مجالس المعتكفين (2) صلاة قيام الليل
أما بعد: فتقدم معنا في سلسلة (موانع قبول الحق والعمل به) الحلقةُ الأولى؛ وذكرنا فيها المانع الأول من موانعه، وهو: الجهل به، ونقف في هذه الحلقة الثانية مع المانع الثاني. المانع الثاني: الحسد: يقول الله عز وجل: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109]. يقول ابن القيم رحمه الله: "ومِن أعظم هذه الأسباب - أي: التي تمنع من قَبول الحق - الحسدُ؛ فإنه داء كامن في النفس، ويرى الحاسدُ المحسودَ قد فُضِّل عليه وأُوتيَ ما لم يُؤتَ نظيره، فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من أتباعه، وهل مَنَع إبليسَ من السجود لآدم إلا الحسدُ؟! فإنه لما رآه قد فُضل عليه ورُفع فوقه، غصَّ بِريقِه، واختار الكفر على الإيمان بعد أنْ كان بين الملائكة[1]، وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الإيمان بعيسى ابن مريم عليه السلام، وقد علموا علمًا لا شك فيه أنه رسول الله، جاء بالبيِّنات والهدى، فحملهم الحسد على أن اختاروا الكفر على الإيمان، وأطبقوا عليه، وهُمْ أمَّة فيهم الأحبار والعلماء والزهَّاد والقضاة والملوك والأمراء... هذا، وقد جاء المسيح عليه السلام بحكم التوراة، ولم يأتِ بشريعة تخالفها، ولم يقاتلهم؛ وإنما أتى بتحليل بعض ما حُرِّم عليهم تخفيفًا ورحمة وإحسانًا، وجاء مكمِّلًا لشريعة التوراة، ومع هذا فاختاروا كلُّهم الكفر على الإيمان؛ فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع، مُبكِّتًا لهم بقبائحهم، ومناديًا على فضائحهم، ومُخرِجًا لهم من ديارهم، وقد قاتَلوه وحارَبوه، وهو في ذلك كله يُنصَر عليهم، ويظفر بهم، ويعلو هو وأصحابه، وهم معه دائمًا في سفال، فكيف لا يملك الحسدُ والبغيُ قلوبَهم؟! وأين يقع حالهم معه مِن حالهم مع المسيح عليه السلام وقد أَطبَقوا على الكفر به مِن بعد ما تبيَّن لهم الهدى؟ وهذا السبب وحده كافٍ في رَدِّ الحق، فكيف إذا انضاف إليه زوال الرياسات والمآكل كما تقدم؟! وقد قال الأَخْنَسُ بن شَرِيقٍ يوم بدر لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبِرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك، والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبَتْ بنو قُصَيٍّ باللواء والحجابة والسقاية والنبوَّة، فماذا يكون لسائر قريش؟!"[2]. فتأمَّلْ معي كلام هذا العَلَم الهُمام، تعِ خطورة هذا المانع! والله وحده المستعان. ومما يدل أيضًا على ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]. وسواء أكان مرادهم مِن هذا أنْ تحصل لهم النبوة والرسالة كما حصلت لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أم أنهم طالَبوه بآيات وبراهين ليتَّبعوه - وهما وجهان في تفسير هذه الآية الكريمة - إلا أنه يفوح ويظهر ذلك الكَمُّ المهول من الحسد في خطابهم ذاك، والذي أعمى بصيرتهم وقلوبهم، وما تُخفي صدورهم أكبر؛ فيا لَجهالاتهم الغريبة، وعَجْرَفَتِهم العجيبة، التي استحقوا مِن أجلها حرمانهم مِن الحق واتِّباعه، ووقَف حسدهم ذلك عقبةً بينهم وبين بلوغه[3]. ونظير هذه الآية قوله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، وقوله عز وجل: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ﴾ [الفرقان: 21]، ونحوها قوله عز وجل: ﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً ﴾ [المدثر: 52]، والآيات في هذا كثيرة، وكثيرة جدًّا. ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: "القلب لا يدخله حقائق الإيمان إذا كان فيه ما ينجسه من الكِبْر والحسد"[4]. وبهذا، نختم هذه الحلقة الثانية من سلسلة موانع قَبول الحق والعمل به، وقد وقفنا فيها مع المانع الثاني، وهو الحسد، وسنقف بإذن الله عز وجل في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة مع المانع الثالث، وهو الصحبة السيئة. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
رزقك خالقي أعالي جنانه ووفقك لخيري الدنيا والأخره أسأل الله لك الجنه :100: |
- جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ بآرَكـَ الله فيكـِ عَ آلمَوضوعْ آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـِ بآلريآحينْ دمْت بـِ طآعَة الله ..:241:} |
|
تسلم ايدك ع الطرح
|
-
سلمت الأيادي .. ويعطيك العافية يَ نقاء دمتِ بخير :241:. |
جزاك الله خير
طرح رآقي گ روحـگ لآعدمنا جمآل ذآئقتگ تحية صادقه من الاعماق وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ ودي لگ |
ربى يعافيك ويسلمك
طرح مميز ورائع لاخلا ولاعدم |
الله يعطيك العافيه
جزاك الله كل خير سلمت يمناك.... |
جزيت من الخيراكثره
ومن العطاء منبعه ... لا حرمنا البارئ واياك جناته :rose::rose: |
الساعة الآن 10:23 AM |
تصحيح تعريب
Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب