♦ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طعامُ الاثنين كافي الثلاثة، وطعامُ الثلاثة كافي الأربعة))؛ متفق عليه. وفي رواية لمسلم عن
♦ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طعامُ الاثنين كافي الثلاثة، وطعامُ الثلاثة كافي الأربعة))؛ متفق عليه.
وفي رواية لمسلم عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعامُ الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية)).
♦ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفرٍ مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلة له، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان معه فضلُ ظَهرٍ، فليعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زادٍ، فليعُد به على من لا زاد له))، فذكر من أصناف المال ما ذكر؛ حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحدٍ منا في فضل. رواه مسلم.
♦ وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببُردة منسوجة، فقالت: نسَجتُها بيدي لأَكسُوَكَها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاُره، فقال فلان: اكسُنيها ما أحسَنَها! فقال: ((نعم))، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه.
فقال له القوم: ما أحسَنتَ! لَبِسَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألتَه، وعَلِمتَ أنه لا يرُدُّ سائلًا، فقال: إني والله ما سألتُه لألبَسَها، إنما سألتُه لتكون كَفَني. قال سهل: فكانت كفَنَه. رواه البخاري.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ذكَر المؤلِّف رحمه الله هذه الأحاديث الأربعة في باب الإيثار، وهي حديث أبي هريرة، وجابر، وأبي سعيد، وسهل بن سعد.
ففي الحديثين الأوَّلَينِ بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وأن طعام الاثنين يكفي الأربعة، وأن طعام الأربعة يكفي الثمانية، وهذا حثٌّ منه عليه الصلاة والسلام على الإيثار، يعني أنك لو أتيتَ بطعامك الذي قدَّرتَ أنه يكفيك، وجاء رجلٌ آخر فلا تبخل، لا تبخل عليه وتقول: هذا طعامي وحدي، بل أَعطِه منه حتى يكون كافيًا للاثنين.
وكذلك لو جاء اثنان بطعامهما، ثم جاءهما اثنان، فلا يبخلان عليهما ويقولان: هذا طعامنا، بل يطعمانهما؛ فإن طعامهما يكفيهما ويكفي الاثنين، وهكذا الأربعة مع الثمانية.
وإنما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا من أجل أن يؤثِر الإنسان بفضل طعامه على أخيه.
وكذلك أيضًا حديث أبي سعيد في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم على رحلٍ له، فجعل يلتفت يمينًا وشمالًا، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم فَهِمَ أن الرجل محتاج، فقال عليه الصلاة والسلام: ((من كان له فضلُ ظَهرٍ، فليعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد، فليعُد به على من لا زاد له)).
وذكر أنواعًا، ولم يبادر فيقول: من كان له فضل زاد مثلًا؛ لئلا يخجل الرجل، بل قال: ((من كان له فضلُ ظهر))، والرجل لا يحتاج إلى الظَّهر؛ لأنه كان على راحلته، لكن هذا من حُسن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الراوي: "حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحد منا في فضل"، يعني أن الإنسان يبذُل كلَّ ما عنده حتى لا يبقى معه فضل، يعني من الطعام والشراب والرحل وغير ذلك، وهذا كلُّه من باب الإيثار.
وأما الحديث الرابع حديث سهل بن سعد، فإن امرأة جاءتْ وأهدَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بُردةً، وكان صلى الله عليه وسلم لا يردُّ الهدية؛ بل يَقبَل الهدية ويُثيب عليها صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من كرمه وحُسنِ خلقه، فتقدَّم رجل إليه، فقال: ما أحسن هذا! طلَبَها من النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل الرسول عليه الصلاة والسلام، خلعها وطواها، وأعطاه إياها.
فقيل للرجل: كيف تطلبها من النبي صلى الله عليه وسلم وأنت تعلم أنه لا يردُّ سائلًا؟ فقال: والله ما طلَبتُها لألبَسَها، ولكن لتكون كفَني رضي الله عنه، فأبقاها عنده فصارت كفَنَه، ففي هذا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه؛ لأنه آثَرَ بها هذا الرجلَ مع أن الذي يظهر أنه في حاجة لها.