15-06-2019
|
|
SMS ~
[
+
]
|
|
|
|
|
حروب الرسول
لم يكن من أهداف الحروب التي خاضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحداث توازن
قُوى ورعب في المنطقة، أو وضع اليد على مقدرات الشعوب وثرواتها، ولم يكن هدفه الهيمنة
كما هو الحال مع الدول المتحضرة في عالمنا المعاصر، التي تفتعل الحروب لأهم هدفين:
استئصال الإسلام من واقع حياة المسلمين، والسعي الحثيث للحد من بلوغه مرتبة العالمية
والاستيلاء على ثروات الشعوب؛ لإفقارهم وجعلهم أبدًا متسوِّلين عند أعتابهم
وما حروب الإرهاب في الشيشان وأفغانستان، والعراق وبورما، إلا تطبيقًا عمليًّا لهذه الحقيقة
وما اعتداء فرنسا مدعومة بحلفائها من العرب والغرب على مسلمي مالي عنَّا ببعيد.
لم تكن معارك النبي -صلى الله عليه وسلم- كتلك من غير قِيَمٍ، إنما كانت حروبًا إنسانية
بامتياز، فقد استهدفت تحقيق منهج الله بما فيه من خير الإنسان وصلاح معاشه
على هذه الأرض، تحقيقه باعتباره حكمَ الله الذي لا يتحقق هدف الحياة بدونه
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
تحرير الإنسان من عبودية غير الله، فالله ابتَعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة
الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الدنيا والآخرة، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام.
إنها الكلمة الخالدة التي تُردد صداها في الزمان والمكان، خرجت من قلبٍ طاهر
صِيْغ وَفق منهج الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- إنه رِبْعي بن عامر ذلك
الصحابي الشاب الذي واجه رُستم بكل العزة التي أُشربها قلبه، فدفعه للقول:
هل رأيتم كلامًا قط أوضح أو أعز من كلام هذا الرجل؟
ضمان نجاة الإنسان يوم القيامة:
((إنما مثَلي ومثلُ الناس كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش
وهذه الدواب التي تقع في النار يَقَعْن فيها، فجعل ينزِعُهن ويغلبنه، فيقتحمن فيها
فأنا آخذ بحُجزكم عن النار، وأنتم تقحمون فيها))؛ متفق عليه.
وهو أروع تمثيل لرحمة النبي بالناس أجمعين؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وعيّنة من حرصه على هداية الخلق أجمعين.
ومن دلائل إنسانيته في الحروب: حرصُه على دماء غير المحاربين، وعلى أعراض الناس وأموالهم
وممتلكاتهم، وفي ذلك يقول د. راغب السرجاني في مقالة له بعنوان: "عدم دموية حروب الرسول"
لقد قمت بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحروبه
سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمتُ بتحليل لهذه الأعداد
وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدتُ عجبًا!
لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك
على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه 1022 قتيلاً
وقد حرصت في هذه الإحصائية على جمع كل من قُتل من الطرفين، حتى ما تم في حوادث فردية
وليس في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة، بصرف النظر
عن الأعداد المذكورة؛ وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين بإيراد الروايات
الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقل، وذلك لتجميل نتائج غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط!
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر، فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في
الحرب العالمية الثانية - كمثال لحروب الحضارات الحديثة - ثم قمت بحساب
نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ بمفاجأة
مذهلة: إن مضاعفة نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بالنسبة لحروب
الرسول - صلى الله عليه وسلم - تصل إلى 351%!
لقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي، ومع ذلك فعدد القتلى
بلغ 54,800,000 قتيل! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة
هو أن الجيوش المشاركة جميعًا - وبلا استثناء - كانت تقوم بحروب إبادة على المدنيين، وكانت
تُسقط الآلاف من الأطنان من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر
وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب!
لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس"؛ ا.هـ.
ذًا، الذي أعطى النموذج الإنساني الأروع في حربه وسِلمه، الذي يزيد نوره ضياءً
كلما اشتدَّت ظلمة البُعد عن منهج الله، واستحكم الكفر والطغيان في الأرض.
هو رسولنا صاحب المقام الرفيع الذي أقسم رب العزة بعمره الشريف:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72]
ويكفيه -صلى الله عليه وسلم- مكانته عند ربه - سبحانه.
ولئن كان الناس يُحيون ذكرى مولده الشريف بالاحتفالات مع ما يصاحب بعضها من مخالفات
شرعية تخالف سُنة صاحب الذكرى -صلى الله عليه وسلم- فإن على المسلمين عمومًا
أن يرتقوا بوعيهم بمفهوم الاحتفال، فيدركون واقع أُمتهم ومتطلَّباته، والقارئ الكريم يعرف يقينًا
ما يتطلَّبه في هذه المرحلة على التحقيق، وما يحقق لهم الفَهم العميق لمنهج نبيِّهم والاجتهاد
في تطبيقه قولاً وعملاً، وهذا أعظم احتفاء بصاحب الذكرى، احتفاء يتجدد مع تطبيق كل سُنة
مع هداية كل إنسان، مع إقامة شرع الله ما استطعنا وَفق سُنة التدرج التي انتهجها
سيد الخلق أجمعين، وصولاً إلى المرحلة التي بشَّر بها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-
بعد تهيئة الظروف الملائمة لها، "ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوة"؛ رواه أحمد.
ودون ذلك عملٌ مُضنٍ على المستوى الفردي والجماعي، ثم على مستوى عموم الأمة.
هو الرسول الذي لو كان بيننا لحل مشاكل العالم أجمع بقوة المنهج الرباني الذي بين يديه
وهو بيننا بسُنته، فلنستفد من هذا الحضور الدائم، ولنجعله أكثر فاعلية في تفاصيل حياتنا.
pv,f hgvs,g
pv,f hgvs,g
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|