منتديات انفاس الحب

منتديات انفاس الحب (https://a-al7b.com/vb/index.php)
-   ۩۞۩ أنفاس القصص والروايات الاسلاميه ۩۞۩ (https://a-al7b.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   قصة موسى عليه السلام (11) قارون وطغيان المال (https://a-al7b.com/vb/showthread.php?t=86738)

غيمہّ فرٌح 18-01-2023 11:09 AM

قصة موسى عليه السلام (11) قارون وطغيان المال
 
قصة موسى عليه السلام (11)



قارون وطغيان المال


كان قارون من قوم موسى ومن أبناء عمومته، لكنه نحا منحى آخر مغايرًا لما كان عليه بنو إسرائيل، فكان ممالئًا لفرعون ومناصرًا له، بل وعينًا له على بني قومه؛ لذلك حظي من قِبل فرعون بالتكريم وإطلاق يده في العمل وجني ما يشاء من الأموال، وكان يحاول أن يكون في الظاهر مع موسى، ولكنه كان كارهًا له، وكان مع فرعون قلبًا وقالبًا؛ لذلك قرن اسمه مع فرعون وهامان، فكانوا الثلاثي المغضوب عليه، الذين ذكروا في سورتين: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 23، 24]، ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 39].

وسنستعرض ما ورد بالتفصيل بشأنه في سورة القصص، قال الله تعالى مخبرًا عن قارون وثروته وغناه وكفره ونهايته: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ [القصص: 76]، فكيف كان بغيُه على قومه؟ قيل: بالكِبْر والعلو وكثرة المال، ولكن الشيء الأهم من هذا والذي يحط من قدر الرجل هو الانضمام إلى عدوهم واتخاذهم سلَّمًا يصعد عليهم ويحطمهم ليربح ويجني من وراء ذلك المكاسب، وهذا يؤكده قول من قال: إنه كان عاملًا لفرعون على بني إسرائيل، فتعدى عليهم وظلمهم، وقد جمع ثروته الضخمة من هذا العمل، وقيل: كان يعمل بالكيمياء فجمع ثروته منها، ولكن هذا بعيد، والأول أقرب للصواب، وقد جمع الله هؤلاء الثلاثة "فرعون وهامان وقارون" في آية واحدة؛ لعملهم معًا في البغي والكفر والإجرام، لقد أقام قارون في مصر، وفيها جمع هذه الثروة، وقد حسَد موسى على نبوته؛ لأنه كان قريبه، وربما كان أكبر سنًّا منه، حيث ورد أنه كان ابن عم موسى، وهذا قول أكثر أهل العلم، ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما، وقال ابن إسحاق: كان عم موسى، وكان يسمى النور؛ لحسن صورته، وقيل: ابن خالة موسى، ولكن عدو الله نافَق كما نافق السامري، ﴿ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ [القصص: 76]، وقد قيل في حقيقة ثروته أقوال كثيرة، لكن ما أراه أنه خدم فرعون فنال منه المكافآت والأعطيات على جمع الضرائب من بني إسرائيل، والمال يجلب المال، حتى ملك الكنوز التي لها أبواب ومغاليق يحتاج حملُها إلى العصبة من الرجال الأقوياء الأشداء، وقد اختلف في عدد العصبة، والذي يناسب روح الخبر أن العدد يزيد على العشرة، وأما من فسر المفاتح بالخزائن فقد أبعد عن القصد؛ لأن المفتاح معروف لفتح الأقفال، ومَن ذكر آية: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ ﴾ [الأنعام: 59] بأنها الخزائن فقد أبعد أيضًا؛ لأن هذه الخزائن ليست سائبة، وإنما لها مغاليق، والمغلاق له مفتاح، ومفاتح الغيب علم لا يعلمه إلا الله؛ فهو الذي استأثر بهذا العلم، ومفاتيحه معه، فلا يقل أحد: إني أعلمها، فذلك مستحيل، وهي: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34]، وقد يكون المفتاح أداة أو آلة، وقد يكون معنويًّا، رمزًا أو كلمة أو عبارة، وفي هذا المعنى أخرج البخاري أنه قيل لوهب بن منبه: أليس "لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟"، قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك، وقصد هنا تتمتها "محمد رسول الله"، والعمل بما قرَّرَتْه الشريعة، كما أخرج الترمذي وأحمد وأبو داود وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مِفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم))، وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مِفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء))، وعن أبي الدَّرداء قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: ((لا تشرَبِ الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر))؛ أخرجه ابن ماجه، وفي العصر الحديث فإن المفتاح له معانٍ متعددة، منها المفتاح الأداة الذي نحمله لفتح الأقفال، والمفتاح رمز رقمي أو بالحروف؛ كمفتاح الشيفرة، أو مفتاح خط الهاتف الدولي والمحلي، وهكذا..

ولنعُدْ إلى قصة قارون: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ [القصص: 76]، والفرَح هنا ليس بمعنى السرور، وإنما عنى بالفرح: البطَر والتعالي والكِبْر، وهذه من الأمور المنهي عنها، وفي الحديث الشريف الذي يرويه أبو هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظَمة إزاري، فمَن نازعني واحدًا منها قذفته في النار))؛ أخرجه أبو داود، لقد بلغ الكِبْر والبطر عند قارون مبلغه، فلم تعُدْ تسَعه أرضٌ مِن تعاليه على الناس، وبذخه، والظهور بمظهر التميز، واختراع أنواع الزينة والحلي، والتجمل بها، مع ملابس حريرية ذات ألوان مبهرة، وتزيين لمراكبه بالسروج، وأنواع اللجم المفضضة، فنسي بهذا آخرته التي لم يحسُبْ لها أي حساب، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، وهذا أفضلُ مِن التكبُّر والفرح والتعالي على عباد الله؛ أي: اطلب رضاء الله بالعمل الصالح الموصل للآخرة بسلام، وأما الدنيا فلا مانع أن تأخذ منها حاجتك التي تقوِّي إيمانك وتزودك بالحسنات؛ لترقى بها إلى عالم الصالحين، ومنازل الأخيار، ﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]، وعليك أن تذكر إحسان الله وفضله عليك إذ جعلك في هذا النعيم، ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]؛ فالله سبحانه وتعالى استخلف آدم وذريته على هذه الأرض لإعمارها؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]، وعليه فإن اللهَ لا يحب المفسدين المخربين لِما خلق الله في الكون من جمال وموادَّ لا تحصى لخدمته وليسخرها بمعرفته وما فيها من خواصَّ لتذلل له سبل الحياة، فالساعون لإفساد نظام الكون والعبث بقوانين الله في الأرض وسفك الدماء هم مِن أكثر الناس بعدًا عن رحمته، وهم المغضوب عليهم والمحرومون من جنته، فكان جواب قارون على النصح والإرشاد والعقلانية التكبُّر والتعالي، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، لقد نسب ما يرفل فيه من النعيم إلى شخصه وعلمه وجهده، وكأن له من الأمر شيئًا، وأن من يمرض ويضعف ويهرم وينام ويتعب ويموت، هو مخلوق بادي الضعف، عبد تابع ليس له من الأمر شيء حتى وإن ملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، فهي لا تدفع عنه ألم ضرس، ولا داء خطيرًا، ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾ [الأنعام: 46]، ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ [القصص: 78]، وهذا الخطاب له لأنه كما ذكر كان متعلمًا دارسًا، له اطلاع على تواريخ الأمم وما حدث لها من عقوبات لقاء الجحود والكفر، هو من قوم موسى، سمع ما تناقله الرواة عن قوم نوح وعاد وثمود ولوط وشعيب، وهذه الآية تدل على أن هلاك قارون في مصر كان قبل هلاك فرعون، وإلا لكان ذكَّره بمصيره كما ذكَّر قوم شعيب بهلاك جيرانهم قوم لوط: ﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 89]، ثم ختمت الآية بقاعدة عامة: ﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78]، فلقد سُجِّل المجرمون في قائمة أهل النار، "وليس بعد الكفر ذنب"، فهؤلاء العتاة لا يطهرهم إلا النار؛ لكثرة جرائمهم، فعن أي شيء يسألون، وكل جريمة مما اقترفوه تودي بهم إلى النار، وقد ارتسم على جباههم سمات الشر، وأتوا سود الوجوه، زرق العيون، وهذا قارون واحد منهم، وسيأتي بعده ألوف، بل وملايين من هذا الصنف الذي شط به البعد عن الأهلية والإنسانية، بل قد يصدر عن الحيوان المفترس أحيانًا ما يدل على وجود نقطة مضيئة، بخلاف السجل المعتم المدلهم الطويل لعتاة المجرمين، فليس فيه بارقة من ضياء، ولكن قارون ظل يحمل في أعماقه الكبر والتعالي والاعتداد بثروته التي يشمخ بها على الناس، ويجعلها واسطته لتسليط الأضواء عليه لكي يلهج الناس بذكره، ويبقى حديث المجالس، فلا يذكرون سواه، يتحدثون عن ثروته وبغاله وزينته ورفاهيته وجواريه، ويطغى الحديث عنه على كل حديث آخر، ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ [القصص: 79]، وقد وصفت هذه الزينة وصفًا حلق الخيال فيها إلى أقصى غاياته وتصوراته، فذكر من الذهب والفضة والمجوهرات والملابس والحرير الآلاف المؤلفة، وكأن كل شيء منها في العالم كان قد جعل في حيازة قارون، ومع كل هذا فقد وجد في هذه الدنيا من هو أكثر غنى من قارون، ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ [القصص: 78]، فلم يكن في زينته سبقًا في الزمن، ولا الأغنى من الناس، وإنما كان هذا مثلًا وأنموذجًا في بني إسرائيل ظهر فيهم للعبرة، فقد وصل إلى منتهى الآمال في الغنى والثروة أو كاد، ولكن في هذه الدنيا لا يبقى الغني على غناه ولا الفقير المحروم على فقره وحرمانه؛ فتغيُّر الأحوال وعدم ثباتها من صفات هذه الدنيا، فلا يغتر بها مغرور، ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ [القصص: 79]، مثل هؤلاء المتمنِّين هم الكثرة الغالبة في كل مجتمع وعصر، ينظرون إلى الآخرين نظرة محدودة سطحية ليس فيها تعمق وتفكر، يحسبون كل غني محظوظًا وكل ذي سلطان سعيدًا، وقد تكون الدنيا منتهى سعادتهم، ولكن ما بال الآخرة ينساها هؤلاء، فهي الدار الباقية، وفيها النعيم الدائم الذي لا يعادله نعيم في الدنيا مهما علا وارتقى وبلغ الأوج، وما هو ببالغه؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار، فيقال: اغمسوه في النار غمسة، فيغمس فيها، ثم يقال: أيْ فلانُ، هل أصابك نعيم قط؟ فيقول: لا، ما أصابني نعيم قط، ويؤتى بأشد المؤمنين ضرًّا وبلاء، فيقال: اغمسوه غمسة في الجنة، فيغمس فيها غمسة، فيقال له: أيْ فلانُ، هل أصابك ضر قط أو بلاء؟ فيقول: ما أصابني قط ضر ولا بلاء))؛ أخرجه ابن ماجه.

فلا يغتر أحد بالدنيا ومظاهرها وما عليه بعض ذوي الثراء الفاحش ممن يسمون "مليونير وملياردير"؛ فالعبرة بالعمل الصالح الموصل في نهاية هذه الدنيا إلى جنان الله ونعيمها؛ فالدنيا عرَض زائل مع ما فيها من شقاء أو سعادة، وقال المتمنون السطحيون الذين يحلمون أن يكونوا مثل قارون: ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79] هكذا الحظ وإلا فلا، لسان حال السطحيين الذين لا ينظرون إلى الدنيا إلا من زاوية المال التي تُعمي الأبصار عن الآخرة التي ينبغي ألا تغيب عن كل ذي عينين، فما معنى الموت الذي يعمل عمله في الناس؟ فليس فيه استثناء ولا تجاوز، وإنما هو طريق الجميع "كفى بالموت واعظًا لك يا عمر"، فهل تمنى المؤمنون أن يكون لهم مثل ما أوتي قارون؟ لم يفكروا بقارون ولا بثروته، بل إنهم رثَوْا لحال قارون وما سيواجهه من مصير أسود، ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80]، هذا هو موقف أهل الإيمان، نظرة تعفف ذاتية ونصح للآخرين الذين ينخدعون بالمظاهر، وتنبيه لهم بأن هذا الذي ترونه متبَّرٌ زائل، لا يساوي عند الله جَناح بعوضة، وهو استدراج لقارون وأمثاله، وأي استدراج، إنه من النوع القاتل المهلك الذي يغري صاحبه فيخرجه من حالة العقل المتزن المفكر إلى جنوح الفكر وهلوسة التصور، وضبابية الرؤية، وإلى حالة من الاعتقاد بأنه فوق الإنسان وقدراته، وأنه صانع هذا الثراء بعلمه وعبقريته، فهو يستطيع فعل أي شيء خارق، وهو لم يصل إلى هذا الحد إلا بذكائه الخارق الذي يفوق كل ذكاء بشري، أو ما فوق البشري، حتى إذا وصل إلى هذه الطريق ولم يعد بمقدوره العودة إلى طبيعته الإنسانية جرده الله من كل شيء ونتفه وهو في عليائه وتركه مقصوص الجناحين ليهوي من حالق محطَّمًا ذليلًا ضعيفًا وقد كتب عليه الشقاء الأبدي؛ ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، فكان جزاءُ التعالي والكِبْرِ الهويَّ والخسف لأسفل سافلين، ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81]، فبعد النهاية الحتمية لقارون حيث الخسف وابتلاع الأرض له أمام جمع من الناس وهو يصرخ ويستغيث ولكن ليس من مغيث، الأمر أمر الله، وليس من مغيث سواه، وفي قصة نهاية قارون حيث حفر بيده قبره ورد ما يلي: "أن قارون قد حقد على موسى لنبوته ومحبة بني إسرائيل له، فأراد أن يدبر مكيدة لموسى، فاستأجر بغيًّا وأغراها بالمال على أن تقول: إن موسى زنى بها، واتفق معها على أن تأتي في جمع من الناس يكون فيه موسى، ثم جاء قارون إلى موسى وقال له: اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك، قال موسى: نعم، فجمعهم فقالوا له: ما أمرك ربك؟ قال: أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصلوا الرحم وكذا وكذا - ذاكرًا أساسيات الشريعة، فقال قارون: يا موسى، ما حد من سرق؟ قال: تقطع يده، فإن كنت أنت؟ قال: نعم، قال: فما حد من زنى؟ قال: أن يرجم، قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم، قال: فإنك قد فعلت، قال موسى: ويلك! بمن؟ قال قارون: بفلانةَ، فدعاها موسى، فقال: أنشدك بالله أنا فعلت بك ما يقولون؟ قالت: لا، وكذبوا، ولكن جعلوا لي جُعلًا - أجرًا - على أن أقذفك بنفسي، فوثب موسى فخر ساجدًا وهو يبكي، فأوحى إليه ربه: ما يبكيك يا موسى؟ قال: يا رب، عدوك لي مؤذٍ أراد فضيحتي، يا رب، سلطني عليه، فقال: ارفع رأسك؛ فقد أمرت الأرض أن تطيعك، فقال موسى: يا أرض، خذيهم، فاضطربت الأرض فأخذت قارون ومن معه حتى بلغوا الكعبين، فقال قارون: يا موسى، ارحمني، قال: يا أرض، خذيهم، فاضطربت داره وساخت، وخسف بقارون وأصحابه إلى ركبهم وهو يتضرع إلى موسى، وموسى يقول للأرض: خذيهم، فخسف به وبداره وأصحابه.

قيل: عاتبه ربه، قال: يا موسى، ما أفظَّك! أما وعزتي وجلإلي، لو إياي نادى لأجبته، ولكن إرادة الله اقتضت عقاب قارون بالخسف فهو يتدهده في الأرض.

وردت هذه القصة في التفاسير بروايات متقاربة، ولكن يعوزها الدقة في اختيار الكلمات، وعلى سبيل المثال: "ناشد موسى البغي بالتوراة"، وهذه العبارة تدل على أن القصة حصلت في سيناء؛ لأن التوراة نزلت في سيناء، ولو أنه ناشدها بالصحف لكان أولى؛ لأن الصحف نزلت على موسى في مصر، وهي مرحلة أولية تتناسب مع دعوة موسى في مصر، ثم تبعها في سيناء نزول التوراة كاملة، والآية: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81] تدل على الإقامة في مدن، وهذا يعني أنها حصلت في مصر، فالذي لا يعنيه المكان من المفسرين سرد القصة كما سمعها دون تدقيق، سواء أورد فيها ما يدل على حدوثها في سيناء تارة أو في مصر تارة أخرى دون التنبيه لورود الأمرين معًا.

وهناك دلائل ترجح حدوثها في مصر أكثر من حدوثها في سيناء، منها:
آية: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ [القصص: 78]، وهي تدل على أنه هلك قبل فرعون، ولو هلك هو بعده لذكَّره به، على نهج ما ذكَّر به قوم شعيب: ﴿ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 89].

أنه لم يرِدْ في العبور أن قارون عبر ببغاله وذهبه، كما لم يرد له ذكر عندما صنع السامري العجل من الذهب، ولكان الأولى أن يأخذ من ذهب قارون.

لا يعقل أن يخرج قارون من مصر مع بني إسرائيل - وهو عين فرعون على قومه - دون أن يخبر فرعون بأمرهم، ويعلم أنهم خرجوا سرًّا.

يوجد في مصر بركة ناتجة عن خسف، سُمِّيت باسم قارون، وهي المكان الذي كان يعيش فيه، فهي شاهد قوي.

إن هذه الكنوز وما فيها لا تتحقق إلا في بلد مستقر، وبنو إسرائيل زمن موسى لم يستقروا.

ذكر في القُرْآن الثالوث البغيض معًا في آيتين "فرعون وهامان وقارون"، دليل عملهم المشترك ضد موسى وقومه.
﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 82]، وصحَا مَن تمنَّوا مكان قارون من أحلام اليقظة بعدما رأوا الخسف عيانًا، فقالوا والدهشة المشوبة بالخوف تتملكهم، فأقروا أن الأمر كله بيد الله، هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء، ولا يعني كثرة الغنى لشخص ما أنه مقرب من الله محبوب، ولا التقتير على شخص ما أنه مبعَد من الله غير محبوب؛ فالإيمان والعمل الصالح الذي يختم به العبد آخرته هو الذي يقرر مصيره في الآخرة، وأن القاعدة في هذه الدنيا: أن الكافر خاسر لن يرى الفلاح.

مثال ما ذكره أهل التفسير والسير نصًّا:
ورد في كتاب "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني ما يلي:

"وقد أخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: كان موسى يقول لبني إسرائيل: إن الله يأمركم بكذا، حتى دخل عليهم في أموالهم - أخذ منهم الزكاة - فشق ذلك على قارون، فقال لبني إسرائيل: إن موسى يقول: من زنى رجم، فتعالوا نجعل لبغي شيئًا حتى تقول: إن موسى فعل بها، فيرجم، فنستريح منه، ففعلوا ذلك، فلما خطبهم موسى قالوا له: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، فقالوا قد زنيت، فجزع، فأرسلوا إلى المرأة، فلما جاءت عظم عليها موسى، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل إلا صدقت، فأقرت بالحق، فخرَّ موسى ساجدًا يبكي، فأوحى الله إليه: إني أمرت الأرض أن تطيعك، فأْمُرْها بما شئت، فأمَرها، فخسفت بقارون ومن معه، وكان من قصة قارون أنه حصَّل أموالًا عظيمة جدًّا، حتى قيل: كانت مفاتيح خزائنه من جلود تحمل على أربعين بغلًا، وكان يسكن تنِّيس، فحُكي أن عبدالعزيز الحروري ظفر ببعض كنوز قارن وهو أمير على تنِّيس.

تعليقي على النص: ورد أن موسى استحلف المرأة بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، ثم ورد أن قارون كان يسكن في تنيس، ومن المعلوم أن تنيس في مصر، وهي بالفعل مسكن قارون، وكانت عاصمة الفراعنة، أو من كبرى مدنهم، فبها خسفت الأرض، وهذا يدل على أن قارون قد هلك قبل عبور بني إسرائيل البحر، فكيف يسأل موسى المرأة بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وهذا حدث في خروج بني إسرائيل النهائي من مصر.

مِن هذا التناقض يتبين أن المفسرين كانوا يجمعون المادة دون تمحيص؛ حيث لم يكن يعنيهم سوى القصة دون النظر إلى مكان الحدث.

- وَرد. 18-01-2023 11:10 AM

-












بارك الله فيك
وَ جزاك عنا كل خير
تقديري.

ʂąɱąя 18-01-2023 03:26 PM

طرح رآقي گ روحـگ :ff1 (153):
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ :ff1 (153):
تحية صادقه من الاعماق :ff1 (153):
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ :ff1 (153):
ودي لگ :ff1 (153):

فروله توت ♩ 18-01-2023 05:25 PM

سلمت اناملك ويعطيك العافيه علي مجهودك
في أنتظار المزيد
من عطائك والمزيد من مواضيعك الرائعة والجميله
ودائما في إبداع مستمر

إرتقاء 18-01-2023 05:26 PM

جزاك الله كل خير
وبارك الله فيك

قَـلـبْ 20-01-2023 05:13 PM




جزاك الله خير:241:
وجعله في موازين حسناتك:241:
وانارالله دربك بالايمان:241:
ماننحرم من جديدك المميز:241:
امنياتي لك بدوام التألق والابداع:241:
دمـت بحفظ الله ورعايته:241:

قَـلـبْ 20-01-2023 05:13 PM




جزاك الله خير:241:
وجعله في موازين حسناتك:241:
وانارالله دربك بالايمان:241:
ماننحرم من جديدك المميز:241:
امنياتي لك بدوام التألق والابداع:241:
دمـت بحفظ الله ورعايته:241:

Š₳ħββє 20-01-2023 11:06 PM

.
.










جَزآك آلمولٍى خٍيُرٍ " .. آلجزآء .. "
و ألٍبًسِك لٍبًآسَ
" آلتًقُوِىَ " وً " آلغفرآنَ "
وً جَعُلك مِمَنً يٍظَلُهمَ آلله فٍي يٍومَ لآ ظلً إلاٍ ظله .~
وً عٍمرً آلله قًلٍبًك بآلآيمٍآنَ .~
علًىَ طرٍحًك آلًمَحِمًلٍ بنًفُحآتٍ إيمآنٍيهً .!

للهَ درِك

..||**

أميرة أميري 23-01-2023 11:06 PM

جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك

- شقاء.. 07-02-2023 01:03 PM

_
،




















جَزَاكَ اَللَّهُ اَلْجَنَّةَ وُوَالُدِيكْ
سَلَّمَتْ يَدَاكَ وَنَفَّعَنَا اَللَّهِ بِمَا طَرَحَتْ
- لَا عَدِمْنَا هَذَا اَلنَّقَاءِ . . :-ff1 (8):
~


الساعة الآن 06:56 PM

تصحيح تعريب Powered by vBulletin® Copyright ©2016 - 2024 
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة آنفاس الحب

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant