الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صاحب خصال جليلة،
جعلت منه إنساناً له ميّزة عبر تاريخ المسلمين، ومن ذلك:
* نسب عمر: هو عمر بن الخطّاب العدويّ،
ويمتدّ نسبه وصولاً إلى عدي بن لؤي، وكان من أشراف قريش،
وُلِد بعد مولد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بثلاث عشرة عاماً، وكنيته أبو حفصٍ،
كنّاه بها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
* إسلام عمر وأشهر مواقفه: أسلم عمر في مكّة المكرمة بعد واحدٍ وخمسين رجلاً وامرأةً أسلموا قبله،
وكان ممّن شهِدَ بيعة الرضوان، وعُرِفَ بلقب الفاروق لأنّه يفرّق به بين الحقّ والباطل،
وقد بشّره النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالجنّة؛ فهو من العشرة،
وكان مِن أوائل مَن هاجر إلى المدينة المنوّرة من مسلمي مكّة المكرّمة،
وكان وزيراً في خلافة أبي بكر الصديق، ثمّ تولّى خلافة المسلمين بعده،
وهو أوّل من لُقِّب بأمير المؤمنين.
* إنجازات عمر زمن خلافته: من أهمّ إنجازاته تدوين الدواوين، وتقديم العطايا حسب الأسبقيّات،
وإقرار التقويم الهجريّ.
* صفات عمر الخُلُقيّة: اتّصف عمر الفاروق في شدّته في فعل الحقّ وقوله،
وكان صاحب رجاحة في عقله،
وسداد في رأيه وحِكمة لا يجادل فيها أحد،
كما كان حريصاً أشدّ الحرص على نصرة المظلومين،
ونشر العدل بين الناس.
* صفات عمر الخَلْقيّة: كان عمر -رضي الله عنه- صاحب جهامة في بنية جسده،
وكان طويل القامة، ورأسه أصلعاً،
أمّا وجهه فشديد الحُمرة.
* مواقف عمر: كان عمر -رضي الله عنه- رجلاً مُلهَماً، أخبر بذلك النبيّ عليه الصّلاة والسّلام،
ونزلت آيات عديدة في القرآن الكريم توافق رأيه في عدّة مسائل؛ منها: حادثة أسرى بدر، واتّخاذ مُصلّىً من مقام إبراهيم عليه السّلام،
وشَهِد عمر مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الغزوات والوقائع كلّها،
ويشهد له التاريخ أنّ خلافته كانت فتحاً على عموم المسلمين،
حيث اتّسعت دائرة الفتوحات الإسلاميّة،
ودخلتْ كثير من البلدان في حِمى الإسلام،
وأكرم الله -تعالى- المسلمين بسقوط دولتي فارس والرّوم.
مكانة الصحابة في الإسلام
[/INDENT]
منذ بداية بعثة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حفِلت السيرة النبويّة بمواقف مضيئة للصّحابة الذين أكرمهم الله -تعالى- بشرف صُحبة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم،
حيث نال بعضهم قَدَم السّبْق في الدّخول بالإسلام،
وقدّموا تضحياتٍ وبطولاتٍ عظيمة،
فكانوا بحقّ وصدق أهل فداءٍ وأصحاب وفاء لرسالة الإسلام العظيمة،
وقد سجّل التاريخ الإسلاميّ سيرتهم الزّكية بمدادٍ من النّور،
ويعدّ عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أحد أعلام الإسلام الكبار،
حيث كان له أثرٌ واضح في كثير من مجالات الحياة الإسلاميّة؛ فقد أسلم مبكّراً وهاجر إلى المدينة المنوّرة،
وله مواقف عظيمة مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الدّعوة والجهاد،
ثمّ شاء الله -تعالى- أن يتقلّد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- إمارة المسلمين بعد وفاة أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه،
فكان خير خلفٍ لسلفه أبي بكر الصديق رضي الله عنه،
واشتُهر عمر بشجاعته في قول الحقّ وبفصاحته في نظم الخطب،
فمن هو عمر بن الخطّاب، وما هي أهمّ خُطبه؟
خُطب عمر بن الخطّاب
دوّن المؤرخون كثيراً من مواقف الفاروق عمر رضي الله عنه،
لا سيما الخُطب والأقوال التي اشتُهرت عنه،
وذاع صيتُ كثير منها التي كانت تُشكّل إحقاقاً للحقّ حيث يجب ذاك،
أو تقديم نصيحة للرعيّة أو وعظاً لعموم المسلمين، ومن ذلك:
1) وقف عمر -رضي الله عنه- خطيباً بجماعة المسلمين يوم السقيفة قبل أن يخطب أبو بكر الصّديق -رضي الله عنه- خطبة البيعة،
وكان ممّا قاله الفاروق عمر: (وإنَّ الله قد أبقى فيكم الذي به هدى رسولَ اللهِ؛ فإنِ اعتصمتُم به هداكم اللهُ لما كان هداه اللهُ،
وإنَّ اللهَ قد جمع أمرَكم على خيرِكم، صاحبِ رسولِ اللهِ،
وثاني اثنَين إذ هما في الغارِ؛ فقوموا فبايِعوه).
2) تعدّدت الرّوايات في أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- لمّا تولّى أمر الخلافة،
فقيل إنّه استلم المنبر وقال: (اللهمّ إنّي شديد فلينّي،
وإنّي ضعيف فقوّني، وإنّي بخيل فسخّني،
وفي رواية أخرى أنّه عندما همّ بالجلوس مكان أبي بكر-رضي الله عنه- على المنبر تذكّر فضل الصدّيق؛ فنزل درجة تواضعاً،
ثمّ حمد الله وأثنى عليه وقال: (اقرءوا القرآن تعرفوا به،
واعملوا به تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا،
وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية،
إنّه لم يبلغ حقّ ذي حقّ أن يطاع في معصية الله،
ألا وإنّي أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم،
إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف)،
وفي رواية أخرى أنّه قال: (إنّ الله ابتلاكم بي، وابتلاني بكم بعد صاحبي،
فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني،
ولا يتغيّب عنّي فآلو فيه عن أهل الجزء -يعني الكفاية- والأمانة،
والله لئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساؤوا لأنكلنّ بهم)،
ويمكن الجمع بين كلّ ما جاء عن خطبته الأولى بالخلافة،
وأنّ الرواة كان نقلهم لِما حفظوه منها.
3) وقف عمر -رضي الله عنه- خطيباً في جموع المسلمين بالجابية،
وقال: (استوصوا بأصحابي خيراً ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم،
ثمّ يفشو الكذب حتى إنّ الرّجل ليبتدىءُ بالشهادة قبل أنْ يُسألها،
فمن أراد منكم بحبوحة الجنّة فليلزم الجماعة؛ فإنّ الشيطان مع الواحد،
وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون أحدكم بامرأةٍ فإنّ الشيطان ثالثهما،
ومن سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)،
حيث أوصى بالتّابعين وتابعيهم، وحذّر من الكذب والحلف بالباطل،
والجرأة على الله بالكذب، كما تنبأ بأنْ يصل فساد ذمم النّاس وانعدام الثّقة بينهم إلى أنْ يحلف الرجل دون أن يُستَحلف،
كما حذّر من خطر الاختلاط المحرّم، وأوصى بلزوم جماعة المسلمين.
4) رُوي أنّ عمر وقف يوماً في خلافته خطيباً يعظ النّاس،
فأوصاهم بإظهار محاسن الأفعال؛ فبها يُعرف النّاس،
وعليها يحاسبهم خيراً وشرّاً، أمّا سرائرهم فإلى الله تعالى، حيث قال: (يا أيُّها النَّاسُ ألا إنَّا إنَّما كنَّا نعرِفُكم إذ بيْن ظهرَيْنا النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وإذ يُنزِلُ اللهُ الوحيَ وإذ ينبِّئُنا اللهُ من أخبارِكم،
ألا وإنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قد انطلق وانقطع الوحيُ،
وإنَّما نعرِفُكم بما نقولُ لكم، من أظهر منكم خيراً ظنَّنا به خيراً وأحببناه عليه،
ومن أظهر منكم لنا شرّاً ظنَّنا به شرّاً وأبغضناه عليه،
سرائرُكم بينكم وبين ربِّكم عزَّ وجلَّ)،[٦] وقال في ذات الخطبة محذّراً الرّعية من تسلّط الولاة أو بغيهم على النّاس،
وبيّن أنّ مهمة الولاة هي الرحمة بالنّاس وتعليمهم أحكام دينهم،
وكان ممّا قال: (ألا إنِّي واللهِ ما أُرسلُ عُمَّالي إليكم ليضربوا أبشارَكم ولا ليأخذوا أموالَكم،
ولكن أُرسِلُهم إليكم ليعلِّمُوكم دينَكم وسننَكم،
فمن فُعِل به شيءٌ سوَى ذلك فليرفعْه إليَّ،
فواللهِ الَّذي نفسي بيدِه إذاً لأقِصَّنَّه فيه).
5) خطب عمر على المنبر وأوصى بتعلّم الأنساب لغاية صيانة الأرحام وصلتها،
حيث قال: (تَعَلَّمُوا أنْسابَكُمْ ثُمَّ صِلوا أَرْحامَكُمْ واللهِ إنَّهُ لَيكونُ بين الرجلِ وبينَ أَخِيهِ الشَّيْءُ ولَوْ يَعْلَمُ الذي بينَهُ وبينَهُ من داخلِ الرَّحِمِ لأوْزَعَهُ ذلكَ عَنِ انْتِهاكِهِ).