19-06-2021
|
|
فوائد محاسبة النفس
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وجعل أُمَّتنا خيرَ أمة، وبعث فينا
رسولًا منَّا، يتلو علينا آياته، ويُزكِّينا ويُعلِّمنا الكتاب والحِكْمة، والصلاة والسلام على نبينا محمد
الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن محاسبة المسلم لنفسه بصِدْقٍ هي سبيل سعادته في الدنيا والآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف المحاسبة:
المحاسبة: هي مُساءلة المسلم لنفسه بصدق عن كل قول أو عمل يصدر منه؛ قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾؛ أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبُوا
وانظروا ماذا ادَّخَرْتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربِّكم.
قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾؛ أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم، لا تخفى
عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل، ولا حقير؛ (تفسير ابن كثير، جـ8، صـ 77).
إذا أصبح المسلم وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه لمشارطة نفسه، فيقول:
يا نفس، ما لي بضاعة إلا العمر، فإذا فني فقد فني رأس المال ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح
وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه وأنْسَأَ في أجلي، وأنعَمَ عليَّ به، ولو توفَّاني
لكنتُ أتمنى أن يُرجعني إلى الدنيا يومًا واحدًا؛ حتى أعمل فيه صالحًا، فاحسبي أنك قد توفيت
ثم قد رُددت، فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس من الأنفاس جوهرةٌ
لها قيمة، فلا تميلي إلى الكسل والدعة والاستراحة؛ فيفوتك من درجات عليِّين ما يدركه غيرُك
وتبقى عندك حسرة لا تُفارقك، وإن دخلت الجنة؛ (موعظة المؤمنين؛ جمال الدين القاسمي، صـ 306).
أقوال السلف الصالح في محاسبة النفس:
سوف نذكر بعض أقوال سلفنا الصالح في محاسبة النفس:
(1) قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ
قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ"؛ (الزهد؛ أحمد بن حنبل، صـ99، صـ 633).
(2) قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 2]
:"لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه؛ ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟
والعاجز يمضي قدمًا لا يُعاتِب نفسه"؛ (محاسبة النفس؛ لابن أبي الدنيا، صـ24، رقم: 4).
(3) قال مسروق رحمه الله: "إن المرء لحقيقٌ أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر فيها
ذنوبَه فيستغفر منها"؛ (الزهد؛ لأحمد بن حنبل، صـ 283، رقم: 2038).
(4)قال مالك بن دينار رحمه الله: "رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟
ثم ذمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله؛ فكان لها قائدًا"؛ (محاسبة النفس؛ لابن أبي الدنيا، صـ25، رقم:8).
(5) قال ميمون بن مهران رحمه الله: "لا يكون العبد تقيًّا حتى يُحاسب نفسه
كما يحاسب شريكه؛ من أين مطعمه وملبسه؟"؛ (سنن الترمذي، جـ4، صـ 219).
(6) قال إبراهيم التيمي رحمه الله: "مثَّلْت نفسي في الجنة، آكل ثمارها، وأشرب من أنهارها
وأعانق أبكارها، ثم مثَّلْت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها
وأعالج سلاسلها وأغلالها؛ فقلت لنفسي: أي نفسي، أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرَدَّ إلى الدنيا
فأعمل صالحًا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي" (محاسبة النفس؛ لابن أبي الدنيا، صـ26، رقم: 10).
أنواع محاسبة النفس: محاسبة النفس نوعان:
محاسبة النفس قبل العمل، ومحاسبة النفس بعد العمل.
أولًا: محاسبة النفس قبل العمل:
المقصود بذلك هو أن يقف المسلم عند أول همته وإرادته، ولا يُبادر بالعمل حتى يتبيَّن له
رجحانه على تركه؛ قال الحسن البصري رحـمه الله: رحم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن أحدًا
لا يعمل حتى يهم، فإن كان لله عز وجل مضى، وإن كان لغير الله أمسك
(شعب الإيمان؛ للبيهقي، جـ9، صـ 411، رقم: 6894).
ثانيًا: محاسبة النفس بعد العمل:
محاسبة النفس بعد العمل ثلاثة أنواع؛ وهي:
(1) محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها من حق الله، فلم تُوقِعْها على الوجه الذي ينبغي
وحق الله في الطاعات بمراعاة ستة أمور؛ وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه
ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، وشهوده مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه فيه
وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله، فيحاسب نفسه: هل وفَّى هذه المقامات حقَّها، وهل أتى في هذه الطاعات.
(2) محاسبة النفس على عمل كان تركه خيرًا له من فعله.
(3) محاسبة النفس على أمر مباح أو معتاد لما فعله، وهل أراد به الله والدار الآخرة
فيكون رابحًا فيه، أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به
(إغاثة اللهفان؛ لابن القيم، صـ139:138).
فوائد محاسبة النفس:نستطيع أن نُوجِز فوائد محاسبة المسلم لنفسه في الأمور التالية:
(1) اطِّلاع المسلم على عيوب نفسه، فمَنْ لم يطَّلِع على عيوب نفسه لم يمكنه إزالتها.
(2) لولا أن الله تعالى وفَّقَ العبد لمحاسبة نفسه، لشقي يوم القيامة.
(3) محاسبة النفس من الكياسة.
(4) استراحة المحاسب من التعب الطويل يوم القيامة.
(5) المحاسب لنفسه لا يتحسَّر يوم القيامة، كالذين لم يحاسبوا أنفسهم.
(6) تمرين النفس على العبادة والمداومة على ذكر الله ليلًا ونهارًا
(موارد الظمآن؛ عبدالعزيز السلمان، جـ1، صـ 198).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل
خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلَّاب العلم الكرام
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد
وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الشيخ صلاح نجيب الدق.
t,hz] lphsfm hgkts hgkts
t,hz] lphsfm hgkts
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|