06-07-2020
|
|
زهد النبي (صلى الله عليه وسلم)
زهد النبي (صلى الله عليه وسلم)
كان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - الزهدُ في الدنيا، والاكتفاء منها بما يُقيم الأَوَدَ، والصبرُ على شظف العيش، والقناعة بما يصل إليه.
فكان - صلى الله عليه وسلم - ينام على حصير ليس تحته غيره، ووسادة حشوُها ليف، وكان لباسه البُرَدَ الغليظة، وطعامه التمر والشعير، يمضي الشهر والشهران لا يُوقد في بيته نار؛ وإنما يكتفون بالتمر والماء، وكثيرًا كان يبيت طاويًا، ويصبح صائمًا، وكان يعصب الحجر على بطنه من شدة الجوع، وحُملت إليه الأموال فلم يدَّخر منها شيئًا، بل مات ودرعُه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير، ولو أراد أن يعيش في نعيم ورغَد من العيش، لكان له ذلك، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - آثر الزهد والصبر ابتغاءَ مرضاة الله تعالى.
هذا، ومن الأحاديث التي تدل على شدة زهده - صلى الله عليه وسلم - وقناعته:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام البُرِّ ثلاثَ ليالٍ تباعًا حتى قُبض"[1].
وعنها - رضي الله عنه - قالت: "إن كنَّا آلَ محمد - صلى الله عليه وسلم - لَنمكثُ شهرًا ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء"[2].
وعن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول: "يا بن أختي، إن كنا لَننظرُ إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلَّة في شهرين وما أُوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار، فقلت: يا خالة، ما كان يُعَيِّشُكم؟ قالت: الأسودانِ: التمرُ والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيرانٌ من الأنصار كانت لهم منائحُ، وكانوا يمنحون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانهم، فيسقينا"؛ رواه البخاري 2567، ومسلم 2972، واللفظ لمسلم.
وعن النُّعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذكر ما أصاب الناسُ من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلْتوي ما يجد دقَلاً - الدقل: الرديء من التمر - يملأ به بطنه"؛ رواه مسلم 2978.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لقد مات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وما شَبِع من خبزٍ وزيت في يوم واحد مرتين"[3].
فلننظرْ ولْنتأمل في هذا الغيض من الفيض العظيم من خُلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفاته؛ لنعلمَ أن ذلك مظهرٌ من مظاهر التكريم الذي اختصَّه به ربُّ العالمين؛ إذ هداه إلى أحسن الأخلاق وأتمِّها وأعلاها.
وماذا نقول عمن أثنى عليه ربُّه، وشهد له أنه على خُلق عظيم، وعمن "كان خلقه القرآن"؛ رواه أحمد (6/91 - 24645)، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4811؟
وإذا كان اللهُ أرسله ليُعلي الأخلاق إلى أسماها، والفضائل إلى منتهاها، فلا بد أن تكون أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - في الذروة، وقد كان.
وقد شهد له ربُّه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وقال هو عن نفسه: ((إنما بُعثت لأُتممَ مكارم الأخلاق))[4].
إننا نعلم علم اليقين أن ليس في مقدورنا أن نوفي الحديثَ عن أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - حقَّه مهما اجتهدنا؛ وإنما نشير إلى عظمته - صلى الله عليه وسلم - ببيانٍ قاصر عاجز، ولا نزعم أنَّا نستطيع الإحاطة أو الاستقصاء؛ إلا أننا نشعر أن الأمة والعالم كله اليوم بحاجة إلى أن يبرُزَ أمامه هذا النموذجُ الفريد؛ ليكون قدوة في عالم الناس، ولِمَ لا وقد قال الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]؟
وأكمل الله - تعالى - له هذا الكمالَ الخُلقي بالكمال الخِلقي؛ وذلك باعتدال صورته وهيئته، وبالسكينة التي كانت تعلوه، والوقار والمهابة له في النفوس، مع تحلِّيه - صلى الله عليه وسلم - بالتواضع الجم، وكذلك بالطلاقة والبشاشة والمودة، وحُسن القَبول عند الناس؛ فقد كان دائم البِشْر والتبسم، بل كان يأمر بذلك، فقال: ((تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة))[5].
وكان - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة لأصحابه ومن تبِعهم من المسلمين، أحبَّ من الآباء والأبناء ومن كل شيء.
وهكذا كان حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كل مَن لقِيه؛ فقد كان مقبولاً محبوبًا مُطاعًا مَهيبًا عند الإنس والجن، إلا من كتب الله - عز وجل - عليهم الشقاءَ والعذاب من كفار الإنس والجن.
ولقد وهب الله - تعالى - رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من كمال الخِلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل، وصحة الفهم، وفصاحةِ اللسان، وقوة الحواس والأعضاء، واعتدالِ الحركات، وشرفِ النسب - ما لم يبلغه أحدٌ من النبيِّين - عليهم السلام - فضلاً عن الناس.
وقد وصَفَه أنس - رضي الله عنه - فقال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهر اللون، كأن عرَقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفَّأ، ولا مسست ديباجة، ولا حريرة ألينَ من كفِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شَمِمتُ مسكةً ولا عنبرةً أطيبَ من رائحة النبي - صلى الله عليه وسلم"[6].
وكذلك وصَفه البراءُ - رضي الله عنه - فقال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً مربوعًا، بعيدَ ما بين المَنْكِبين، له شعَر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حُلةٍ حمراء لم أرَ شيئًا قط أحسنَ منه"[7].
ومع هذا الكمال الخُلقي والخِلقي، نرى فيه من عظيم الخلال ورفيع الشمائل ما يتحقَّق به الكمالُ البشري في أعلى وأكمل صورِه البشرية، متمثلاً في فضائل الأقوال وفضائل الأعمال.
[1] رواه البخاري 5416، ومسلم 2970.
[2] رواه البخاري 6458، ومسلم 2972.
[3] رواه مسلم 2974.
[4] رواه أحمد (2/381-8939) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو صحيح، وإسناده قوي؛ (تعليق شعيب الأرناؤوط)، وحسنه الألباني في الصحيحة 45.
[5] رواه البخاري في الأدب المفرد 891، والترمذي 1956 عن أبي ذر - رضي الله عنه - وحسَّنه الألباني في الصحيحة 572.
[6] رواه مسلم عن أنس 2330 رضي الله عنه.
[7] رواه البخاري 3551، ومسلم 2337.
|
.i] hgkfd (wgn hggi ugdi ,sgl) hlgi hgkfn wgd ksHg
.i] hgkfd (wgn hggi ugdi ,sgl) hlgi hgkfn wgd .i] ugdi ksHg
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|