23-04-2024
|
|
المشوق إلى اغتنام العشر الأول من ذي الحجة
1- الأيام العَشْر من ذي الحِجَّة فرصة لتزكية النفوس، وإصلاح القلوب، وبدء صفحة جديدة مع الله:
تزكية النفوس مطلبٌ عظيم، وهدف سامٍ كريم، وغاية نبيلة ينبغي السعي إلى تحقيقها، فكم دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بها؛ ففي صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: ((اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها)).
وإذا زكَّى الإنسان نفسه، فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان، وذاق حلاوة الطاعة، والإحسان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ من فعلهن، فقد طعِمَ طَعْمَ الإيمان: من عَبَدَ الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان))[1].
وإنما يحصل ذلك بالمران على الطاعة، والسعي إلى الخير، وهو ما ندب إليه المؤمن هذه الأيام.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العَشْر[2]، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء))[3].
قال ابن تيمية رحمه الله: "أيام عشر ذي الحِجَّة أفضل من أيام العَشْر من رمضان، والليالي العَشْر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحِجَّة"[4].
قال ابن القيم معلقًا على كلام ابن تيمية: "وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجوابَ، وجده شافيًا كافيًا؛ فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحِجَّة، وفيها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم التروية، وأما ليالي عشر رمضان، فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر، فمن أجاب بغير هذا التفصيل، لم يمكنه أن يُدليَ بحُجَّة صحيحة"[5].
قال ابن رجب: "وهذا الحديث نصٌّ في أن العمل المفضول يصير فاضلًا إذا وقع في زمان فاضل، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه.
وفي أن العمل في عشر ذي الحِجَّة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره، ولا يُستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد؛ وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيء"[6].
وقال ابن حجر: "وفي الحديث تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة، وفضل عشر ذي الحِجَّة على غيرها من أيام السنة"[7].
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضل أيام الدنيا أيام العَشْر، قالوا: يا رسول الله، ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله، إلا من عفَّر وجهه في التراب))[8].
2- في الأيام العَشْر، يوم عرفة[9]:
في صومه تكفير ذنوب عامين كاملين؛ العام الذي قبله، والعام الذي بعده.
عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفِّرَ السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))[10].
3- في الأيام العَشْر يوم النحر:
وهو من أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى؛ كما في حديث عبدالله بن قرط، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر، ثم يوم القَرِّ))[11].
وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن يوم الجمعة ويوم النحر، أيهما أفضل؟
فأجاب: "يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام".
قال ابن القيم: "وغير هذا الجواب لا يسلم صاحبه من الاعتراض الذي لا حيلة له في دفعه"[12].
4- أيام العَشْر الحسنات فيها تتضاعف:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "كان يُقال في أيام العَشْر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم"[13]؛ يعني: في الفضل.
وعن الأوزاعي رضي الله عنه، قال: "بلغني أن العمل في اليوم من أيام العَشْر كقدر غزوة في سبيل الله يُصام نهارها ويُحرس ليلها، قال: حدثني بهذا الحديث رجل من بني مخزوم عن النبي صلى الله عليه وسلم"[14].
ورُوِيَ عن الحسن قال: "صيام يوم العَشْر يعدل شهرين"[15].
ولهذا كانت هذه الأيام بحقٍّ فرصة حقيقية، لتجديد الشحن الإيماني في القلب، وبدء صفحة جديدة مع الرب.
ماذا نفعل في هذه العَشْر؟
1- إحياء ذكر الله في القلب، ومحاولة تذوق حلاوته:
﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 27، 28].
قال البخاري في صحيحه: "وقال ابن عباس: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]: أيام العَشْر، والأيام المعدودات: أيام التشريق، وكان ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العَشْر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما، وكبَّر محمد بن علي خلف النافلة"[16].
وأقسم الله عز وجل بهذه الليالي العَشْر؛ فقال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2].
قال ابن كثير: "والليالي العَشْر: المراد بها عشر ذي الحِجَّة؛ كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف"[17].
وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيامٍ أعظمُ عند الله، ولا أحبُّ إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العَشْر، فأكْثِروا فيهن من التهليل، والتكبير، والتحميد))[18].
وفي رواية عبد بن حميد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن، من هذه الأيام عشر ذي الحِجَّة - أو: قال: العَشْر- فأكثروا فيهن من التسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد)).
فالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل أعظم كلمات نقولها في هذه الأيام، وهي أحب الكلام إلى الله، وهي الباقيات الصالحات.
كانوا يقولون: رمضان دورة تربوية مكثَّفة في قراءة القرآن، والعَشْر الأول من ذي الحِجَّة دورة تربوية مكثفة في الذِّكْر.
واعلم أن التكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة، ولا سيما في أول العَشْر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل، فينبغي الجهر به؛ إحياءً للسُّنَّة، وتذكيرًا للغافلين.
وتحصل السنة بأي صيغة كانت؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر الله أكبر، ثلاث مرات.
الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، الله أكبر، ولا نعبد إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله[19].
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "وكان عمر رضي الله عنه يكبِّر في قبته بمنًى فيسمعه أهل المسجد، فيكبِّرون ويكبِّر أهل الأسواق، حتى ترتج منًى تكبيرًا، وكان ابن عمر يكبر بمنًى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعًا، وكانت ميمونة تكبِّر يوم النحر، وكُنَّ النساء يكبِّرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبدالعزيز لياليَ التشريق مع الرجال في المسجد"[20].
وروى المروزي، عن ميمون بن مهران، قال: "أدركت الناس وإنهم لَيكبِّرون في العَشْر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير، وهو مذهب أحمد، ونص على أنه يجهر به"[21].
2- التصالح مع القرآن:
استزَدْ إيمانًا في هذه الأيام المباركات، بزيادة في وِرْدِك من القرآن، وإن لم يكن لك وِرْدٌ، فابدأ بقراءة القرآن وتدبره، والعمل بأحكامه، ولا تهجره؛ فالرسول اشتكى لربه الذين يهجروه؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
فاحذر أن تكون منهم؛ وكُنْ ممن قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29].
واحرص وأنت تتلو القرآن، أن تُنزِل القرآن على قلبك دواءً، ابحث عن دواء قلبك في القرآن، بتأمل كل آية، وكل كلمة، وكل حرف.
عن عبدالله بن عروة بن الزبير، قال: قلت لِجَدَّتي أسماءَ: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: "تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم، كما نعتهم الله، قال: قلت: فإن ناسًا ها هنا إذا سمع أحدهم القرآن خرَّ مغشيًّا عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"[22].
قال عبدالله بن مسعود: "لا تهُذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثُروه نثرَ الدَّقَلِ، وقِفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب"[23].
3- تحسين الصلاة:
بالمحافظة على أوقاتها، وجماعاتها، وتحسين خشوعها وخضوعها، والإقبال على الله تعالى فيها؛ قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم برالوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته لزادني))[24].
ويُستحَب الإكثار من النوافل، فبها تُجبَر الصلوات، وتُرفَع الدرجات، وتُحَط الخطيئات، وتُجاب الدعوات.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه))[25].
4- الصيام:
الصيام من أفضل الأعمال؛ لأن الله عز وجل تكفَّل بثوابه؛ كما في الحديث القدسي: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة...))[26]، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام التسع من ذي الحِجَّة.
فعن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحِجَّة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر؛ أول اثنين من الشهر والخميس))[27].
قال النووي رحمه الله: "صوم التسع من ذي الحِجَّة مستحب استحبابًا شديدًا"[28].
5- المكث في المسجد ما أمكن:
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مُصلَّاه الذي صلى فيه، ما لم يُحدِث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه))[29].
وخصوصًا بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، تتلو، تحاسب نفسك، تدعو...
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة تامة تامة))[30].
6- القيام القيام:
عن عبدالله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتب منالقانتين، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين))[31].
7- الأضحية:
ومن الأعمال الصالحة في هذا العَشْر التقربُ إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، واستحسانها، وبذل المال في سبيل الله تعالى.
فعن أنس رضي الله عنه، قال: ((ضحَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكَبْشَينِ أملحَينِ أقْرَنينِ[32]، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووضع رجله على صِفاحهما))[33] [34].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ذبح قبل الصلاة، فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة، فقد تمَّ نُسُكُه، وأصاب سُنَّة المسلمين))[35].
والأعمال الصالحة التي يعمُرُ بها المؤمن هذه الأيام العظيمة – كثيرة؛ فالبر، والصلة، والحج والعمرة، والصدقة، والمواساة، وما ذكرناه إنما هو على سبيل المثال لا الحصر، والْمُوفَّق من وفَّقه الله إلى اغتنام مواسم الطاعة.
hgla,r Ygn hyjkhl hguav hgH,g lk `d hgp[m l, hgp]e hguwv Ygd
hgla,r Ygn hyjkhl hguav hgH,g lk `d hgp[m l, hgla,r hgH,g hgp]e hguwv hyjkhl `d Ygd
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|