خطبة : يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك ( 1 )
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: القلبُ: هو أعظَمُ الأعضاء خَطَرًا، وأكثَرُها أثَرًا، وأدَقُّها أمْرًا، وأشَقُّها إِصْلاحًا، وأصْعَبُها حالاً، وهو المَلِكُ
|
|
16-02-2023
|
|
خطبة : يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك ( 1 )
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
القلبُ: هو أعظَمُ الأعضاء خَطَرًا، وأكثَرُها أثَرًا، وأدَقُّها أمْرًا، وأشَقُّها إِصْلاحًا، وأصْعَبُها حالاً، وهو المَلِكُ المُطَاعُ
فإذا استقامَ وصَلَحَ المَلِكُ استقامت الرَّعِيَّة. ومِصْداقُه: قوله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ
صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ» رواه البخاري ومسلم.
وهذا يُظْهِر بجلاء أنَّ عِبادَةَ القلب هي الأصلُ الذي تُبْنَى عليه جميعُ العبادات، فصَلاحُ الأجسادِ مَوقوفٌ على صلاح القلوب، فإذا صَلَحَتِ القلوبُ
بالتقوى والإيمان؛ صَلَحَ الجسدُ كلُّه بالطَّاعةِ والإِذْعانِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ» حسن - رواه أحمد.
واللهُ تعالى عَلَّقَ النَّجاةَ يوم القيامة بسلامَةِ القلب، وصِحَّتِه وطِيبِه، فقال سبحانه: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].
ومِمَّا يُؤَكِّدُ ضَرورةَ العِنايَةِ بالقلب: أنَّ من أبرزِ صفاتِه، وأخَصِّ سِماتِه التَّقَلُّبَ والتَّصَرُّفَ، فالقلبُ سريعَ التَّقَلُّبِ، سريعَ التَّحَوُّلِ والتَّصَرُّفِ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَسْرَعُ تَقَلُّبًا مِنَ القِدْرِ؛ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا» صحيح – رواه أحمد.
قَدْ سُمِّيَ القَلْبُ قَلْبًا مِنْ تَقَلُّبِهِ فَاحْذَرْ عَلَى القَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ.
وَلِعِظَمِ هذا الأَمْرِ وخُطورَتِه، كان النبيُّ المعصومُ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنَ الدُّعاءِ بِالثَّباتِ على الدِّينِ والإيمان؛ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟
قَالَ: «نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أَصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» صحيح – رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم:
«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ. اللَّهُمَّ: مُصَرِّفَ القُلُوبِ؛ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» رواه مسلم.
وعن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟ قَالَ: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ
إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ؛ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ» صحيح – رواه الترمذي.
ومِنْ دُعاءِ المؤمنين: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾ [آل عمران: 8]. فلا أحدَ يَسْتغني عن هذا الدُّعاء
مهما كان صَالِحًا تَقِيًّا؛ لأنَّ القلوبَ تَتَقَلَّبُ، والأعمالُ بالخواتيم. فزَلَلُ القلبِ عظيمٌ، وزَيْفُه خَطيرٌ، فإنَّ أهْوَنَه مَيْلٌ عن الله تعالى
ومُنْتَهاه خَتْمٌ وطَبْعٌ ومَوْتٌ؛ قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ
غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].
فالتطهر من أمراض القلوب، والبعد عن المعاصي والذنوب هو سبب رئيس للسعادة في الدنيا والآخرة؛ لأن أمراض القلوب تضعف
الإنسان، وتوصله إلى دركات الحضيض، قال تعالى – عن قوم موسى عليه السلام: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي
وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]. والمعنى: فَلَمَّا زَاغُوا وانصرفوا
عن الحق بقصدهم؛ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ، عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم، ولم يوفقهم الله للهدى، لأنهم لا يليق بهم الخير، ولا يصلحون إلا للشر، فهم فاسقون.
وهذه الآية الكريمة تُفِيدُ أنَّ إضلالَ اللهِ لِعبادِه، ليس ظُلمًا منه، ولا حُجَّةَ لهم عليه، وإنما ذلك بسببٍ منهم؛ لأنهم غلقوا على أنْفُسِهم
بابَ الهُدى بعدَ ما عَرَفوه، فَيُجازِيهم بعدَ ذلك بالإضلال والزَّيغِ الذي لا حِيلَةَ لهم في دَفْعِه. وتقليبُ القلوبِ عقوبةً لهم، وعَدْلاً منه بهم
كما قال تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الأنعام: 110].
ومن أعظمِ أمراضِ القلوب: الرِّياءُ والسُّمعة: والرِّياءُ على قِسمَين: فيكون شركاً أكبر؛ لأنه يدخل في أساس العمل، وصاحِبُه من المنافقين
الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 142].
فالمنافق لا رغبةَ له في القيام بأصل العبادة؛ كالصلاة، أو الصيام، أو الزكاة، أو غيرها إلاَّ رياءً، ولولا ذلك ما صلَّى، ولا صام، ولا ذَكَرَ اللهَ تعالى.
ويكون الرياءُ شركاً أصغر، لا يَخرج صاحبُه من الملة، ولكنه يدخل في تحسين العمل، كالذي يعمل لوجه الله تعالى
لكن حسَّنه رياءً وسُمعة؛ كأنْ يُطيل في الصلاة لِيَراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة والذِّكر لَيَسمعه الناس فيحمدوه.
ومن أعظم أسباب الرياء ودوافعه: حبُّ لذة الحمد والثناء والمدح، أو الفرار من الذم، أو الطمع في ما في أيدي الناس. ويشهد له:
حديث أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً
وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رواه مسلم.
فهو «يُقَاتِلُ شَجَاعَةً»؛ لِيُذكر، ويُشكر ويُمدح، ويُثنى عليه. «وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً»؛ أنفةً من أنْ يُغلَب ويُقهَر فيُذم. «وَيُقَاتِلُ رِيَاءً»؛ لِتُرَى مكانتُه ومنزلتُه في القلوب.
_ يُتبع ..
o'fm : dQh lErQg~AfQ hgrEgE,fA eQf~AjX rQgXfAd uQgQn ]AdkA; ( 1 )
o'fm : dQh lErQg~AfQ hgrEgE,fA eQf~AjX rQgXfAd uQgQn ]AdkA; ( 1 ) lErQg~AfQ hgrEgE,fA eQf~AjX dQh ]AdkA; o'fm uQgQn
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ - وَرد. على المشاركة المفيدة:
|
|
16-02-2023
|
#2
|
جزاك الله خيرا لهذا الجلب الطيب
وهذا العطاء المفعم بالخيرات
نفع الله بك وجعله في موازين حسناتك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-02-2023
|
#3
|
،
جزاك الله كل خير
دمت بحفظه ،”
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#4
|
طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
تحية صادقه من الاعماق
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لگ
:tr-2::tr-2::tr-2:
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#5
|
جُزاكّ الله خُير علىّ مُـا قُدمتّ
ورزُقكّ بُكُل حَرف خّطتهَ أناملكّ جُزيل الحُسناتّ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#6
|
-
لحن
شُكرًا لك وَ لجمَال حضُورك
لقلبك الفرَح ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#7
|
-
سمر
شُكرًا لك وَ لجمَال حضُورك
لقلبك الفرَح ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#8
|
-
كلي لك
شُكرًا لك وَ لجمَال حضُورك
لقلبك الفرَح ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#9
|
-
غيمة
شُكرًا لك وَ لجمَال حضُورك
لقلبك الفرَح ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-02-2023
|
#10
|
جَزاك الله خَير وجَعلهُ فِي مِيزان حَسناتك ،
يَعطيك العَافية .
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
| | | | | | | | | |