قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 71، 72]، قال قتادة: قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ هو الممَرُّ عليها، وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: وُرود المسلمين: المرور على الجسر بين ظَهْرانَيْها، ووُرود المشركين أن يدخلوها، وتفسير الوُرود بالدخول أيضًا مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأيَّد قوله بقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ يَقْدُمُ [1] قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ﴾ [هود: 98]، وقوله: ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴾ [مريم: 86]، وقوله: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 98]؛ فالوُرودُ في ذلك كلِّه الدخول.
وفي قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى: إن المراد في الآية هو المرور على الصراط[2]، ومِن استعمال الورود في غير الدخول قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ﴾ [القصص: 23].
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط.
وقال شارح الطحاوية: الأظهر والأقوى أنه المرور على الصراط؛ قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لا يلِجُ النارَ أحدٌ بايَع تحت الشجرة))، قالت حفصة رضي الله عنها: فقلت: يا رسول الله، أليس الله يقول: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾ [مريم: 71]، فقال: ((ألم تسمعيه قال: ((﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 72]))، أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن وُرودَ الناس لا يستلزم دخولها، وأن النجاةَ مِن الشر لا تستلزم حصولَه، بل تستلزم انعقادَ أسبابه؛ فمَن طلبه عدوُّه ليهلِكوه ولم يتمكنوا منه يقال: نجاه اللهُ منهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا ﴾ [هود: 58]، وقال: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا ﴾ [هود: 66]، ولم يكن العذابُ أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله تعالى به من أسباب النجاةِ لأصابهم ما أصاب أولئك.
وقال الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: المراد بالوُرود المرور على الصراط.
وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 12، 13].
عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ قال: على قدرِ أعمالهم يمرُّونَ على الصراط، منهم مَن نورُه مثلُ الجبل، ومنهم مَن نوره مثلُ النخلة، ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتَّقِد مرة ويُطفأ مرة، وقد أنكَر الصراطَ والمرور عليه أهلُ البدعة والهوى من الخوارج ومن المعتزلة، وتأولوا الورود برؤية النار، لا أنه الدخول والمرور على ظهرها؛ وذلك لاعتقادِهم أن مَن دخل النار لا يخرج منها ولو بالإصرار على صغيرة، فخالَفوا الكتاب والسنَّة والإجماع، وردوا الآياتِ والأحاديثَ الواردة في الورود والمقام المحمود والشفاعة.
[1] أي: فِرعونُ لعنه الله.
[2] قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بلغني أن الجسر - الصراط - أدقُّ مِن الشَّعَرة، وأحَدُّ من السيف؛ (رواه مسلم رحمه الله تعالى).