أيُّها المسلمون: ما ظنُّكم لو كان في محافظة المجمعة ألفٌ وثلاثمائة من الدعاة والمرشدين المؤهَّلين، الحريصين على بثِّ الخير والدعوة إليه، ألا يكون لهم أثرٌ بالغ ودورٌ فاعلٌ في التأثير ونشر الخير؟ ولو كان لهذا العدد الكبير من الدُّعاة المؤهَّلين علميًّا وتربويًّا خمس ساعات يوميًّا يقضيها كلُّ داعيةٍ مع ثلاثين طالبًا في مقتبل أعمارهم، وفي السن الذهبيَّة التي يتلقَّى فيها النشء مبادئ العلم وأصول التربية، ألا يكون لهذ العمل ثمرةٌ يانعة ودور تربوي مشهود؟ بلى وربي.
عبادَ الله: تفيدنا إدارةُ تعليم البنين في محافظة المجمعة أنَّ عدد المعلمين في جميع مدارس المحافظة يبلغُ ألفًا وثلاثمائة معلم تقريبًا، وأنَّ عدد الطلاب يبلغُ اثني عشر ألفًا، فبالله عليكم لو قام كلُّ معلمٍ بدوره التربوي المأمول مع طلابه الذين يبقَى معهم بضع ساعات في صباح كلِّ يوم، ألا يكون نتيجة ذلك وجود جيلٍ كامل من أبنائنا تُربَّى في محاضن تربويَّة، وعلى يد أساتذة أكفاء، فحبب إليه العلم، وغرس في فؤاده حب الله ورسوله، والانتماء إلى معقل الدِّين ومأرز الإيمان، ثم يقطف المجتمع هذه الثمرة اليانعة صلاحًا في الأبناء واستقامة في الخلق والسلوك؟
إنَّ الجواب -أيها الأحبة- لَواضحٌ ولا جِدالَ فيه، ولكنَّ التَّساؤُل المطروح -أيها المسلمون-: هل قامَ المعلمون بهذا الواجب كما أُمِروا به؟ وهل استشعر كلُّ معلم أنَّه يُؤدِّي عبادة جليلة وخدمة عظيمة لدِينه حين يعلم أبناء المسلمين ويرشدهم، أم أنَّ المعلم يرى أنَّه مجرَّد موظف يتقيد بالدوام اليومي ويقبض أجره في نهاية كل شهر، كغيره من الموظفين؟
أخي المعلم: إليك أُوجِّه حديثي فأصغِ سمعك -رعاك الله ورفع قدرك في الدنيا والآخرة- ألا ترى -أخي الكريم-: أنَّ هناك فئةً من العاملين في قطاع التعليم قد أهانَ هذه الوظيفة الشريفة، حين اتَّخذها وسيلةً للثراء والكسب المادي؟ فهو لا ينظُر لهذا العمل إلا من خِلال هذه الزاوية، إنَّ وظيفة التعليم أسمى وأعلى من أنْ تكون وظيفةً رسميةً، أو مصدرًا لكسب الرزق فحسْب، إنها إعدادٌ للأجيال، وبناءٌ للأمَّة.
وكم سمعنا منكم -يا معشر المعلمين- مَن يشكو دهرَه، ويندب حظَّه، فإجازاته ليست بيده، والطلاب أحالوا سوادَ شَعرِه إلى بياض، وهو أسوأ الناس حظًّا، فأقرانه حازَ بعضهم مراتب عاليةً، وعملهم مريحٌ، ويتعامَلون مع أوراق ومعاملات، أمَّا هو فيعيشُ بين ضجيج المراهقين، وصخب الصِّغار، وزيارات المشرف ومُلاحظاته؛ ليعودَ بعدها إلى أكوام الدفاتر.
وصورة أخرى لدى بعضِ المعلِّمين، صاحبها مُتبلِّد الإحساس، فاقد الغيرة يرى أبناء المسلمين يتهافَتُون على الفساد، ويقَعُون في شِباك الرذيلة، وقد احتوشَتْهم شياطين الجن والإنس، ولا يحرك الأمر لديه ساكنًا، أو يثير عنده حميَّة، فهذا ليس من شأنه، شأنه تدريس الفاعل والمفعول، أو توضيح المركبات وقوانينها، أو حل المعادلات، بل قد يُوكل إليه تدريس العلم الشرعي ومواد التربية الإسلاميَّة، ومع ذلك فواقع الطلاب لا يَعنِيه في قليلٍ ولا كثيرٍ.
إنَّ هذه الصور مَظاهِر لحقيقة واحدة هي الإهمال وعدم إدراك المسؤوليَّة، فما الصورة التي نريدُ؟ ومَن المدرس الذي نتطلع إليه؟
إنَّنا نريدُ المعلِّم الذي اختار طريق التعليم ليخدم الأمَّة من خلاله، فيعدَّ الجيل ويربيَ النشء. إنَّه يحترقُ على واقع أبناء المسلمين، ويعدهم أبناءَه، ويعتبر إصلاحهم من أولويَّات وظيفته، ويرى تربيتهم من مسؤوليَّته، ولا مانع من أن يقصد مع ذلك تأمين معيشته ومعيشة أسرته فيُؤدِّي واجبات وظيفته على الوجه المطلوب؛ ليهنأ بأكل راتبه حلالاً، ويجمعَ بين خيري الدنيا والآخرة.
أيها المعلِّم: إنَّ ممَّا يعينُك على أداء واجبك: أنْ تسمع وتعلَمَ ما ينتظرك من الخير والأجر عند الله إنْ أحسنت النيَّة وأخلصت العمل في تعليمك، فإليك جملةً من هذه الفضائل والمكاسب. </ul>