في وقتٍ يكون فيه الإنفصال حلاً نهائياً لمشاكل
متراكمة وفرصة جديدة لبداية مُشرقة، ظهرت
دراسة حديثة تؤكّد أنّ الأشخاص المنفصلين
يكونون أكثر عرضة للتعرّض لحوادث صحيّة
ونفسيّة وجسديّة يمكن تجنّبها مقارنة بنظرائهم
المرتبطين.
صحيحٌ أنّ الإنفصال يصبح محتّماً حين يعجز
الحبّ عن غض النظر عن بعض السلوكيات
الخاطئة لأحد الطرفين، وفيما يصنّف العشق
سرًّا جوهريًّا لإصلاح أيّ خلاف، إلاّ أنّ
العلاقة العاطفية تخضع لديناميكية تصاعدية
ويبقى أبغضها الطلاق حيناً والانفصال العاطفي أحياناً كثيرة.
وتحدثت الدراسة عن أهمية وجود شريك الحياة
كداعمٍ أساسيّ ومشجّع الطرف الآخر لتلافي
المخاطرغير الضرورية والعمل على تقديم
المساعدة في حالات الطوارئ، وتجنّب الموت
المفاجئ نتيجة تعرّض لحادث صحيّ. هذا
الشريك يستمرّ في تأدية دوره في حالات عدّة
حتى لو تمّ إنفصالٌ صامت بين الطرفين.
أما من الناحية النفسية، فكُثر يتراءى لهم
سهولة تقبّل الفشل العاطفي، إنما النتيجة
تأتي دون التوقعات أحيانا كثيرة.
ويرى علم النفس أنه مع اتخاذ هذا القرار،
يعيش كلّ شخص تلك الحالة حسب شخصيته
ونضجه النفسي، ففي حين يبدأ البعض حياة
جديدة غير مبالٍ بما خلفته العلاقة السابقة،
ينعزل البعض الآخر ليتخبط في دوّامة
الماضي، بحيث يصعب التغلّب على المشاعر
المتضاربة بطريقة سريعة، ويعايش ظروفاً
عدّة قد تصل به الى حافة الانفصال العاطفي.
بعد تواجدهما تحت سقف واحد لسنواتٍ طويلة،
حلّ الجمود مكان العواطف الجيّاشة وتلاشت
ملامح العشق بينهما، لتصبح الشراكة الزوجية
بمثابة التزام إجباري فقط لا غير. هذا الواقع،
دفع بكلّ من الثنائي آنجي وجوزيف الى
الانفصال عاطفياً بعد زواجٍ دام 11 عاماً
نتج منه ولدان. إلاّ أنّ صعوبة التفاهم بينهما
وتسرب الملل الى علاقتهما الزوجية، وافتقاد
مبدأ المصارحة بينهما، فتح الباب أمام مشاكل
متراكمة أدّت في نهاية المطاف الى هذا
الانفصال عن بعضهما فعلياً فيما أنهما ما زالا
مرتبطين صُوَرياً.
شواهد
7 سنواتٍ لم تكن كافية لكلّ من ميراي وزياد
للتنبه الى مدى عمق الفجوة بين هذا الثنائيّ،
فضراوة الحبّ بينهما أدت الى التغاضي عن
عيوبٍ عدّة بين الطرفين، إلا أنّه ما لبث أن
ظهر بعد الزواج الاختلاف في الاهتمامات
المشتركة نتيجة الفرق الشاسع في المستوى
الثقافي، ما جعل التفاهم بينهما عملية شبه
معقدة، ما زالت تداعياتها واضحة بعد مرور
أربع سنوات على الزواج. ولأنّ الطريق
بات مسدودا في وجه الحلول، اختار هذا
الثنائي الانفصال عاطفياً فيما بقي الارتباط
الرسمي قائماً على مرأى من عيون
الأقارب والأصحاب.
قلائلٌ تمكّنوا من ترجمة إنفصالهم عن بعضهم
البعض بشكل واقعيّ على أرض الحياة، فيما
كثرٌ يعجزون عن تحقيق رغبتهم في الانفصال
مكتفين بنوعٍ من الانفصال العاطفي وهو ما
يعرف بالانفصال الصامت حيث يفتقدون
لحياة زوجية حقيقية تتّسم بلغة الحبّ والتفاهم
لتتسع رقعة التنافر الروحي والنفسي بينهما.
ويرى علم النفس أنّ الانفصال العاطفي يأتي
نتيجة اختلالاتٍ زوجية معينة بسبب عدم
تمكّن الزوجين من حلّ مشاكلهما اليومية
ما يؤدي الى إقامة حواجز عدّة بينهما، ينتج
منها تدمير كامل للعلاقة. وتظهر هذه المشكلة
بعد أكثر من خمس سنوات من الارتباط
حيث تتراكم المشاكل ويبدأ الانفصال العاطفي
بالبروز الى العلن.
ورغم صعوبة استمرار العلاقة ضمن أجواء
صامتة خالية من المشاعر، إلا أن كثراً
يعايشونها تلافياً للتفكك الأسري وإصابة
الأطفال بأي نوع من الاضطرابات النفسية
والاجتماعية التي تهدّد مستقبلهم.
إنفصال رماديّ
إنّه نوع من الانفصال الرمادي الذي أضحى
أثره كبيرا على المجتمع فيؤدي الى انحراف
أطرافه وتزايد المشاكل النفسية هي ظاهرة
ليست وليدة المجتمع اللبناني فحسب بل تمتد
رقعتها نحو البلدان العربية كافة، ويحتضن
مساوئ متعدّدة أبرزها الاستنزاف النفسي
الذي يسبّب شعوراً بالوحدة، والنقص وصولا
ً الى الاكتئاب المزمن... فالانتحار.
ورغم غياب الاحصائيات الدقيقة حول نسبة
الذي يعيشون في كنف الانفصال الصامت،
إلا أنّ أسبابه باتت واضحة ونتائجه محتّمة،
ما يفرض ضرورة تعزيز الوعي حول تلك
الكارثة الاجتماعية التي قد تؤدي بأبنائها
الى الهلاك.
وأظهرت الدراسات أنّ عواقب وخيمة تترتّب
عن تلك الحالة بحيث تسهل الإصابة بأزمات
صحية مفاجئة، كما أوضح تقرير لمجلة
ألمانية أنّ تسعًا من كل عشر سيدات في
العالم يعانين من صمت الأزواج منذ أكثر
من خمس سنوات.
حنينٌ الى الماضي
كما يشدّد علم النفس على أنّ غالبية الأزواج
يحنّون إلى مرحلة العزوبية بسبب المشاكل،
ويرجع السبب الأساسي في الإنفصال
العاطفي والجسدي وحالات الطلاق المتزايدة،
إلى سوء إدارة العلاقة الزوجية بعد الزواج،
وعليه ينصح كلّ زوج وزوجة بالحرص
على الاستمتاع بأوقاتهما ولقاء أصدقائهما
المقربين والقيام بمشاريع مسلّية، ما يكسر
روتين حياتهما ويحيي الذكريات السعيدة.
ويبقى الحلّ في ضرورة معالجة تلك المشكلة
المفتعلة لتخطيها من خلال مواجهة الواقع
وإرغام النفس على تقبله، والتعامل معه بواقعية.
وإذا عجز الطرفان عن الوصول الى حلول
مرضية، لا بدّ من تدخل الطب النفسي كي لا
تسيطر تلك الحالة على النفوس وتصبح حالة
مرضية بامتياز.]