هذا هو وقتها المحدد الذي تستيقظ فيه، إنها السادسة تماما، الوقت ثمين عندها ولا يمكن الاستخفاف به، إنه بمثابة السيف البتار إن لم تقطعه قطعك. فركت عينيها بقوة، آثار الكرى
هذا هو وقتها المحدد الذي تستيقظ فيه، إنها السادسة تماما، الوقت ثمين عندها ولا يمكن
الاستخفاف به، إنه بمثابة السيف البتار إن لم تقطعه قطعك.
فركت عينيها بقوة، آثار الكرى لازالت عالقة برموشها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل
على أنها لم تتذوق نخب الراحة الكافية، هذه حالة العاملات اللائي يصرفن أعز أوقاتهن
داخل البيت وخارجه.
دنت من صغيرتها ريم الغارقة في سباتها الملائكي، تفحصتها بعينين حانيتين لثوان،
تبدو منهكة القوى، مصفرة الوجه كأنما الأسقام طوحت بجسدها الأملس وأنهكته.
زوجها ممدد فوق سريره ينبعث منه شخير مزعج، أعمال منزلية شتى تنتظر منها الانجاز
وإلا سيختل برنامجها الأسري، وتتعرقل عن أداء مهامها، التنظيم المفرط هو عشقها
الأبدي. بعد حين ستوقظ زوجها ليقلها في سيارته إلى حيث تعمل في الشركة.
حدثها قبل الزفاف بكل صراحة: الزواج شراكة مقدسة بين اثنين، والتفاهم هو سر
نجاح الحياة الزوجية.
استوعبت ما سمعته منه لأن تصريحه هذا منطقي ولا غبار عليه.
إنها تعمل صباحا ولا تعود إلا مساء وهي مرهقة، وراضية كل الرضا بنصيبها.
انقضت ساعة بكاملها، طرقات على الباب متتالية، الخادمة مسعودة حضرت في الموعد
المحدد رغم أنها تقطن بعيدا، بكاء الطفلة ريم يترامى إلى الأسماع، شيء ما ينقصها،
ناغتها الوالدة بصوت أرق: صباح الخير عزيزتي، سأبدل لك ملابسك، ثم ترتشفين حليبك
المفضل، أليس كذلك؟
الوقت غال يمر مسرعا دون رجعة، الزوجان احتسيا قهوتهما وانصرفا إلى عملهما
كالعادة.
الخادمة والصغيرة وحدهما في البيت، ومن هنا تبتدئ الدراما المخزية والمحزنة في آن
واحد.
انحنت عليها قائلة: كيف حالك حبيبتي؟ ألم تهد قواك جولة البارحة؟ لقد كنا ثنائيا رائعا
يستحيل أن تضمحل فصوله الشيقة من مخيلتنا، بالله عليك ألم نكن في المستوى المطلوب؟
وسحبت من تحت جلابتها ثوبا متسخا مهلهلا، وقالت لها بمستفيض الابتهاج: سنقوم بنفس
السيناريو البهيج وسنحصد من ذلك أرباحا طائلة، لن أفرط فيك مطلقا، ثقي بي أيتها
الصغيرة.
الصبية تبتسم دون أن تعي ما تتلفظ به الخادمة، استحالت هيأتها إلى بؤس مذموم، جسد
غض يتوارى خلف أسمال بالية.
هذه لمهزلة العصر.
حملتها بين ذراعيها وانصرفت إلى حيث تريد.
همست لها برفق: سنغير المكان حتى لا ينكشف أمرنا، هناك أمام مدخل السوق نفترش
الأرض بساطا، ونستجدي قلوب الغادين والرائحين لعل الرأفة تفتت قلوبهم.
بسطت أمامها منديلا قذرا تتقزز منه النفوس، وسال لسانها يلهج بتأثر شديد: يا ناس
امنحوني ما تجود به أياديكم لأعيل هذه الصغيرة فلا أب لها ولا معين.
هذه تمثيلية سخيفة بطلتها خادمة ملعونة تجردت من كل معالم الوفاء والانسانية.
مر أمامها صديق وفي لوالد الطفلة، علاه استغراب كبير كاد يطرحه أرضا، تساءل في
سره حائرا مبهوتا: أليست هذه ريم بلحمها ودمها؟ أليست هي؟
ثم تراجع قليلا، وأطرق رأسه مليا وتمتم: ريم طفلة جميلة ونقية، ولا ترتدي إلا الفاخر
من الثياب، بينما هذه مشردة ومعفنة لم تحظ بالرعاية أبدا، ربما أنا مخطئ، إن بعض
الظن إثم، يخلق الخالق من الشبه أربعين، أجل يخلق من الشبه أربعين.
عاد الشك الخبيث يساوره مجددا، ويأكل عقله أكلا، فلم لا يكون الرقيب الوحيد الذي
يترصد خطواتها أينما تحل؟ ولم لا يميط اللثام عن لعبتها الدنيئة أمام الملأ؟
قبل حلول المغرب بثلاث ساعات انصرفت من موقعها.
هاهي ذي تلج العمارة مترنحة من غبطتها وقد جمعت مبلغا لا يمكن الاستهانة به.
وتتكرر المأساة الرهيبة كل يوم ومن مكان إلى مكان.
يجري الرجل اتصالا سريعا بوالد الطفلة كاشفا له عن أفظع جريمة ترتكب في حق
وحيدته.
مرت نصف ساعة وحضر الزوجان معا.
ماكاد الثلاثة يقتربون منها حتى لاذت بالفرار كأرنب بري لئيم.
صرخ الزوج بملء فيه: هذا سطو واحتيال.
وضجت الزوجة وهي لا تصدق ماترى: ألا تدرك هذه الملعونة أن الخيانة لها رائحة؟
حملت طفلتها في حنو بالغ وهي تقول: سأضحي بوظيفتي من أجلك يا حبيبتي، وسأكون
برفقتك على الدوام.