تعددت المفاهيم والمصطلحات على مدار التاريخ في وصف وتعريف النفس البشرية ، حيث أنها كانت مسألة
جدلية شغلت الأطباء والفلاسفة ورجال الدين على مدار التاريخ ،وما زال الجدل قائم بين مختلف الأديان
والثقافات،فمنهم من يذهب إلى أنها الروح والجسد معا والبعض الآخر يذهب إلى أنها الروح فقط،ومازالت فكرة
الخلود والبعث بعد الموت أو الإنتقال إلى العالم الآخر مسألة جدلية أخرى ولا يستطيع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه
النفس البشرية في العالم الآخر،وبالرغم من التطور الهائل الذي توصل إليه العقل البشري في شتى المجالات إلا
أن ماهية و سيكولوجية النفس البشرية لا زالت تعد لغزا تعددت الآليات في فهمها على مدار العصور والثقافات
والحضارات المختلفة، فالنفس البشرية عبارة عن عناصر مادية ومعنوية،عقلية وحسية،وصراع داخلي بين الخير والشر،
والخطأ والصواب ،وتقلبات نفسية وإضطرابات سلوكية تطرأ على الإنسان منها ما يدركه العقل،ومنها ما يتجاوز حدود
تفكيره ، وهنا يقف العلم حائرا أمام عظمة الخالق سبحانه في شئون خلقه،وقد قال في كتابه العزيز في سورة
الإسراء”ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”.
النفس البشرية في الحضارات القديمة:
قديما وقبل بدء الحضارات ومع بداية نشأة الحضارات كان الإعتقاد السائد ٱنذاك أن كل إنسان بداخله إنسان آخر يدفعه
إلى الخير أو يدفعه إلى الشر،وكان يعد المرض الجسدي أو النفسي نوع من أنواع العقاب الإلهي وكان هناك إعتقاد
آخر بوجود أرواح شريرة تسكن هذا الجسد وكان يعد صاحبها شخصا منبوذا من المجتمع، وظهر ما يسمى بمصطلح
المرض المقدس والذي كان يطلق على المرض النفسي أو أي اضطرابات وتغيرات سلوكية تظهر على الإنسان ٱنذاك.
نستهل حديثنا بالحضارة المصرية القديمة كونها أعظم الحضارات عبر التاريخ وأكثرها تعقيدا،ولا زالت الإكتشافات
الأثرية المستمرة حتى يومنا هذا تفتح لنا أبوابا من المعرفة في كل المجالات،فالقدماء المصريين عرفوا الطب بكل
أنواعه وتوجد برديات تحتوى على مركبات دوائية تستخدم في علاج الاكتئاب والأمراض النفسية،وتبقى فكرة تحنيط
الجسد البشري وتجهيز الروح للعالم آخر أحد ألغاز الحضارة المصرية حتى يومنا هذا،ومع تطور الحضارات وظهور
الفلاسفة والعلماء كان العالم”فيثاغورس” (570-495ق.م) يرى أن النفس البشرية الطيبة تنتقل بعد موتها إلى عالم
الكائنات حيث الطمأنينة والراحة والأبدية، وأما النفس الشريرة مصيرها باطن الأرض حيث العذاب وغياهب
السجون،وفي الحضارة اليونانية ظهر العالم أبقراط(٤٦٠ و٣٧٧ قبل الميلاد ) والذي يطلق عليه مؤسس الطب الحديث
والذي تبنى في نظرياته مدى تأثير البيئة والعوامل المحيطة على النفس البشرية، وكان يرى أن من يقرنون المرض
النفسي بالألوهية والخرافات هم مجموعة من الدجالين والمشعوذين والسحرة يحاولون فرض هيمنة السحر على
العقل وكان أبقراط يؤمن بأن العقل هو أعظم ما يميز الإنسان،وكان سقراط وأفلاطون ينظرون للجسد على أنه أكبر
عائق أمام الروح وبه تبقى الروح سجينة في جسد يلهث وراء ملذات الحياة الدنيوية من طعام وشراب وغيره من
ملذات الحياة،وبموت الجسد تتحرر الروح .
تعددت النظريات والأفكار على مدار التاريخ وظهر العديد من الفلاسفة ومنهم الفارابي وابن سينا وسيغموند
فرويد وديكارت وعلى رأسهم أبو بكر الرازي والذي أسس اول جناح لعلاج الطب النفسي فى العالم،وغيرهم
الكثير ممن حاولوا الغوص في أعماق النفس البشرية وفهم معانيها ومحاولة التعرف على كيفية وجودها ولكل
منهم مدرسته الخاصة والتي إرتكزت في بناءها على البيئة المحيطة بهم، وعلى معتقداتهم المختلفة والتي كانت
عاملا رئيسا في بناء نظرية كل عالم .
النفس البشرية في الهندوسية:
تعددت الأساطير والخرافات حول الديانة الهندوسية منذ بداية نشأتها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد تقريبا،ومع
تعاقب الأجيال تعددت النظريات حول فكرة الإله والروح والنفس البشرية، وإتفق الكثير منهم على أن النفس البشرية
متمثلة في الروح مستمدة من الٱلهه ولا تنفصل عنهم،حيث أن الروح جزء لا يتجزأ من الإله،وبالتالي فإن الروح لا
تصاب بأي أذى حتى بعد الموت،ثم تنتقل إلى جسد ٱخر،وهذا ما يطلق عليه تناسخ الأرواح،وتتم عملية التناسخ بناءا
على أفعال الإنسان،فإذا كان الفرد شخصا صالحا في المجتمع إنتقلت روحه إلى جسد كاهن أو عالم أو ملك أو طائر أو
حتى زهرة جميلة،وإذا كان الفرد شخصا سيئا في المجتمع إنتقلت روحه إلى جسد شخص بائس أو حيوان أو حتى
حشرة،وبالرغم من تعدد الٱلهه في الهندوسية إلا أن فكرة تناسخ الأرواح عقيدة راسخة عند أغلب الهندوس مع
كامل تقبلهم لجميع الآلهة فى معتقداتهم.
النفس البشرية في الدين الاسلامي:
جاء الدين الاسلامي ليحطم كل نظريات الخرافة والأساطير حول النفس البشرية،ولقد وردت كلمة نفس في القرآن
الكريم بمعاني كثيرة يتم تفسيرها حسب موضع الآية الكريمة، فهي تعنى الروح والجسد والشخصية، وأفعال الإنسان
وقراراته هي التي تحدد نوع النفس البشرية وما ستؤول إليه تلك النفس في الحاضر و المستقبل وفي الآخرة.
أنواع النفس البشرية في الدين الاسلامي:
قسم الدين الإسلامي النفس إلى ثلاثة أقسام:
أولا: النفس الأمارة بالسوء وهي النفس التي تأمر و تدفع الإنسان إلى إرتكاب المعاصي والذنوب والأخطاء
وإيذاء الغير ، وذكرت في القرآن وتسمى أيضا بالروح الخبيثة وهى مخالفة للفطرة الطبيعية.
ثانيا: النفس اللوامة وهى النفس التى تلوم صاحبها على إرتكاب الذنوب والأخطاء وتدفع صاحبها إلى الندم
والخشية والتضرع إلى المولى عز وجل ولقد أثنى الله عليها في القرآن الكريم.
ثالثا: النفس المطمئنة وهى النفس الكريمة المحبة للجميع كحبها لنفسها تكره الشرور والمعاصى تخشع لذكر الله
ولقد كرمها الله في كتابه العزيز ورضي عنها وجعل جنته مستقرا لها ، نسأل الله أن تصبح أنفسنا راضية مطمئنة.
نستنبط من كل هذا أن النفس البشرية هي الأكثر تعقيدا في هذا العالم،حيث أنها تتكون من صفات مادية ومعنوية
وغرائز متضادة،فهي تتلذذ وتتألم،تحب و تكره،تتفق وتختلف، تسعى إلى إفشاء السلام وتشعل فتيل الحروب تبني
وتدمر تصنع الداء وتخترع الدواء ،وبناءا على ذلك تعد النفس البشرية المحرك الرئيسي لكل ما يحدث للإنسان وما
يؤول إليه العالم في كل العصور وكذلك مصير تلك النفس يتم تحديده وفق إختيار كل فرد في المجتمع،مع مختلف
الأديان والمذاهب والبيئة المحيطة بالنفس البشرية .