نظر أبو عمار لعيني زوجته وهي تناوله قهوة الصباح
وتمد له تمراً ليجد في عينيها رغبة طرح أسئله عليه
عما يفكر فيه حيال ما بعد مرحلة تقاعده وقبل أن
يجيبها ودون أن تسأله سأل عن بناته ولِمَ لم يأتوا
لتناول القهوة معي كعادتهم قالت له: ألا تعلم أن
اليوم الخميس (في الجامعه) ... صحيح ... ثم صمت
فنظر إليها وقال: لماذا لم تكوني بمدرستك ..
عندي دوره في معهد الإداره مجبرين على حضورها ...
إبتسم وقال: هل أنتي متضايقه من بقائي في البيت ؟! ...
لا يا أبو عمار ليس ذلك ما تظن ... أنا فقط أريدك ألا
تجلس لوحدك خصوصاً أنك لا تزال بالخمسين من عمرك
ولا تزال نشيطاً فلا تركن للكسل خصوصاً أني تعبت من
التدريس وأحتاج للتقاعد ... وانت تعرف حالتنا الماديه ...
(كأنها تقول قد بعثرت أموالك على غير مستحقيه وها نحن
نعاني من آثار جودك مع الناس) ... وش فيها حالتنا المادية
الحمد لله هذا راتبي كويس وساكنين بفيلا كبيره ... منت
مقصر معنا وتسافر بنا كل سنه لأغلب دول العالم ولا نبي
هالعادة تنقطع ... أدركت فطنة أبو عمار أنها
تخاف من بقاءه وحيداً فيقتله همّاً كبيراً لا تزال حرارة
نار الصدمه تفتك بفكره ومشاعره وكيانه ولم يكن يوماً
يتخيّل لتكون نهايته بمجرد كذبه يحملها الهواء لمسامع
أناس فيصدقوه ويستغرب أن من يعرفه لا يزال يطلبون
شفاعته في حاجتهم ولم يكلّفوا أنفسهم بالإتصال به بل
يبعثوا برساله مكتوبه وينتظرون منه أن ينفذ ما بها وان
فعل ذلك فربما ينسون شكره ... وظلّ أبوعمار يحمل بصدره
صدمات مؤلمه من أناس بمجرد تقاعده حين تجاهلوه ...
وانتقلت أوجاعه لأحلامه حين يرى بمنامه أنهم إستدعوه لحل
مشكلةٍ صعبه لا يعرف حلّها إلا هو فيلبس بدلته وينطلق
إليهم وحين يصل إليهم يدرك أنه قد أحيل للتقاعد ولا يحق
له لبس تلك البدلة مجدداً ... وفي منامٍ آخر يرى نفسه وسط
هجوم على بلاده فيحمل ما أمكنه أن يحمل من سلاح فيرى
أن البدلة لا يزال يلبسها برتبها ويسألونه هل عدت للعمل؟
وهنا يشعر بخطأه هل يخلع البدله ويستمر في الدفاع عن
بلده أو أن يخلع البدله وكأن هذه البدلة أصبحت عاراً عليه
أن يلبسها ... فيقوم من منامه بين أسى على وداعه لتلك
البدله وبين الغضب ممن تسبب له بهذا الجرح العميق في
نفسه وإستيقظ في أحد الأيام من حلمٍ كان الجنود يسخرون
منه أنه لبسها يوماً دون أن يدري أنه لبسها ولا يعلم لم فعل
ومتى فعل ذلك فقام بإخراج كل بدله ووضعها في كرتون ثم
قام بتسليمها للمستودع فاعتذر منه القائمين على المستودع
بقبولها وكأن لعنةً حلّت ببدلته حتى بعد تقاعده وما حدث
له كان يعني أنه لا قيمة للشخص ولا لبدلته بعد تقاعده
وبدأ يكره جواله حين أصبح بلا رنين كما في سابق عهده
ورحلت المعايدات التي كانت تصله كل عيد .... وما يقتله
أنه لم يكن بخيلاً مع أحد ولم يكن صلفاً في تعامله وبدأ
يشعر أن نهاية خدمته أكبر إهانةً له وأن الناس أبعد عن
رؤية ما مضى من طيبٍ قام به وقت خدمته ... وفي يومٍ
من الأيام قال بمجلس شيخ القبيله كلمه أدرك الجميع
حجم الألم في صدره حين سأله أحد الحضور عن رأيه في
التقاعد قال: التقاعد هو أنك تبدأ حياة تتجهّز فيها للرحيل
وسأله آخر: ماذا يعتبر لك التقاعد يا ابوعمار قال: هو
أكبر إهانه تُمنح لمن أمضى كل عمره لإرضاء الناس ثم
لم يرضوا عنه وتجاهلوه لأنها إنتهت حاجتهم منه ... فقال
السائل: إحمد ربك يا سعادة اللواء أنك وصلت لما وصلت
إليه ... فغضب أبو عمار غضباً لم يظهر إلا لمن نظر في
عينيه وقال: لا منّة لأحد غير الله في وصولي لهذه الرتبه
... وأراد أن يوجع قبيلته حين قال: ولا حتى قبيلتي ... فما
حظيت به هو فضلٌ من الله وحده ولا منّة لأحد من البشر
عليّ ... فصمت من حوله خشية أن يخرج عن طوره لأنهم
يحبونه ويحترمونه لذاته .... وأصبحت الأخبار العسكريه
وإجتماعات زملاء العمل لا يحضرها ولا يحب الحديث عن
كل شيء يخص أخبارها وما يتعلّق بالتطوير العسكري
وحين يسألونه عن أسلحة بلاده ومدى كفاءتها أو عن
المشتريات التي تنوي البلاد شراءها أو الأخبار التي
تتحدث عنها كان يقول كلمه واحده دعونا نبعد الحديث
عن مجال العمل فيدركوا أنه لا يزال يتألم من تقاعده
وفي ذلك اليوم إتصل عمار ليسلم على والديه فتحدثت
معه أخته الكبرى: هلا جوجو حبيبتي ليش امي ما ترد
على جوالها ... أبوي سمّاني الجوهره وش جوجو ...
طيب وين امي وبعدين كيف الوالد مع التقاعد ... عمار
حبيبي عندي طلب ... متى نخلص من طلباتك !! ...
كيف الوضع عندك ؟! ... أي وضع .. قصدي نبي ناخذ
بابا في جوله سياحيه عندك ... إبشري ... رتّب لنا كل
شيء أبوي لازم يسافر ... إلى هذي الدرجه !! .. وأكثر
نبيك تخرّبنا يا عمّور ... ما تستحين انتي ... قصدي
لازم نشوف كل الأماكن السياحيه هناك ... والفلوس
... لا تشيل همّ أبحولها لك ... خلاص تمّ ... وين أمي
... ماني فاضيه لك مع السلامه ... يا ... أغلقت السماعه
في وجهه لعلمها بأنه سيسمعها كلاماً لا تريد سماعه
فاتصلت الجوهره بعمّها الكبير ... السلام عليك يا عم
... يا مرحبا بأمي (على أسم أمه) الله يرحمها ويغفر لها ...
عمي أبي منك سلف 20 ألف ... ليه يا بنتي وش تبين
فيها ... والله يا عم ابوي نفسيته سيئه بعد التقاعد ونبي
ناخذه جوله سياحيه عند عمار منها يتأكد من دراسة عمار
ومنها نغير جوّ الوالد ... ضحك وقال: ومتى ترجعينها لي
... أبحوّل لك كل يوم خمسه ريال وعليك الحساب .. طيب
بس بشرط لا تقولين لأخوي اني أنا اللي أعطيتك إياها ...
لا تشيل بس دقيقتين والخبر عنده ... أخاف يزعل ...
لا تهتم عمره ما زعل منك ... ارسلي رقم حسابك ...
وتم التحويل ... فحوّلت لأخوها 30 ألف ... وقام أخوها
بكل شيء ... فتحدثت مع ابوها بشأن التذاكر وأنها رتبت
كل شيء ودفعت المبلغ (كي تضغط على والدها ليوافق)
وقام أخي باللازم ... ومن أين لك بالمبلغ ... من عمي
... تعرفين يا بنتي همّ أمي الله يرحمها فيني حملتيه إنتي
... وامي يبه والله انها هي اللي قالت لي بالخطه ... أمك
يا بنتي ما تتكلم تخاف انها تزعلني وأعرف اللي بخاطرها
أخرج جواله وحوّل لأخوه العشرين ألف ثم قال للجوهرة
أحجزوا وعلموني كم التكلفه ... كلكم سياحي الا انا أولى
... كلنا أولى يا مجرمه ... أدرك أبو عمار حاجته الماسّة
للسفر فقط يحتاج من يدفعه لذلك ... فأعادت الرحلة حيوية
أبو عمّار وزار إبنه واطلع على مستواه وتناسى شعوره
بالظلم من إحالته للتقاعد وتمنى في هذه الرحله أن كان
تقاعده أبكر من ذلك بكثير ... إنتهت القصه تحيتي لكم
آمل أن تكون قد حازت على إعجابكم
;g l]~S gi >>>> [.v (pwvd) Yi]hx gHo,d jv;,h.d [L2hgHodv lH[,[ Hd~E [ or 2hgHodv dEv]
;g l]~S gi >>>> [.v (pwvd) Yi]hx gHo,d jv;,h.d [L2hgHodv >>>> lH[,[ Hd~E gi jv;,h.d [ or 2hgHodv [L2hgHodv [.v dEv] Yi]hx