العقل للتوصل إلى وجود الله الشك والتقصي والتساؤل هي سمات الإنسان المتفكر، وفي حين تبدو قضية وجود خالق من أكثر القضايا جدلًا إلا أن النظريات العلمية والحقائق التي توصل
العقل للتوصل إلى وجود الله
الشك والتقصي والتساؤل هي سمات الإنسان المتفكر، وفي حين تبدو قضية وجود خالق من أكثر القضايا جدلًا إلا أن النظريات العلمية والحقائق التي توصل لها العلم جاءت لتعزز وجود الخالق ولم يكن العلم يومًا نقيض الدين، ففي جميع الأديان هناك من يؤمن بوجود قوة عظيمة وقفت خلف وجود هذا الكون، إلا أن البعض أظهر عدم اتفاقه مع هذه الأديان بوجود خالق ومدبر، وأنكر وجوده، داعمًا رأيه بأن الكون أوجد نفسه ومستندًا في تفسيراته الخاصة إلى بعض النظريات العلمية. في الآتي سنبين أهمية التفكر وإعمال العقل في التوصل إلى وجود الله وكيف اتفق العلم مع الدين لتكوين فهم أعمق لفكرة الخالق. بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير في الآونة الأخيرة، إلا أن العلم لم يتوصل إلى حقيقة قاطعة تفسر بدء الحياة وماهية الروح، كما ظل الموت سرًا لا يعلم أحد ما يتبعه وكيف أن انفصال الروح عن الجسد يؤدي إليه، لينقطع بحلوله ارتباط المخلوقات بالحياة المادية. إن الاتجاه الذي تحذو نحوه نظريات العلم الحديث هو الاستدلال على المؤثر بتتبع الأثر، ومنها الجاذبية والإلكترون والثقب الأسود، وهذا الاستدلال بالأثر يفسر الكثير من نظريات الفيزياء وخاصة ما يعرف بقوانين ميكانيكا الكم والنظرية النسبية، وفي سياق مشابه يُستدل على وجود الله من خلال التأمل والتفكّر في الأثر الدال عليه، وسنتطرق إلى أهم هذه الدلائل العقلية وكيف كشفت عن التوافق الكبير ما بين العلم والإيمان بوجود الخالق.
دلائل على وجود الله
ما لا تدركه حواس الإنسان يدركه العقل
فالحواس في اتصال مباشر مع عناصر كونية ذات طبيعة مادية، كاللمس والإدراك بالنظر والسمع والتذوق، وبالفعل فإن الحواس لها دور كبير في الإدراك، إلا أن ما يجعل فكرة وجود الإنسان محض صدفة فكرة لا أساس لها من الصحة، فقدراته العقلية على التحليل والربط والتفسير ومعالجة عمليات معقدة في الوقت ذاته، كما ترتبط العمليات العقلية لدى الإنسان بالمنطق، فيتوصل عبر المنطق إلى النتائج المنطقية ويصل بين السبب والنتيجة ويُجري عملية فرز للمخرجات ما بين منطقي ومقبول وما بين مستبعد وغير ممكن، إن هذه القدرات تتجاوز فكرة الوجود العبثي وتجعل فكرة إنكار الخالق فكرة مهزوزة تفتقر إلى دلائل.
نظرية التطور الطبيعي
تعد من أكثر النظريات إشكالية في تاريخ العلم ولا يمكن إنكار أثر العلم ودور العلماء في تطور الحضارة الإنسانية، والعلماء على اختلافهم أجمعوا على أن التطور الطبيعي للإنسان من كائن وحيد الخلية أمر غير ممكن، فيأتي في المقدمة علم المتحجرات الذي يدرس الكائنات الحية وتركيبها منذ ملايين السنين، أقدمها طبقات العهد الكامبري التي تمتد إلى 500 مليون سنة، فأوجد هذا العلم أنه من المستحيل أن يكون هناك تطور من كائن وحيد الخلية إلى شكل آخر للحياة كالإنسان، حتى وإن مر بمراحل عديدة يجب أن يكون هناك مراحل انتقالية، مثل هذه التغيرات لم يظهر لها أثر في علم الأحافير والمتحجرات، وأثبتت الدراسات فيما بعد أن التطور الطبيعي ممكن ولكن في إطار النوع الواحد، أي بمعنى آخر، تطور نوع من الأسماك بعد سنوات طويلة إلى شكل آخر محتمل الحدوث ولكن يبقى ضمن فصيلة الأسماك ولا ينتج كائن جديد مختلف تمامًا في تركيبه.
ارتباط الجسد بالشعور والإدراك
إن الشعور بالألم عند التعرض للحرق مثلًا والشعور بالسعادة والحزن والخوف والحب والكره وغيرها من منظومة الشعور المعقدة ليس فقط دليل على وجود خالق، بل هو أمر لا يقدر على تفسيره منكرو وجود الله أو غيرهم، فقد يفسر بعضهم هذه الخصائص بأنها رد فعل طبيعي نظرًا لوجود الجهاز العصبي وتغير في إفراز الأدرينالين وغيرها من محفزات الشعور، لكن عند الحديث عن الألم غير المرتبط بمؤثرات مادية، أو السعادة والحزن والألم الناتج عن فقدان شخص عزيز فتعجز النظريات عن تفسيرها وكشف ماهيتها. إن الدعوة إلى التفكر هي دعوة للعلم والإدراك بالعقل والمنطق والحواس معًا، فما وضعها الله فينا إلا لإرادته لنا بأن نتوصل إليه، فالإيمان يعززه ويقويه الاستناد إلى العلم، كما يأتي العلم ليفسر الإيمان.