13-04-2024
|
|
الإسلام أساس الإصلاح
خلق الله الإنسان ناقصًا بأصل فطرته، معرَّضًا للاعوِجاج في سَيره، وللخطأ في فكرته، محاطًا بعدَّة أمراض وعيوب يحتاج في علاجها إلى طبيب حاذق يُعطيه من الدواء ما يُناسبه للإبراء، وإلى مرشد يُرشِده، وإلى مؤدِّب مِن مخالب الرَّذيلة ينقذه؛ ليسير على انتظام في حاضر عمله، فينال السعادة الحقيقية في مستقبله، ولهذا أرسل الله الرسل لتُتمِّم هذا النقص، وتقوِّم هذا الاعوجاج، بما أوحى إليهم من النُّظم والأحكام والحدود التي تضمَن السعادة لهم في كل زمان؛ ليَبلغ الإنسان درجة الكمال.
فالإنسان بإنسانيته لا بحيوانيته، فكم من حيوان أقوى بدنًا، وأبطش يدًا من الإنسان، ولكنَّ الإنسان يَفضُله بعقله إن خضع للنُّظم الإلهية والتعاليم الدينية التي تَكفُل له حياة الدهر وسعادة الأبد؛ ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
فلو تُرك الإنسان والصُّدَف تدبِّر دفة شؤونه وتحرِّكه كما تشاء، لانتهى إلى التلاشي والاضْمِحلال، ولمَا كان معنى لهذا الوجود الذي عَلِم الله أنه لا يقوم بعمارته وتَنسيقه غير الإنسان.
لهذا السرِّ أرسل الله الرسل؛ ليَنهضوا بالأمم، ويَسيروا بالعالَم سير الطبيب العالِم بضُروب العلاج؛ ليقوِّموا مَن مالَ إلى الاعوجاج.
فالدين للأمم رُوح حياتها، ونورها في مُدْلَهمِّ أمورها، وأداة إصلاحها، ونظام مستقبلها، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
فالحياة الطيِّبة الخالية من كل ما يكدِّر صفو الراحة والهناء، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها همٌّ ولا كدَر، لا تكون إلا بالدين والسَّير على ما جاء به من الأحكام النافعة والحِكَم البالغة، فسعادة الأمة وشقاوتها، وقوتها وضَعفها بقدر ما تكون عليه من الدين، فكلما ازدادتْ تمسُّكًا بالدِّين، ازدادتْ سعادةً وقوةً، وكلما ضَعُف تمسُّكها بالدين، ازدادتْ ضَعفًا في سعادتها وقُربًا إلى شِقوتها واضمِحلالاً في قوتها؛ لأن الله شرع تلك الأحكام مُنطويةً على أغذِيَة روحية وأدوية عمرانية وأدبية؛ لذا رأينا في أمة الإسلام في بَدء نشأتها وقيام شريعتها في إبَّان شبابها لها من العزِّ والقوة والنفوذ على مَن جاوَرها من الأمم - ما يُدهِش العقول ويحيِّر الأفكار، وما ذلك إلا بتمسُّكها بدينها، والعمل بإخلاص على نشْر تعاليمه من غير هُوادة ولا فتور، وما اعترضها التأخُّر في سيرها ولا لحِقها الذل، ولا دبَّ فيها دبيب الضَّعف والفشل - إلا بعد أن ضَعُف تمسُّكها بدينها، وفترتْ همَّتها من الاتصال بخالِقها، وانقطَع حبْل التآخي بين أبنائها، وتمكَّنت الأثرة والأنانية من القلوب، وتغلَّبت المدنيَّة الزائفة على المدنية الحقَّة، وزاحَمت القوانين الوضعية القوانين السماوية، وداهمَتِ العقائد الزَّيفيَّة العقائد الدينية، فتفرَّقت الجماعات وجَبُنت بعد الشجاعة.
لم يُرسل الله الرسل عبثًا، ولم يوجب اتباعهم تحكُّمًا، بل لِما يَعلم من نقص العقول البشرية، وتلاعب الشيطان بها في كل ما يَعترِضها من أعمال حياتها، فيوسوس لها بكل ما يجلب عليها البؤس والدمار، ويُزيِّن لها كل ما يحطُّ مِن قدْرها، ويصدُّها عن السبيل الذي يُعلي شأنها ويُحقِّق سعادتها، فسَنَّ لها القوانين التي تحفظُها من الخطأ وتَعصِمها من النقص، وأناط باتِّباعها الرُّشد والصلاح، والعزَّة والقوة والحضارة، والرقيَّ أدبيًّا ومعنويًّا.
تلك القوانين السماوية هي مواد الإصلاح، فمتى أصلح بها الفرد نفسه، صَلَحت الأسرة، وبصلاح الأسرة تَصلح الجماعة، وبصلاح الجماعة تَصلُح الأمة، وبصلاح الأمة تَصلُح الإنسانية، فمن يَبغِ الإصلاح بدونها ويروم السعادة من غيرها، فقد حاد عن جادَّة الحق ومال عن الطريقة المُثلى.
وإني لأعجب كل العجب من أمة تَدين بالدين الإسلامي وتقدِّسه كل التقديس، وتعتقد بصدق كتابها الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28]،
يقول مُنزِّله: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54] - فتُجافيه وتجعله آلة الحَلِف في المحاكم، وتَحكُم بغير نصوصه وأحكامه، وتطلب الإصلاح من غيره، وتستبدل به قوانين وُضعتْ لأحوال وقتية، لا تلبث أن تنقضي تلك الأحوال، فتَنقضي معها تلك القوانين ويستبدل بها غيرها، فكيف تطلب أمة الإسلام الإصلاح بقوانين هي عُرضة للمحو والإثبات؟!
قد يقول بعض مَن لا يفقه كتاب الله ولا وصَل إلى حقائق ما يَنطوي عليه من أسرار التشريع: إن التشريع العصري أقرب إلى مصالح البشر والحضارة من التشريع السماوي، وهذا قول الذين لم يعرفوا من العلم إلا القشور، وطمس الله على قلوبهم فلم تُشرِق عليها أنوار أسراره، فعمي عليهم الحق، وخيِّل إليهم أنهم قرؤوا كثيرًا ودرسوا كثيرًا، وأصبحت عقولهم متنورة بأنوار العلوم، ولها من القوة ما ترجِّح به بين أنفع العلوم وأحكم التشريعات، فنقول لهم: إن العلم أجلُّ من أن يصل إلى حقائقه كلُّ ناظرٍ فيه، أو يقف على أسراره كل مَن يدَّعيه، فمَن أخذ من العلم ما يعلو على استعداده، كان ضررُ ذلك العلم أكبر من نفعه، وكان مثله مثل المُمرِّض الذي رأى الطبيب يعالج المرضى، فيُعطي لكل مريض ما يُناسبه من الدواء، فعرَف أسماء الأدوية وأسماء عدَّة أمراض، ولكن لم يقف على سير الأمراض، ومبلَغ خطرها، ولم يعرف كميَّة ما يُعطي للمريض من الدواء، فادَّعى هذا الممرِّض أنه طبيب يعرف من الدواء كذا وكذا، ومن الأدوية كذا وكذا، فهل يعقل أننا نأخذ كلامه صحيحًا ونصدِّق دعواه؟ وهل لنا أن نَستسلِم لما يأمرنا به وينهانا عنه، مع عِلمنا بقدر معلوماته، وأنه لم يمارس صناعة الطبِّ، ولم يقف على قيمة كل مرض، ولم يَعرِف أسرار الدواء المركَّب من جملة عقاقير مُتفاوتة المقادير، فهذا مثل القوانين الوضعية، أما القوانين السماوية، فالإسلام دواء ركَّبه مَن خلَق الخلْق؛ لإصلاح النفوس من العِلَل، ولتطهير المجتمعات من الأمراض، ولتقوية الأمم والنهوض بها إلى القوة والعزة والكرامة، فالتشريع السماوي أجدر بإصلاح البشر من التشريع الوضعي؛ لأن التشريع السماوي أنزله مَن خلَق الخلْق، وهو أعلم بمصالحهم منهم، ومحيط بأعمالهم، ومقدِّر لأحوالهم، فأين عِلم الخالق مِن علْم المخلوق، وأين الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يدَيه ولا مِن خلفِه - تنزيل من حكيم حميد - مِن كلام إن صلح لزمن، لا يَصلُح لآخَر، وإن صلح لقوم، لا يَصلُح لآخَرين، والإسلام صالح لكل قوم في كل زمان ومكان؟!
hgYsghl Hshs hgYwghp lshs
hgYsghl Hshs hgYwghp lshs hgYsghl hgYwghp
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|