كان هناك مرآة ... يقف أمامها الجميع ويتحدثون إليها
يخبرونها بكل شيء فلا يهمّهم من يجاور
المرآة ويراهم
يظلّون يتحدثون إليها بكل شيء ... وقد يشتكون إليها
ويحملون أنفسهم بهدوء ويكملون طريقهم حتى تحين
ساعة حضورهم القادم فيرمون ببعض الكلمات المعبّرة
وفي يوم مرّ مشعل بالمرآة التي يتحدث إليها كعادته
فوجد فتاةً تشتكي للمرآة مثله ... فاقترب منها يواسيها
حين أخبرت المرآة أنها سترحل من هذا المكان
.... للأبد
لأنها بدأت تشعر فيه بكل شيء يدفعها للرحيل وتَركِه
إقترب منها مشعل وقال لها
يا فتون ما الذي يدفعك
للرحيل؟! ... أخبرته أن الجميع في هذا المكان لا
يشجعها للبقاء ... ثم تركت المرآة ورحلت ... حزن
مشعل لهذا الرحيل منها وبدأ يكتب لها على المرآة
كلاماً كثيراً لعله يقنعها أن تبقى في المكان ولا تغادره
ويصف نفسه بأنه
ك أخٍ كبيرٍ لها يتمنى أن تبقى في
هذا المكان الهادئ ... ولم يدرك مشعل أن الهدوء هو
ما يزعج فتون للبقاء في المكان ... وظل كثيراً يكتب
لها ولا تقرأ له ... حتى تأكد في ذلك اليوم أن هناك
من يمسح كتاباته قبل أن تقرأها وظل ينتظرها أمام
المرآة طويلاً حتى بدأت تقترب من المرآة وتكتب ثم
ترحل ... فرح كثيراً بعودتها ... حتى لو لم تبالي به
وبوجوده ف همّه الوحيد ألا تغادر المكان وهذا ما
تمّ له ... وفي أحد الأيام إستخدم أسلوباً آخر لكي لا
تكتب تضجّرها على المرآة ... وظنّ أن أسلوبه المرح
قد يدفعها للبقاء في المكان ولم يكن هذا المرح
معها يتجاوز الأدب فيه ... بل كان المرح الذي يدوّنه
على المرآه تعليقاً على حروفها وبدأت تناوش حروفه
بأسلوب ساخر كأسلوبه ... واستمر الحال بشكلٍ حفظ
لها إحترامه لها كأخت صغرى له لا يربطه غير هذا
التناوش المرح بينهما وتم له ما أراد بأن تعتبره كأخ
متى ما ضاق عليها المكان جاءت أمام المرآة وبدءا
التعليقات التي تراها المرآة لطيفه لا تعبر سوى عن
تناوش بين طرفين يتسلّيا بالهجوم بينهما وحين يرحلا
ينتهي كل شيء ... وفي ذلك اليوم يتفاجأ مشعل أن
المرآة لم تعد موجودة في المكان وزاد همّه بغياب
فتون وتركها للمكان ... ومضت الأيام ولم يلتقيا معاً
في أي مكان ... وبعد فتره يتكرر المشهد بحضورها
تقف أمام المرآة التي أحبت الحديث أمامها فإذا
نفس المرآة السابقه ونفس فتون التي تهدد بالرحيل
ورغم أنه رحل بعدها عن ذلك المكان الذي غابت عنه
إلا أنها وصلت للمكان الذي يتواجد به متأخره بفترة
غير قصيره وبعد أن تعايش مع الجميع في المكان
بأجمل صورة وأكثر وقاراً وإحتراماً وتقديراً لأهله
وكانوا يبادلونه الإحترام ولم يروا منه ما يعكّر صفوهم
وظل هادئاً لا يتحدث مع أحد واستمر في علاقةٍ طيبه
مع الجميع وما إن وجد فتون خلف المرآة تتحدث إليها
حتى عاد ما كان يستخدمه معها من تعليقات دون
أن يشعر أن المكان غير المكان والناس به غير الناس
الذين كان معهم سابقاً ... وبدأ الناس يرون رجلاً غير
ذلك الهادئ والذي لا يقترب من أحد ولم يعد صامتاً
كما كان من قبل واستهجنوا منه ذلك السلوك الذي تعوّد
عليه في السابق حتى قالوا لنتريّث ونراقب مستقبلاً
ما ينوي فعله ... وأدرك مشعل أن هناك من يمسح ما
يكتبه مشعل على المرآة كرسالة تنبيه أن مزحه مع
الساكنين يقلّل من إحترامهم له وربما يترتب على هذا
الشيء إبعاده عن المكان الذي أحبّ التواجد فيه دوماً ...
ولن يفهم لغز هذه المشكله سواه الذي كتب يوماً
على المرآة
إسألوا تلك الفتاة وهل تشعر أن حروفه باتت
تزعجها وهل نبّهته يوماً بالكفّ عن ذلك ..
إسألوا المرآة
عن نوايا ذلك المشعل فهي ترى في عينيه ما يقصده
بحروفه .. إسألوا مكانهم القديم هل تذمّر بحروفه يوماً
وبدأ يكتب ويكتب في داخل نفسه حتى إمتلأ بالضجيج أن
الجميع لم يفهمه وأن نفسه تحادثه بأنهم
رسموا لوحة
لك يا مشعل ليست حقيقتك وربما تجبرك على ترك المكان
فلا مرآةٍ تبرر لهم ما كتبته عليها ولا مكانٍ قديم يذكر أن
حروفك لم تقصد بها الإساءة لأحد ... ولا فتاةٍ
ستقول الحقيقه وتخبر الجميع أن مشعل لم يسيء يوماً
لها وإنما كان يعتقد أن ما قام به كان هو الصواب ...
إنتهت القصه ... تحيتي لكم