التقوى والمتقون في القرآن الكريم من أكثر الكلمات ورودًا في القرآن الكريم كلمة التقوى ومشتقاتها فيما يقرب من (24 موضعًا)، وهذا يدل على قيمة التقوى ومدى اهتمام القرآن الكريم
من أكثر الكلمات ورودًا في القرآن الكريم كلمة التقوى ومشتقاتها فيما يقرب من (24 موضعًا)، وهذا يدل على قيمة التقوى ومدى اهتمام القرآن الكريم بها؛ لأن التقوى هي قطب رحى هذا الدين، والأصل الذي قامت عليه أحكامه وتشريعاته، بل إن تقوى الله عز وجل هي أصل كل دين أنزَله، ووصية كل نبي أرسله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
والتقوى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله عز وجل وقاية، وهذه الوقاية إنما تكون بطاعة أوامره واجتناب نواهيه؛ قال ابن مسعود في بيان معنى التقوى عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 1.2]، قال: أن يطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويشكر فلا يُكفر[1].
وقد نوَّع القرآن الكريم في حديثه عن التقوى، فمرة يأمر بالتقوى، وأخرى يرغِّب فيها، ومرة يذكر أوصاف المتقين، ومرة يذكر جزاءها والأجر المترتب عليها؛ لذلك ينبغي علينا أن نتدبر هذه الآيات وأن نفهم معانيها، ونفتح قلوبنا وعقولنا لها؛ حتى تستقر التقوى في قلوبنا، وتترسخ في نفوسنا؛ لأن مدار السعادة في تحقيقها، وطريق الفوز والنجاة في التمسك بها.
فتعالوا لنعيش معًا في ظلال هذه الآيات، ونرتشف من رحيقها، وننهل من معينها ما يجعل ماء التقوى يجري في عروقنا، ويسري في أوصالنا؛ حتى تكون حياتنا مرهونة بها، وسعادتنا موصولة بأهدابها.
أولًا: الأمر بالتقوى:
أتى الأمر بالتقوى في القرآن الكريم في حوالي (81) موضعًا، وقد نوَّع الله عز وجل في الأمر بالتقوى على النحو التالي:
1- أمر بها الناس جميعًا:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 1]، وقال أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1].
2- أمر بها المؤمنين:
حيث ناداهم بوصف الإيمان؛ ليكون ترغيبًا لهم في تحقيقها والاتصاف بها، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1].
3- أمر بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم:
وهذا من أكبر الأدلة على أهمية التقوى؛ حيث أمر بها أشرفَ خلْقه، وأكرم أنبيائه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الأحزاب: 1].
4- أمر بها الأمم السابقة على لسان أنبيائهم:
♦ نوح عليه السلام:
﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الشعراء: 105 - 108].
5- الأمر بالتقوى عن طريق الترغيب والترهيب:
• اتقوا الله لأنه شديد العقاب: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 196].
• اتقوا الله لأنه هو الذي خلقكم: ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 184].
• اتقوا الله إذا أردتم أن تكونوا مؤمنين حقًّا: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57].
• اتقوا الله إذا أردتم أن تكونوا من أُولي العقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100]، ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ﴾ [الطلاق: 10].
* اتقوا الله إذا أردتم أن يتوب عليكم: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
ثانيًا: بيان قيمة التقوى وأهميتها:
حرَص القرآن الكريم على بيان قيمة التقوى حتى يرغب فيها المؤمنين، ويحملهم على التمسك بها، وقد جاء هذا البيان مشتملًا على عدة معانٍ؛ هي:
1- أن التقوى هي خير زاد يتزود به المؤمن: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
2- أن الاهتمام بتقوى القلوب أهم وأنفع من الاهتمام بالمظاهر: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26].
ثالثًا: أوصاف المتقين:
وضَّح القرآن الكريم كثيرًا من أوصاف المتقين، وبيَّن سماتهم؛ حتى تكون هذه الأوصاف هي المقياس التي يقيس بها المسلم نفسه، فإذا اتصف المسلم بهذه الأوصاف، فهو من المتقين وإلَّا فلا، وهذه الأوصاف هي:
1- أنهم يؤمنون بالغيب، وبالكتب السماوية، ويقيمون الصلاة، وينفقون من أموالهم في سبيل الله: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [البقرة: 2 - 4].
13– الله يؤيِّدك بجند من عنده وقت الشدة: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125].
14– يجعل الله في قلبك نورًا تفرِّق به بين الحق والباطل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].
15- تكون من المحسنين:
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].
16- يجعل الله لك من ضيق مخرجًا، ويرزقك من حيث لا تحتسب:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
وبعد هذا التطواف الممتع مع آيات القرآن الكريم، يجب علينا أن نحقِّق التقوى في قلوبنا، وأن يكون لها صدى في أقوالنا وأفعالنا وسلوكياتنا، وأن نضرَع دائمًا إلى الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المتقين، وأوليائه الصالحين؛ حتى ننال الفوز بالجنة والنجاة من النار.
والحمد لله رب العالمين