![]() |
وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُجْزِلُ الثَّوَابَ لِلْعَابِدِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ، خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَإمَامِ العَابدِينَ، صَلَّى اللهُ وَسلَمَ وبَارَكَ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وَأصحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْليمًا كَثِيرَاً.
أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْبُدُوهُ؛ فَبِالْعِبَادَةِ تَفُوزُونَ بِالْعَاقِبَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَالْجَنَّةِ الْمَوْعُودَةِ، ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْغَايَةَ الْعُظْمَى وَالْهَدَفَ الْأسْمَى مِنْ خَلْقِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَنْ يَعَبُّدُوُا اللهَ وَحَدَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾. وَهَذَا مَضمُونُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾. وَأَوَّلُ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ الْأَمَرُ بِعِبَادَةِ اللهِ وَتَوحِيدِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. إِنَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّتِي لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ: إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لَهُ؛ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، وَشُكْرًا عَلَى عَظِيمِ نَعْمَائِهِ، فَفِيهَا يَجِدُ الْعَابِدُونَ أُنْسَهُمْ، وَيُدْرِكُ الْمُؤْمِنُونَ سَعَادَتَهُمْ؛ فَتَلْهَجُ بِهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَلْسِنَتُهُمْ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، بَلْ إِنَّ كُلَّ الْخَلَائِقِ تَتَمَثَّلُهَا وَتُحَقِّقُ مُقْتَضَيَاتِهَا ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾. الْعُبُودِيَّةُ للهِ تَعَالَى مِنْ أَشْرَفِ الْمَقَامَاتِ الْإيمَانِيَّةِ؛ وهيَ تَشْرِيفٌ لِكُلِّ عَابِدٍ وَأَيُّ تَشْرِيفٍ، شَرَّفَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ فِي أَشْرَفِ الْمَقَامَاتِ، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾. وَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ صِفَةٌ أَتَمَ وَلَا أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ لِأَنَّهَا غَايَةُ الحُبِ وَالتَّذَلُّلِ. وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفاً وَتِيهَاً***وَكِدْت بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي***وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا وَنُودِيَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ؛ اسْتِنْهَاضًا لِهِمَمِهِمْ، وَدَعْوَةً لِإِدْرَاكِ رَحْمَةِ رَبِّهِمْ، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾. الْعُبُودِيَّةُ هِيَ التَّعْظِيمُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا يُرْضِيهِ، وَالْإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَتْ جَمِيعُ شَرَائِعِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾. الْعَابِدُونَ قَوْمٌ صَالِحُونَ هُدَاةٌ تُقَاةٌ يُطِيعُونَ رَبَّهُمْ خَاشِعِينَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ. عِبَادَ اللَّهِ: الْعِبَادَةُ اِسْمٌ جَامِعَ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. الْعِبَادَةُ مَفْهُومٌ وَاسِعٌ، لَا تَنْحَصِرُ فِي العِبَادَاتِ المَحْضَةِ كالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، بَلْ تَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ وَالأقوَالِ وَالسُلوكيَّاتِ، فَالتَّفَكُّرُ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ؛ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ، ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾. وتَرْبِيَةُ الْأُسْرَةِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا عِبَادَةٌ؛ فأَعْظَمُ الْإِنْفَاقِ «أَجْرًا؛ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ». رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَطَلَبُ الْعِلْمِ عِبَادَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ». رَوَاهُ مُسلِمٌ. الْعُبُودِيَّةُ أخْلاَقٌ وَسُلوكٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾، فَإِنَّهُمْ لَمَّا عَبَدُوا رَبَّهُمْ؛ ازْدَانَتْ أَخْلَاقُهُمْ، وَحُمِدَتْ صِفَاتُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ الْعِبَادَةِ. الْأَخْلَاقُ الحَسَنَةُ عِبَادَةٌ تَرْفَعُ صَاحِبَهَا دَرَجَاتٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، فَيَقْتَرِبُ مِنْ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّينَ، قَالَ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا». رَوَاهُ الترمذِيُّ. الْعُبُودِيَّةِ لَهَا لَذَّةٌ يَذُوقُ طَعْمَهَا مَنْ أَدَّاهَا حَقَّ أَدَائِهَا، وَفَهِمَهَا حَقَّ فَهْمِهَا، فَظْهَرتْ عَلَيْهِ جَمِيلُ آثَارِهَا، قَالَ ﷺ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَن رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولًا». رَوَاهُ مُسلِمٌ، وَهَذَا نَبِيُّنَا ﷺ يَقُومُ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ وَمَا تَأَخّرَ، فَكَانَ نَعِيمُهُ وَقُرَّةُ عَينِهِ وَرَاحَةُ بَالِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، فَكَانَ يَقُولُ لِبِلَالٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: «أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ»، وَقَالَ: «وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ». وَحَتى يَلِجَ العَبدُ بَابَ الْعُبُودِيَّةِ وَيجِدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ؛ فَلابُدَ مِنَ الِاستِعَانَةِ بِاللَّهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيهِ، فَلَا تَوفِيقَ إِلَّا بِهِ سُبحَانَهُ: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِ ﷺ: «اللَّهُمَّ أَعِنّي عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ» رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ. وَلَذَّةِ العُبُودِيَّةِ فِي تَركِ الشُّبُهَاتِ البَاطِلَةِ وَالشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ، فَإِنّهَا حُجُبٌ تَمنَعُ النُّورَ أَنْ يَدخُلَ إِلى القَلبِ، فَلَا يَجِدُ حَلَاوَةَ العِبَادَةِ ولا يَذُوقْ طَعْمَ الطَّاعَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، لَكَ مُخْبِتِينَ، إِلَيْكَ مُنِيبِينَ، وَاكْتُبْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، يَارَبَ العَالمِينَ. أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، واسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم ولسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِرُوهُ، إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَحِيمُ. الخُطبَةُ الثَّانيةُ: الحمْدُ للَّهِ وكَفَى، وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الذينَ اصْطَفَى، وَبَعدُ؛ فاتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، فإنَّ العِزَّةَ وَالسَّعَادَةَ فِي طَاعَتِهِ، وَلَا أُنسَ لِلقُلُوبِ إِلَّا بِمَحَبَّتِهِ، وَلَا انشِرَاحَ لِلصُّدُورِ إِلَّا بِذِكرِهِ. اللَّهُمُّ أعزَّ الإسْلامَ وَالمُسلمينَ، وَاجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنَاً مُطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، وَأعذْنَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهِرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمُّ آمَنَا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلَحِ أئِمَّتِنَا، وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَأَيْدْ بِالْحَقِّ إمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادَمَ الحَرَمينَ الشَريفينَ، وَوليَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وَترضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ. اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ، فَأَشْغَلُهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدِهِ فِي نَحْرِهِ وَاجْعَلُ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرَاً يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللَّهِ: اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثِيرًا، وَسَبّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلًا، وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. |
جزاك الله خير ونفع بك
وجعله في موآزين حسنآتك ورفع به درجآتك على هذآ الطرح القيم لا حرمنآالله توآجدك |
أجــمل وأرق باقات ورودى
ع الموضوع الجميل المهيب تــحــياتي لك |
توفقتِ في الطرح والأنتقاء
شكرا لك ولحضورك الراقي لاخلا ولاعدم |
.
تسلم الايادي بارك الله بجهودك يعطيك العافية . |
*،
جزاك الله جنة عرضها آلسموات و الارض بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد اسال الله لك التوفيق والسعادة دمت بخير .، ؛ |
- جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك |
/
جزاك الله خير الجزاء موضوع فيّم |
الساعة الآن 04:17 PM |
تصحيح تعريب
Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2025
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب