«المرأة السعودية خلف المقود».. استيقظنا صباح 23 يونيو 2018 على تصدُّر هذا الخبر الصحف في أرجاء العالم.. نشوة طاغية عمَّت بسقوط هذا الستار الحديدي، الذي ظل يحجب، ليس فقط حقيقة
«المرأة السعودية خلف المقود».. استيقظنا صباح 23 يونيو 2018 على تصدُّر هذا الخبر الصحف في أرجاء العالم.. نشوة طاغية عمَّت بسقوط هذا الستار الحديدي، الذي ظل يحجب، ليس فقط حقيقة المرأة السعودية، وإنما حقيقة المجتمع السعودي عموما، لكأنما حقيقة أن المرأة السعودية لا تسوق كانت تعني أن المرأة السعودية «لا توجد»، بل إن المجتمع السعودي لا وجود له، مهما كانت فعالية المرأة خلال الـ60 سنة الماضية، وحملها مسؤوليات ضخمة؛ ابتداءً من مسؤوليات الأسرة، وانتهاء بالمسؤوليات المجتمعية عامة، إلا أن التصميم الدولي ظل منعقداً على تهميشها والنظر إليها بوصفها عضوا مقموعا خاملا، لا النتاج الأدبي والفني، ولا المساهمات الثقافية، نجحت في قشْع الستار الحديدي. ومن خلال تجربتي الخاصة، فإن السؤال الأول، الذي ظل يواجهني، بل يُسطحني في كل المحافل الدولية ووسائل الإعلام، لم يتغير «المرأة السعودية هي المرأة الوحيدة في العالم التي لا تسوق، لماذا؟»، و»لا تسوق» هنا بمعنى « لا توجد»، وظل يُنظر إليَّ وإلى نظيراتي من الكاتبات والفنانات بصفتنا ظاهرة شاذة، يمكن القول «أشبه بنبت شيطاني»، ظاهرة لا تمثل المجتمع السعودي ولا المرأة السعودية، ظل يُنْظَر إلينا بصفتنا الشذوذ، الذي يُثبت القاعدة، قاعدة غياب المرأة السعودية، شعوري الخاص كان أشبه بمن يخوض نفقا بلا آخر، نفقا من التعتيم على تجربة المرأة السعودية، هؤلاء النسوة من رائدات العمل الخيري، وتطوير التعليم، ورعاية الفن، أسماء - على سبيل المثال لا الحصر - كالسيدة فريدة الحسون، التي شغلت منصب مديرة التوجيه في إدارة رئاسة تعليم البنات بجدة، وكانت عنصراً مغيراً في مسيرة تعليم المرأة، أو السيدة فريدة فارسي، التي بَنَتْ أجيالاً على مفاهيم الخير والجمال، والأميرة جواهر بنت ماجد، التي رسخت أقدام الفن ورعايته في المملكة، هذه المناضلة التي لا تزال تضخ من حيويتها في مسيرة الفن؛ لتمنحه مكانته اللائقة بوصفه أداة للتعبير عن هوية الشعوب وأحلامها المغيرة. إنها أشبه بالمنقب عن الذهب، ذهب الروح، لا تكف ولا تكل عن البحث، فتنشئ المؤسسات ومجالس الفن المؤهلة؛ لتقديم ذلك الذهب النادر، سواء لمجتمع الداخل أو للمجتمعات الدولية.
مثل تلك النماذج للمرأة السعودية ظلت تقدم وتدفع من روحها لتفعيل روح الجزيرة، نماذج - مهما بلغت فعاليتها - ظل يُنظر إليها من المجتمع الدولي بوصفها ظواهر متفوقة، لكن لا تمثل المرأة السعودية. والآن يجيء قرار القيادة السعودية المجددة؛ ليضع المرأة وراء المقود وينهار الستار، ويندفع تيار من الأكسجين، مساحة من التنفس تذكي جذوة المرأة السعودية وماهيتها، الآن يشتعل الجمر، ولا يدع للعالم مجالا لتسطيح تجربة بنات الجزيرة. الآن أنا موجودة، نحن موجودات في محيط من الفعالية لا يمكن إنكاره بحجة أننا لا نقود سيارة.