذلك ووعده أن يعود إلى حلب بعد ردّ الجواب بالرسالة فعاد إلى الأناضول ثمّ قدم حلب. وانتقلت فاطمةُ مع زوجها من حلب؛ حيث ولَّاه السُّلطانُ الزَّنكيُّ نور الدين محمود التَّدريسَ في المدرسة الحلاويَّة[6].
فاطمة السمرقندي تساعد زوجها في الفتيا:
قال ابن العديم: حكى والدي أنها كانت تنقل المذهب نقلًا جيدًا، وكان زوجها الكاساني ربما يهم في الفُتْيا، فتردُّه إلى الصواب، وتعرِّفه وجه الخطأ، فيرجع إلى قولها. قال: وكانت تفتي، وكان زوجها يحترمها، ويكرمها. وكانت الفتوى أولًا يخرج عليها خطّها، وخطّ أبيها السمرقندي، فلما تزوجت بالكاساني صاحب "البدائع" كانت الفتوى تخرج بخط الثلاثة[7].
فاطمة السمرقندي تساعد زوجها بالبقاء معه في مكان عمله:
عَلِم السلطانُ نور الدين محمود مدى العلم الذي تحمله فاطمة وزوجها، فعندما عزمت فاطمة على العودة إلى بلادها استدعى زوجَها علاء الدِّين، ولما أخبره علاءُ الدِّين أنَّ مغادرة حلب كانت رغبة فاطمة، وأنَّه لا يُريد مخالفة زوجته ابنة شيخه (مع أن حماه مات عام 450 هجرية، أي قبل هذه الأحداث بسنوات)، أرسل نور الدين محمود رسولًا إلى فاطمةَ لإقناعها بالبقاء في حلب، فأجابت طلبه. وأقامت فاطمة بمدينة حلب إلى أن تُوفِّيت عام 581ه. ولحق بها زوجها علاء الدين الكاساني الذي تُوفِّي عام 587هـ[8].
المدرسة الحلاوية: وعرف بمسجد السراجين واستمرت على ذلك إلى أن ملك الملك العادل نور الدين محمود زنكي فجدد فيها إيوانًا وبيوتًا وجعلها مدرسة لتدريس مذهب أبي حنيفة ووقف عليها أوقافا. وكان انتهاء عمارتها سنة 544هـ، وسميت بعد ذلك بالحلاوية لأنه كان عندها سوق الحلوانيين.
كانت تعتبر المدرسة الحلاوية بيتها!
قال عبد القادر القرشي (توفى ٧٧٥هـ): "قَالَ دَاوُد بن عَليّ أحد فُقَهَاء الحلاوية بحلب: هي (فَاطِمَةُ السَّمَرْقَنْدِيِّ) الَّتِي سنَّت الْفطر في رَمَضَان للفقهاء بالحلاوية كَانَ في يَديهَا سواران فأخرجتهما وباعتهما وعملت بِالثّمن الفطور كل لَيْلَة وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى الْيَوْم"[9].[10].
[1] عبد القادر القرشي: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، 2/6، 278.
[2] ابن قُطلُوبغا: تاج التراجم، ص328.
[3] حاجي خليفة: سلم الوصول إلى طبقات الفحول، 1/89.
[4] عبد القادر القرشي: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، 2/6.
[5] حاجي خليفة: سلم الوصول إلى طبقات الفحول، 1/89.
[6] ابن قُطلُوبغا: تاج التراجم، ص328.
[7] عبد القادر القرشي: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، 2/278.
[8] حاجي خليفة: سلم الوصول إلى طبقات الفحول، 1/89.
[9] عَبْد القَادِر القُرَشي: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 278). لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: فاطمة السمرقندية والتكامل لا التنافس مع الزوج