يُروى أنه طغى نهر وكاد يكتسح بيتًا صغيرًا تسكنه ، امرأة فقيرة وأولادها ، فتبرع غنيٌ ، بمائة دينار لمن ينقذ هذه المرأة وأولادها ، فأخذ جنديٌ قاربًا ، واقتحم الخطر ، وبعد برهة رجع معه المرأة ومن معها ، فأعطاه الغني المكافأة ، فأبى أخذها قائلًا : لا أبيع مروءتي بمال ، أعطه لهؤلاء الجماعة ، فإنها في حاجة إليه .
محيي الموءودة :
هو صعصعة بن ناجية جدٌ الفرزدق ، وسمي بذلك لأنه مّر برجلٍ من قومه يحفر بئرًا وامرأته تبكي ، فقال لها : علام تبكين ؟.. فقالت : يريد أن يئد ابنتي هذه ( أي يدفنها في التراب وهي حية ) .. فقال له : لم تفعل لك ؟ قال : لفقري .. فقال : إني اشتريتها منك بناقتي هاتين يتبعهما أولادهما ، فتعيشون بألبانهما ، ولا تئد الصبية .
فقال : قد فعلت ، فأعطاه الناقتين وجملاً كان تحته ، وقال في نفسه : إن هذه لمكرمة ما سبقني لها أحد من العرب ، فجعل على نفسه ألا يسمع بموءودة إلا فداها ، فجاء الإسلام وقد فدى ثلاثمائة موءودة وقيل : أربعمائة ، وقال فيه الفرزدق مفتخرًا بمروءته :
وجَدّي الذي منه الوائدات وأحيا الوئيد فلم تُوأَدِ
المروءة من ساقي العامة :
ويروى عن المروءة في أيضًا أنه ، قال عبيد الله بن محمدٍ التيمي : سمعت ذا النُّون يقول بمصر: من أراد أن يتعلَّم المروءة والظرف ، فعليه بسقاة الماء ببغداد ، فقيل له : وكيف ذلك ؟ قال : لمَّا حُمِلْتُ إلى بغداد رُمي بي على باب السلطان مقيَّدًا ، فمرَّ بي رجلٌ متَّزرٌ بمنديل مصري ، معتمٌّ بمنديل دَبِيقِيٍّ ، بيده كيزان خزفٍ رقاقٍ وزجاج مخروط ، فسألت : هذا ساقي السلطان ؟ فقيل لي : لا، هذا ساقي العامة .
فأومأت إليه : اسقني .. فتقدَّم وسقاني ، فشممت من الكوز رائحة المسك ، فقلت لمن معي : ادفع إليه دينارًا .. فأعطاه الدينار ، فأبى وقال : لست آخذ شيئًا .. فقلت له : ولم ؟ فقال : أنت أسيرٌ ، وليس من المروءة أن آخذ منك شيئًا. فقلت : كَمُلَ الظرف في هذا .. والظرف : هو كتاب أخبار الظراف والمتناجين.