12-10-2020
|
|
مُلَخَّص أحكام الإمامة [1]
أولاً: مَن أحَق بالإمامة؟
قال - رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَؤمُّالقومَ أقرَؤُهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلَمُهمبالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواءً، فأقدَمُهم هجرة - يعني من بلاد الكُفر إلى بلاد الإسلام -، فإن كانوا في الهجرةسواء، فأقدمهم سِنًّا - وفي رواية: سِلمًا (أي إسلاماً) - ولا يَؤُمَّنَّ الرَّجلُالرجلَ في سلطانه - يعني مكان سُلطَتِه كَبَيْتِهِ أو ولايته -، ولا يقعد في بيته على تَكْرُمَتِه إلاَّ بإذنه))[2]، ومعنى " تَكْرُمَتِه":فراش المنزل وغيرهمِمَّا يجلس عليه الضيوف، بحيث لا يقعدون إلا بعد أن يأذن لهم في الجلوس في المكان الذي يحدده لهم، وذلك حتى لا يكشفوا عورة المنزل.
ومِمَّا سبق يتبيَّن أن الأحقَّ بالإمامة يكونُ على هذا الترتيب:
أوَّلاً: الأَقْرأُ،والمقصود بالأَقْرأُ الأكثر حِفْظًا؛ لحديث عمرو بن سَلَمَة رضي الله عنه: ((لِيَؤمَّكم أكثَرُكم قرآنًا))[3].
ثانيًا: إنْ استَوَوْا في القراءة، فأعْلَمُهُم بالسُّنة؛ يعني أفقَهَهم.
ثالثًا: إنْ استَوَوْا في الفِقه، فالأقدم هجرةً من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
رابعًا: إنْ استَوَوْا، فالأسبَقُ إلى الإسلام؛ كما جاء في رواية: ((سِلمًا)).
خامسًا: إنْ استَوَوْا في كل ما سبق، فالأكبر سِنًّا كما وَرَدَ في الرِّواية الثانية.
ملاحظات وتنبيهات:
1 - هذا التَّرتيب السابق يُطَبَّق في حالة عدم وجود إمامٌ راتب للمسجد (يعني إمام مُعَيَّن براتب شهري)، فإن كان هناك إمام راتب، فإنَّه لا يتقدَّم عليه أحد، حتى ولو كان أقرأَ منه أو أفقه؛لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في آخر الحديث: ((ولا يَؤمَّنَّ الرَّجلُالرَّجلَ في سلطانه))، إلا لو أذِنَ له، لقوله في نهاية الحديث: (إلا بإذنه).
2 - وكذلك لا يتقدَّم أحدٌ على صاحب المَنْزل، إلاَّ أن يَأْذن له بالإمامة؛ وذلك للحديث السابق.
3 - يُشْتَرَط في تقديم الأقرَأ أن يكون ضابطًا للصَّلاة (يعني يعلم أحكامها)، فإن كان لا يُحسِنها فلا يُقدَّم[4].
4 - إذا استَوَوْا في الأمور السابقة كلها، فإنه يُقْرَع بينهم، إلاَّ أنيتَنازلوا لأحدهم، وأما ما وَرَدَ في بعض كتب الفقه من اعتباراتٍ أخرى؛كقولهم: أشرفهم، أو أجملهم، أو أتقاهم أو نحو ذلك، فمِمَّا لا دليل عليه.
ثانيًا: مَن الذي تَجُوز إمامته؟
1- تصِحُّ إمامة الصبي: وذلك لِمَا ثبت أنَّ عمرو بن سَلَمَة صَلَّى إماماً بقومه؛ لأنَّه كان أكثرهم قرآنًا، وكان عمرُه ستَّ أو سبعَ سنين[5].
2- وتصِحُّ إمامة المسافر للمقيم، والمقيم للمسافر: وذلك لِما ثبت أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقام بمكَّة زمن الفتح ثمان عشرة ليلة، يصلِّيبالناس ركعتَيْن ركعتين، إلاَّ المغرب، ثم يقول: ((يا أهل مكَّة، قوموافصَلُّوا ركعتين أُخْريَيْن - (يعني لا تُسَلِّمُوا معنا، ولكنْ قوموا فأتِمُّوا صلاتكم) -، فإنَّا قومٌ سَفْر - يعني على سَفَر))[6]، فهذا الحديث يَدُلُّ على أنَّه يَجُوز للمقيم أن يأتَمُّ بالمسافر، وذلك بأنْ يصلي معه ركعتين، ثم يقوم لِيُتِمّ صلاته.
وعن موسى بن سلمة قال: "كُنَّا مع ابن عبَّاس بمكة - (يعني أنهم كانوا على سفر) -، فقال موسى بن سلمة لابن عباس: إنا إذا كنا معكم - (يعني في صلاة الجماعة معكم) - صلَّيْنا أربعًا،وإذا رجَعْنا إلى رِحَالِنا صلَّينا ركعتين؟ فقال ابن عبَّاس: "تلك سُنَّة أبي القاسم- صلَّى الله عليه وسلَّم -"[7]، فهذا الحديث يَدُلُّ على أنَّ المسافر يأتَمُّ بالمقيم، وذلك بأن يُتِم صلاته مع إمامه أربعاً، ويُقصِر الصلاة إذا كان منفرداً، أو كان يصلي جماعة مع رُفقة مسافرة.
3- وتصِحُّإمامة المتوضِّئ للمتيمم، والمتيمِّم للمتوضِّئ، وكذلك تصِحُّ إمامة الأعمى.
4- وتصحُّ إمامة المفترض للمتنفِّل، والمتنفل للمفترض: وذلك لما ثبتَ أنَّمعاذً بن جبل رضي الله عنه كان يصلِّي مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - العشاء الآخرة، ثميرجع إلى قومه فيصلِّي بهم تلك الصلاة[8]، وفي روايةٍ أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لهم: ((هي له تطوُّع، ولكم مكتوبة العشاء))[9]، وذلك لأن معاذًاً كان ينوي بالأُولى الفرضَ، وبالثانية التطوُّع، أما بالنسبة لهم فكانت هذه الصلاة هي الفريضة، فهذا الحديث يَدُلُّ على أنه يَجُوز للإمام أن يصلِّي النافلة، والمأموم يصلِّي ورائه بِنِيَّة الفريضة.
♦ وأمَّا صلاة المتنفِّل خلف المفترض،فلِمَا ثبتَ أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صَلَّى، فلما صلَّى إذارَجُلان لم يُصلِّيا في ناحية المسجد، فدعا بِهما، فجيء بهما ترعَدُفرائِصُهما، فقال: ((ما منَعَكما أن تُصلِّيا معنا؟))، قالا: قد صلَّينا فيرِحالنا، فقال: ((لا تَفْعلوا، إذا صلَّى أحَدُكم في رَحْلِه، ثم أدركالإمام ولم يُصلِّ، فليصلِّ معه؛ فإنَّها له نافلة))[10]، و"الفرائص": جمع "فريصة"، وهي لحمة وَسَط الجنب عند مِنبَض القلب، ترتَعِد من الفزَع[11].
♦ وأمَّا صلاة المتنفل بالمتنفل، فلِمَا ثبت مِن صلاته - صلَّى الله عليه وسلَّم - بابن عبَّاس، وقد قام يصلِّي من الليل[12].
5 - وتصِحُّ صلاة المفترض بالمفترض ولو خالفه في الفريضة، كأن يُصلِّي أحدهماالعصر والثاني يصلي ورائه بنيَّة الظهر، وسواء كان كلتا الفريضتَيْن متساويتين في الركعاتكالظُّهر والعصر، أو إحداهما تختلف عن الثانية كالمغرب والعشاء، وسواء فيذلك إذا كانت إحداهما تُصلَّى أداءً، والأخرى قَضاء.
قال ابن حزم: "إنه لم يأت قَطٌ قرآن، ولا سُنَّةٌ، ولا إجماعٌ ولا قياس يُوجِب اتِّفاقنيَّة الإمام والمأموم، وكل شريعة لم يوجبها قرآنٌ ولا سنة ولا إجماع، فهيغيرُ واجبة"[13].
ملحوظة: إذاكانت صلاة المأموم أقلَّ في عدد الرَّكعات من صلاة الإمام؛ كأنْ يُصلِّيالمأموم المغرب خلف إمام يصلِّي العشاء، فيجُوز للمأموم أن ينفَرِد عن إمامه بعدالثَّالثة، ولا يتابعه بل يجلس ويتشهَّد، وهو مُخَيَّر بين أن يُسلِّم أوأن ينتظر إمامه فيسلِّم معه، ولكنْ الأولَى أن يصلي العشاء مع الإمام أوَّلاً (بِنِيّة العشاء)، ثم يصلي المغرب بعد ذلك، ولايجب عليهحينئذٍ أنْ يصلي العشاء مرة أخرى طلبًا للترتيبِ؛ إذ لا دليلَعلى ذلك، وقد قلنا أنَّ ذلك هو الأولَى لعدم حدوث بَلبَلة في الصف الذي يصلي فيه بسبب جلوسه المفاجئ بعد الثالثة.
6- هل يَجُوز أن يُحوِّل النيَّة من منفردٍ إلى إمام؟
الجواب: نعَم، يَجُوز ذلك، فلو أنَّ إنساناً صلَّى منفرداً، ثُم جاء آخَر، فاقتدى به، جازَ له ذلك.
7- ما حُكم الصَّلاة خلف الفاسق (يعني الذي يرتكب المُحرَّمات، وكان ظاهِرَ الفِسق)، وكذلك خلف المبتدِع؟
الرَّاجح صحَّة إمامته؛ خاصَّة إذا كان أقرأهُم، والأدلة على ذلك كثيرة، ولكنْ يُلاحَظ الآتي:
1- هذاالحُكم فيما إذا كان هذا الإمام - الفاسق أو المبتدع - راتبًا أو بولاية السُّلطان، ومَهْما أمكَنعزْلُه من الإمامة..عُزِل من باب الإنكار عليه، إلاَّ إذا ترتَّب على ذلك ضرَر، وينبغيلولِيِّ الأمر أن لا يُعَيِّن هؤلاء الأئمَّة الفسَقَة والمبتَدِعة لإمامة المسلمين[14].
قال ابن تيميَّة: "ولا يَجُوز أن يُولَّى المُصِرُّ، - ولا المُدْمِن - إمامةَ الصَّلاة، لكنْ لووُلِّي: صُلِّيَ خلفه عند الحاجة؛ كالجمعة والجماعة التي لا يَقوم بها غيره،وإنْ أمكن الصَّلاة خلف البَرِّ، فهذا أولَى"[15].
2- فإذا أمْكَنَ للمُصلِّي أن يصلِّي خلف غير المبتدع وغير الفاسق، فهو أحسن،وعلى هذا إذا كان في الحيِّمسجدان أحدهما إمامه على السُّنة والتقوى،والآخر على البدعة أو الفسق، فإنه يصلِّي خلف الأول ولو كان مسجده هوالأبعَد.
3- قال ابن تيميَّة: "ليس من شرط الائتِمام أن يَعْلم المأمومُ اعتقادَ إمامه - (هل عقيدته على السُنَّة أم لا) -،ولا أن يمتحنه، فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلِّي خلف مستور الحال"[16].
إذا صلَّى الإمامُ قاعدًا لِعِلَّةٍ ما، فكيف يصلِّي المأموم؟
إذا صلَّى الإمام قاعدًا، فله في ذلك حالتان:
الحالة الأولى: أنيبتَدئ الصَّلاة من أوَّلِها قاعدًا، فيَجِب على المأمومين أن يُصلُّواخلفه قُعودًا؛ وذلك لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ائتموا بأئمَّتكم؛إن صلَّى قائمًا، فصلُّوا قيامًا، وإن صلَّى قاعدًا، فصلوا قعودًا))، وحينئذِ يُومِئوا عند الركوع، ويسجدوا كالمعتاد عند السجود[17].
قال الشيخ ابن عُثَيْمِين: "وهذا القول هو الصَّحيح، أنَّ الإمام إذا صلَّى قاعدًا: وجبَ على المأمومين أن يُصلُّوا قعودًا، فإن صلَّوا قيامًا، فصلاتهم باطلة[18].
الحالة الثانية: أن يبدأ الصلاة قائمًاً، ثم تَعْرض له عِلَّة - كأنْ يحدث له ألمٌ بظهره مثلاً - أثناء الصلاة فيُتِمَّهاقاعدًا، أو أن يأتى بتكبيرة الإحرام قائماً ثم يقعد، فيَجُوز للمأموم في هذه الحالة أن يصلِّي خلف إمامه قائمًاً.
وقد ذهب بعضُ العلماء - منهم الإمامُالشافعي - إلى نَسْخِ الأمر بالقعود، وأنكَرَ الإمام أحمدُ نسْخَ ذلك،وجعلهما على حالتين كما سبَق[19].
تنبيه: إذاعجز الإمام عن الرُّكوع والسجود أثناء الصلاة، وصَلَّى بالإيماء، صَحَّت الصلاة خلفه،وحينئذٍ لا يُومِئُ المأموم إذا أومَأَ الإمام، بل على المأموم أن يُتِمَّالرُّكوع والسجود.
حُكْم إمامة مَن تُكْرُه إمامته:
ثبَتَ في الحديث: ((ثلاثةٌ لا تُجاوز صلاتُهم آذانَهم))، وذكَرَ منهم: ((إمامُ قومٍ وهم له كارِهُون))[20].
قال الشوكانِيُّ: "... وقد قيَّد ذلك جماعةٌ مِن أهل العلم بالكراهية الدينيَّة؛ لسببٍ شرعي -كأن يكون هذا الإمام مُجَاهِراً بمعصية معينة، أو بذيء اللسان، أو غير ذلك -، فأمَّا الكراهة لغير الدِّين - كأن يكون على خِلاف شخصي معه -، فلا عِبْرة بها، وقيَّدوه أيضًا بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين، ولا اعتبار بكراهة الواحد والاثنين والثَّلاثة"[21].
ملاحظات:
1- لا يَجُوز للمرأة أن تَؤمَّ الرجل، فإن فعلَتْ فالصلاة باطلة.
2- ما هو حُكم إمامة الأخرس لغيره - سواء كان الخرَسُ لازِمًا أو عارضًا -، وسواء كانَ مَن يُصَلِّي خلفه أخرساً مثله أو لم يكن به خرَس؟
قال الشيخ ابن عُثَيْمِين في إمامة الأخرس: "... لا يَنْبغي أن يكون إمامًا؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله))، وهذا لا يقرأ، لكن بالنِّسبة للصحَّة، فالصحيح أنها تصِحُّ"[22].
قال الشيخ عادل العزّازي: (قد رجَّح ابن قدامة في "المُغني" عدم صِحَّة إمامته، وهو الرَّاجح عندي، والله أعلم).
3- تصِحُّ الصلاة خلفَ المُخالِف في الفروع (يعني في الخلافات المُعتَبَرَة عند السلف في فروع العقيدة، وكذلك في الخلافات المُعتَبَرَة في المسائل والأحكام الفقهية)، ولو فعلَ الإمام شيئاً يعتقده المأموم حرامًا.
قال الشيخ عادل العزّازي: (مثاله أن يرى أنَّ أكل لحم الجَزور - وهو اللحم الجَمَلِي - لا ينقض الوضوء، والمأموم يرى نقْضَه، فتصحُّ الصلاة خلفه، أو يعتقد حِلَّ شراب معيَّن - مثل ما يُسَمَّى بـ (الفيروز أو البيريل) -، ويراه المأموم حرامًا... إلخ)، والدليل على ذلك أنَّ الإمام إما إن يكون مصيبًا، وإما أن يكونُ مخطئًا؛ فإن كان مصيبًا، فذاك، وإن كان مخطئًا، فقد ثبت في الحديث: ((... وإن أخطؤوا - أي الأئمة -، فلكم وعليهم))[23] قال ابن تيميَّة: "... ولَم يزَل الصَّحابة والتابعون أجمعين يؤمُّ بعضهم بعضًا، مع أنَّهم مختلفون في الفروع"[24].
4- تصحُّ الصَّلاة خلف كلِّ مَن صَحَّتْ صلاته لنفسه؛ كَوَلَدِ الزِّنا والعبد المملوك، فقد سُئِلَت عائشة رضي الله عنها عن ولَدِ الزِّنا فقالت: ليس عليه مِن خطيئة أبوَيْه شيء، وعلى هذا فمَن صَحَّتْ صلاته لنفسه.. صَحَّتْ صلاته لغيره.
5- قال ابن حزم رحمه الله: "وأما الألثغ - (وهو الذي يبدل حرفًا بحرف) -، والألْكَن - (وهو الذي لا يقيم العربيَّة؛ لِعُجمةٍ في لسانه، كأن يقول مثلاً: (الهَمْدُ لله) بدلاً من: الحمد لله) -، والأعجميُّ اللِّسان - (وهو الذي يتكلم بأيّ لغة غير العربية) -، واللحَّان - (وهو كثير الخطأ، أقصد في غير الفاتحة) -، فصلاة مَن ائتمَّ بهم جائزة؛ لقول الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [25].
♦ ويَرى الشيخ ابن عُثَيْمِين صحَّة إمامة الفأفاء - (وهو الذي يكرِّر حرف الفاء عندما يقرأه) -، والتَّمتام - (وهو الذي يكرِّر حرف التاء) - وَمَن لا يقرأ بالتَّجويد[26]، لكنَّه قال بعد ذلك: "وعلى كُلٍّ، فالَّذي يكرِّر الحروف تُكرَه إمامته من أجل زيادة الحرف، ولكن لو أمَّ الناس، فإمامته صحيحة"[27].
قال الشيخ عادل العزّازي: (ويرى ابن تيميَّة عدم الصَّلاة خلف الألثغ الذي يُبدل حرفًا بحرف إلاَّ حرف الضاد بالظاء؛ لِتَشابُهِ المَخْرَجين؛ فعلى هذا إذا كان "اللثغ" خفيفًا ليس فيه إبدالٌ، فلا حرَج؛ كأن يكون ثقيل اللِّسان مثلاً في حرف "الراء"، وأما إن أبدله - بحرف الغين -، كأن يقرأ {غَيْغ} بدلاً من {غير}، فيُمنَع من الإمامة، والله أعلم)[28].
6- إمامة مَن لا يُحسِنُ قراءة الفاتحة "ويُقال عنه: أُمِّيّ".
وذلك بأن يَلْحِنَ فيها - يعني يَخطأ في قراءتها -، واللَّحن قسمان؛ لحنٌ يُغيِّر المعنى كقوله: ﴿ أَهْدِنا ﴾ (يعني أعطِنا هديَّة)، بخلاف ﴿ اهْدِنا ﴾ فإنَّها من الهداية، أو يقرأ ﴿ أنعمتُ ﴾ بِضَمّ التاء بدلاً من فتحها، واللحن الثاني: لا يغيِّر المعنى، كأن يقرأ: ﴿ ربَّ العالَمين ﴾ بفتح الباء، بدلاً من كَسْرها.
♦ فإن كان اللَّحن لا يُغيِّر المعنى، فإمامته صحيحة، وإذا كان يُغيِّر المعنى، فلا تصحُّ إمامته إلا لمأمومين لا يُحسنون قراءة الفاتحة مِثْله، هذا بالنسبة لإمامته لغيره، أما بالنسبة لصلاته هو لنفسه: فإن كان عاجزًا عن تصليح لحنه، كما يُشاهَد في بعض الأعراب، فصلاته صحيحة، وكذلك إمامته لغيره، وأمَّا إن كان يستطيع تصحيح لحنه ولم يَفْعل، فصلاته - لنفسه ولغيره - باطلة (إذا كان اللحن يُغيِّر المعنى).
7- تصحُّ صلاة مَن به سَلَس البَول بِمثله وبغيره السَّليم، وكذلك مَن بهِ انفلات ريح؛ وذلك لأنَّه لم يَمْنَع من إمامته قرآنٌ ولا سُنَّة، ولكن الأَوْلَى أن لا يتقدَّم؛ مَنعًا للخلافات والمُنَازَعات، لكن لو أمَّ، فالصلاة صحيحة.
8- تصِحُّ صلاة المأمومين خلف المُحْدِث (الذي يصلي بهم بغير وضوء ناسياً) والمتنجِّس (الذي توجد على ثوبه أو بدنه نجاسة) إذا لم يَعْلموا بذلك، ولا يجب على المأمومين حينئذٍ إعادة الصلاة، حتَّى لو علموا بعد الصَّلاة أن الإمام كانَ مُحدِثاً أو متنجساً؛ وذلك لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُصلُّون لكم - أي الأئمة -، فإنْ أحسَنوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم))[29]، وأمَّا إن علموا بذلك أثناء الصلاة، وجبَ عليهم مُفارقَتُه، ويَجُوز في هذه الحالة أن يتقدَّمَ أحدهم فيُتِمَّ بهم الصلاة، ولا يَسْتأنفها (أي: لا يبدأ الصلاة من أوَّلِها)؛ بل يُتِمُّ بهم ما بَقِيَ.
وأمَّا الإمام، فإنْ عَلِمَ بالحدث بعد الصَّلاة - كأنْ يتذكر أنه أحدَثَ أو دخل الخلاء ولم يتوضأ -، فإنه يَجبَ عليه الطهارة وإعادة الصلاة، فإن تذكَّرَ ذلك أثناء الصلاة، وَجَبَ عليه استِخْلاف أحد المأمومين ليُكمِل الصّلاة مكانَه، وأما هو فيَخْرج مِن الصّلاة للتطهُّر، ويُلاحَظ أنه إذا تذكر ذلك أثناء سجوده هو والمأمومين، فإنه ينوي الخروج من الصلاة، ثم يقول: (اللهُ أكبر)، حتى يجلس المأمومون بين السجدتين، فيتمكن حينئذٍ من استخلاف غيره.
وأما إذا علم بوجود النَّجاسة على ثوبه أو على بدنه بعد الصلاة، فصلاته صحيحة، ولا يجب عليه الإعادة، وأما إن علم بها أثناء الصَّلاة، وَجَبَ عليه إزالتها، والمُضِيُّ في صلاته إن أمكن، فإن لَم يتمَكَّن مِن إزالتها إلاَّ بالخروج من الصلاة، خرجَ وأزالها، وأعاد الصلاة.
9- مَن وجد فُرجةً في الصَّف فإنه يُستَحَبّ له الدخول فيها؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (مَن وصَلَ صفًّاً، وصله الله)[30]، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن الله وملائكته يُصَلُّون على الذين يَصِلُون الصُّفوف))[31].
وعلى هذا؛ فلو كان أحد الناس يصلي النافلة أثناء إقامة الصَّلاة خلف الفرجة مباشرة؛ بحيث إنَّه إذا انتهى من النافلة سَدَّ الفُرْجة، فهل ننتظره أم نَصِلُ الفرجة؟ الرَّاجح: نَصِلها، ولا اعتبار لِتَهيُّئِه هو لِسَدِّها، إلاَّ أن نخشى عداوة منه، فحينئذٍ نتركها مُراعاة للائتلاف.
10- يُستَحَبّ عند إقامة الصفوفِ: السُّكونُ وعدَمُ ارتفاع الأصوات؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((.. وإيَّاكم وهَيْشات الأسواق))[32]، والمقصود: التَّحذير مِن ارتفاع الأصوات واختلاطها، ومن الخصومات والمُنازَعة.
11- يَحْرُم مسابقة المأموم للإمام في التكبيرات الانتقالية، والانتقال من ركن لآخر؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أمَا يَخْشى أحدُكم إذا رفَع رأسه قبل الإمام أن يَجْعل الله رأسه رأس حِمار، أو يجعل صورته صورةَ حِمار؟))[33].
قال ابن حجَر: "وظاهِرُ الحديث يقتضي تحريم الرَّفع قبل الإمام؛ لكونه توعَّد عليه بالمَسْخ، وهو أشدُّ العقوبات،... ومع القول بالتحريم - يعني تحريم مسابقة الإمام - فالجُمهور على أنَّ فاعله يأثم، وتُجْزئ صلاته، وعن ابن عمر: تَبْطل، وبه قال أحمدُ في رواية، وأهل الظَّاهر "[34]، لكنَّه إنْ سَها فرفَعَ رأسه قبل الإمام؛ فقد قال ابن مسعود: "إذا رفعَ قبل الإمام يعود فيَمْكث بقدر ما رفعَ، ثم يَتبع الإمام".
♦ وأما عن مُساواة الإمام فقد قال ابنُ حجر: "وأمَّا المقارنة - يعني مُساواة الإمام -، فمَسْكوت عنها"[35].
قال الشيخ عادل العزّازي: لكن الحديث يدلُّ على وجوب المُتابعة؛ وذلك يدلُّ بِمَفهومه على عدم المُساواة.
12- يَجُوز للمسبوقين إذا سلَّم الإمام أن يكون أحدُهم إمامًا، فيُتِمّ بهم ما فاتهم من الصلاة خلف الإمام[36].
13- قال ابن تيميَّة: "وإذا فعل الإمام ما يَسُوغ فيه الاجتهاد - يعني فعلَ فِعلاً مُعَيَّناً في الصلاة، وكانَ هذا الفِعل مَحِلّ خِلاف مُعتَبَر بين العلماء -، يتبعه المأموم، وإن كان هو لا يراه - يعني لا يأخذ بهذا الرأي -، مثل القُنوت في الفَجْر،...، وإذا ائتمَّ مَن يرى القنوت بمن لا يراه، تبعه في تَرْكِه"[37].
14- إذا كان الإمام سريعًا لا يُوَفِي الصَّلاة حقها، فالصحيح عدَمُ ترك الصَّلاة خلفه، إلاَّ إذا لم يتمكَّن المأموم من فِعل الواجبات والأركان باطمئنان، فإنه يكون معذوراً حينئذٍ بِتَرك الجماعة في هذا المسجد، لكن إن وجد مسجدًا آخر تُقام به الجماعة، وَجَبَ عليه الجماعة في المسجد الثاني"[38].
15- هل تَجُوز القراءة من المصحف في الصَّلاة؟ الجواب: كانت عائشةُ رضي الله عنها يؤمُّها عبدها ذَكْوان من المصحف[39].
ولكنْ يَرى ابن حزم رحمه الله أنه لا يَحِلُّ له أن يؤمَّ وهو ينظر في المصحف - يعني لكونه عملاً كثيرًا في الصَّلاة -، وذهب إلى بطلان صلاته وصلاة من ائتمَّ به وهو يَعْلم[40].
قال الشيخ ابن باز: "الصَّواب: الجواز؛ كما فعلت عائشة رضي الله عنها لأنَّ الحاجة قد تَدْعو إليه.."[41].
قال الشيخ عادل العزّازي: هذا في حاجة الإمام أن يَقْرأ من المصحف، وأمَّا إذا لم يكن هناك حاجةٌ، فليس هناك دليلٌ على جوازه؛ علمًا بأنه ليس من الحاجة والضرورة لزومُ القراءة بالتَّرتيب؛ لتحصيل الختمة مثلاً.
وأمَّا المأموم والمنفرد (الذي يصلي بمفرده) فلم يثبت في ذلك أثَر، فالأولَى تَرْك ذلك له؛ لأنَّ العبادة مَبنِيَّة على الدليل.
16- سُئِل الإمام أحمد عن إمامٍ يقول: لا أُصلِّي بكم رمضان إلاَّ بكذا وكذا - يعني يشترط أجراً معيناً على الصلاة بهم -، فقال: أسأل الله العافية، وَمَن يصلي خلف هذا؟ فإن دُفِعَ إليه شيءٌ بغير شرط، فلا بأس.
17- قال ابن تيميَّة: "وليس للإمام إعادةُ الصَّلاة مرَّتَيْن، وجَعْل الثانية عن فائتةٍ وغيرها، - كأن يصلي بالمأمومين صلاة أخرى جماعة بعد المكتوبة، وينوي أنها فائتة مما عليه وعليهم - والأئمَّة متَّفِقون على أنَّه بدعةٌ مكروهة"[42]، (يعني ليست بدعة كُفريَّة).
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).
[2] مسلم (673)، وأبو داود (583)، والترمذي (235)، والنسائي (2/ 77)، وابن ماجه (980)
[3] أصله في البخاري (4302)، وهو بهذا اللفظ عند الطبراني (17/ 30)، ورجاله رجال الصحيح.
[4] انظر "الشرح الممتع" (4/ 289)
[5] " انظر البخاري (4302).
[6] رواه أبو داود (1229)، وأحمد (4/ 430)، والبيهقي (3/ 135)، وفي إسناده علي بن زيد، وهو ضعيف، لكن ثبت ذلك أيضًا من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسنَدٍ صحيح؛ رواه مالك في "الموطأ" (1/ 149)
[7] رواه أحمد (1/ 216)، (1/ 337)، وأبو عوانة نحوه (2/ 340)
[8] حسن: رواه أبو داود (595)، وأحمد (3/ 192)، وله شاهد بإسناد حسن، رواه ابن حبان (2134)، من حديث عائشة، وانظر "الإرواء" (2/ 311)
[9] البخاري (700)، ومسلم (465)، والترمذي (583)، والنسائي (2/ 97)
[10] رواه الشافعي (1/ 57)، والدارقطني (1/ 275)، والبيهقي (3/ 86)، وعبدالرزاق، وصحَّحه الحافظ في "الفتح" (2/ 195 - 196)
[11] "انظر معالم السنن" للخطَّابي (1/ 387 - هامش "سنن أبي داود)
[12] وسيأتي الحديث بتمامه في صلاة الليل).
[13] "المُحلَّى" (4/ 316 - 317).
[14] انظر تقرير ذلك في كتاب "مجموع الفتاوى" (23/ 342)
[15] "مختصر الفتاوى المصرية" (ص74)
[16] مجموع الفتاوى" (23/ 351)
[17] مسلم (417)، وأبو داود (603)، وابن ماجه (1239)، والنسائي (3/ 9)
[18] "الشرح الممتع" (4/ 425)
[19] انظر "فتح الباري" (2/ 176).
[20] له طرق كثيرة يقوي بعضها بعضًا، انظر "صحيح الترغيب والترهيب" (484 - 487)، وانظر: "نيل الأوطار" (3/ 216 - 217).
[21] انظر "نيل الأوطار" (3/ 217 - 218).
[22] "الشرح الممتع" (4/ 320).
[23] البخاري (694).
[24] "مختصر الفتاوى المصرية" (ص73).
[25] "المحلى" (4/ 306).
[26] "الشرح الممتع" (4/ 349).
[27] "الشرح الممتع" (4/ 349).
[28] "مجموع الفتاوى" (23/ 250).
[29] البخاري (694).
[30] حسن: رواه أبو داود (666)، والنسائي (2/ 93).
[31] حسن: رواه ابن ماجة (995).
[32] مسلم (432)، وأبو داود (675)، والترمذي (228)، وابن ماجه (976) عن أبي مسعود الأنصاري.
[33] البخاري (691)، ومسلم (427)، وأبو داود (623)، والترمذي (582)، والنسائي (2/ 96)، وابن ماجه (961).
[34] "فتْح الباري" (2/ 183).
[35] "فتح الباري" (2/ 184).
[36] انظر تفصيل ذلك في "المحلى" (4/ 338).
[37] "الاختيارات الفقهية" (ص130)
[38] "انظر الشرح الممتع" (4/ 451).
[39] البخاري تعليقًا (2/ 184)، ووصَلَه ابنُ أبي شَيْبة وغيره.
[40] "المحلى" (4/ 314).
[41] انظر تعليقه على "فتح الباري" (2/ 185).
[42] "الاختيارات الفقهية" (ص126).
lEgQo~Qw Hp;hl hgYlhlm F1D 1
lEgQo~Qw Hp;hl hgYlhlm F1D 1 Hp;hl lEgQo~Qw hgYlhlm
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|