سراب
اتَّكَأ على أرِيكَتِه البُنِّيَّة المعتادة في شُموخٍ، وشرع يُقلِّب في هاتفه دونَ أنْ يدري ماذا يريد؟ يحاوِلُ أنْ يَتَغلَّبَ على حالةِ الوَحْدة الفتَّاكة التي تنهش فيه بأنيابها الحادَّة، اصْطَدَمَتْ عيناهُ باسمِها الهُلامي على هاتفه، فكسا وَجْهَه ابتسامةٌ لا إرادية، وأحَسَّ بنَشْوةِ الحُبِّ تَتَلألأُ داخِلَه على الرغم من أنه لا يُدْرِكُ شيئًا من ملامحِها غَيْرَ تلك الصورة التي رَسَمَها له قَلْبُه من صَوْتها الحنُون وابتسامتها العَذْبة، وبَقِيَتْ صُورتُها الحقيقةُ سَرابًا مُتعدِّدَ الأطْيافِ وعلى الرغم من ذلك كان يُحِسُّ بها، ويتأمَّلُ كثيرًا كلماتِها، وعفويتها، وابتساماتها، وقلبها النابض الذي يرجف طَرَبًا وفَرَحًا تارةً، وخَجَلًا تارةً أخرى، وابتساماتها التي تُزَلْزِلُ كِيانَه، وتُشْعِرُه بأنَّه وُلِدَ من جديدٍ، ليُكمِل عمره المحفوفَ بالسَّعادة على يديها. كانَتْ غامِضةً أحيانًا؛ بل دائمًا، سريعةَ التقلُّب، مزاجيةً رغم حُبِّها الكبير المزعوم الذي يملأ جوانحَها، وتُثيرُ دائمًا شُجُونًا حَوْلَ ذاتها، وتُغلِّفُ رُوحَها دائمًا باليأس الممزوج بروح الرضا لأوضاع ترضى أنها ضحيةٌ لها، وتقتنع بدور الضحية الذي يملأ أركانها، وتتعايش معه، وتُرَدِّدُ ألحانَه الشَّجيَّة التي تبرد بها حرارة بركانها المسْتَعِر من شدَّةِ ما يعصف بها منذ نعومة أظْفارِها. لم يَدْرِ مُرادَها وغاياتها، وربما تبحث عن سعادة وقتيَّةٍ تُنيرُ بها وَجْهَ الحياةِ المظلم، وتجعلها تستدير لها لتُرِيَها ثَغْرَها الباسم، ربما تبحث عن حياةٍ زوجيةٍ موازيةٍ في عالم افتراضي من صُنْعِ الخيال، تتحاشى فيه الواقِعَ المؤلمَ المحيطَ بها من كُلِّ الأركان. ترك هاتفَه وأراحَ ظَهْرَهُ للوراء قليلًا، وبدأ يتأمَّل أطيافَ صورتها المنقوشة في خياله، فأحَسَّ - برغم تلك المصاعب الجَمَّة والأفكار السوداء التي تتعاوَرُ داخِلَه فتُنغِّص عليه حُبَّه الوليد - بأنه يُحبُّها وقد نَبَتْ حُبُّها في قلبه، وتَرَعْرَعَ بسُرْعةٍ، وما زال ينمو سريعًا، وبَدَأتْ تتلاشَى تلك الأفكارُ السوداءُ التي تُنغِّصُ عليه حياتَه؛ ولكِنْ سُرْعان ما طَفَتْ على السَّطْح، وتجلَّتْ ملامحُها، واشتَدَّ صِراعُها بعد تلك المكالمة التي ألْقَتْها في طريقِه المصادفةُ المفجعة لشابٍّ آخَرَ يُحادِثُها. أحَسَّ بشُعُورٍ غريبٍ يعصِفُ بكِيانِه، شُعُور مُتناقِض تختلطُ فيه مشاعرُ جمَّة، فتارةً مفعم بالألم والحزن، وأخرى تمتزجه الشَّفَقَةُ والضِّيْقُ، واليأس والرغبة في البُعْد والانتقام؛ عندئذٍ ينسَدُّ الأُفُقُ، وتتحوَّل لوحةُ السعادةِ المرسومة إلى سوداويَّة قاتمة؛ لكنها كانت دائمًا تنتشله من هذا السَّوادِ، وتَضَعُ نُقْطةً جديدةً من أوَّلِ السَّطْر لحياةٍ جديدةٍ قِوامُها المشاعرُ، وأسَاسُها الحُبُّ، وتُنيرُ له بابتسامَتِها طريقًا جديدًا يرسم لهما حياة سعيدة مُفْعَمة بالتحدِّي الممزوج بآلام الواقع. انْتَبَه على صَوْتِ هاتِفِه العالي ليُوقِظه من حلم اليَقَظَة الجميل، فارتَشَفَ رَشَفاتِ ماءٍ من كأسٍ زُجاجيٍّ مُزَخْرفٍ بخطوطٍ ذهبيَّةٍ مُتَعَرِّجةٍ، ثم التَقَطَ هاتِفَه بسُرْعةٍ، فَجاءَهُ صَوْتُها الرَّخيمُ يُردِّدُ بِنَبْرةٍ حانيةٍ "أُحِبُّكَ"، عندها تَبَدَّدَتْ كُلُّ أفكارِه السَّوْداء، وامتلأ صَدْرُه بالسكينة، واحتَوَتْهُ السعادةُ بأجْنِحَتِها الرقيقةِ، فأحَسَّ براحةٍ تملأ جوارِحَه، ورَدَّ على كلماتها بهَمْسٍ. |
يعطيك العافيه ع الطرح الجميل
|
-
شُكراً يَ ألق .. لـ جمال هذا الآنتقاء والتقديم تقديري https://www.a-al7b.com/vb/images/smilies/ff1%20(6).gif. |
..:241::241:
طرحَ عَذب ..!! أختيآر أنيق وحضور صآخب سلة من الوردَ وآنحناءة شكر لسموك |
تسلم ايدك ع الطرح
|
اختيار مميز
اعذب تحية |
كل الشكر بالإمتنآن لجميل مً كان هنا . |
•. سلمت أناملك على الطرح المميّز:241: ويعطيك العافية على المجهود المبذول:ff1 (27): ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعك:241: لك تحياتي وفائق شكري:ff1 (27): ولك كل الود:241: |
. . حرفك ربيع فآتن وكلمآتك تصل إلى القلوب رآق لي نثرك البهي سلمت ودمت :100: |
_
، جَمِيل جِدًّا . . سَرْد مُشَوِّقٍ وَيُنْبِأ بِأَنَّ اَلْقَادِمَ أَجْمَلَ تَحِيَّةٌ وَ عِطْرٌ . . ~ |
الساعة الآن 07:42 AM |
تصحيح تعريب
Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب