أوجاع السنين (بقلمي) إهداء لأخوي عزيزان ج/2 الأخير
ما إن انتهت فاطمه من إعداد الغداء حتى دخل عليها
زوجها ليخبرها بأن اليوم هو يوم زواجه من جارةٍ لهم
وما إن ترك زوجها المنزل متجهاً إلى بيت العروسه
حتى طرق والد فاطمه عليها الباب وطلب منها ألا
تفتح له بل سيتحدث معها من خلف الباب والجميل أن
الحي كان هادئاً ولم يره أحد فقال لها: أمك يا ابنتي
مريضة بسبب أذى زوجك لك وليتك أخبرتي القاضي
القاضي برفضك له .... بكت فاطمه من حديث والدها
وما دعاها لقبوله هي تلك الأموال التي طلبها زوجها
من والدها ويدرك أن الأخير لا يستطيع تأمينها وحتماً
سيدخل والدها السجن ... فتحت الباب كي ترى ملامحٍ
اشتاقت لرؤيتها ولكن دموعها كانت تحجب عنها
ملامح سرعان ما شابت مبكراً لحال ٍ أكثر قسوة مما
كانوا عليه من قبل ... ودّعها والدها بألم لنفسيهما
وما إن أغلقت الباب حتى سقطت مغشياً عليها دون أن
يسمع والدها تلك السقطة على الأرض وبدا عليه يجرّ
أقدامه لا يعلم أين يذهب فلا مستشفى يمكنه الوصول
إليه وأخذ يدعو للفريق الطبي الذي رافق الإسعاف رغم
أنهم لم يخبروه بخطورة حالة زوجته ... وفي اليوم التالي
أعلنت الوفاة ... ولما أخبروه بوفاتها أخذ يهذي متجهاً
لباب المستشفى وخرج لا يعلم أين يذهب وماذا حدث
له أما فاطمه فبقت طريحة مكانها وأخذت ترفع صوتها
لعل أحداً يمرّ من عند الباب فيتصل بالإسعاف وتحقق لها
ذلك وتم نقلها للمستشفى لتدخل للطوارئ التي خرجت
منها أمها بكفنها وبقت أسبوعاً لا تدري عن والديها شيئاً
وما إن وصل زوجها البيت أبلغوه الجيران أنهم اتصلوا
بالإسعاف ليحملوها للمستشفى وتوجه إليها وهناك
بشّره الطبيب أن زوجته حامل وقال له: إبنك لا يتغذى
نتيجة ضعف أمه وقد يموت الأبن في بطن أمه أو أنه
سيولد معاقاً ذهنياً بسبب إنقطاع الأوكسجين عن
دماغه لثواني ولما زارت زوجته الجديده فاطمه حتى
عادت لبيت والدها وطلبت الطلاق بسبب سوء تعامله
مع زوجته وإستمرت تزور فاطمه وتواسيها مما جعل
فاطمه بعفوية تقبّل يدها ... وتم الطلاق إجباراً من عائلة
الزوجة الثانيه وبالقوة وأعاد القاضي يفتح ملف فاطمه
وطلب إحضارها لمعرفة ما حدث لها من زوجها ...
فأخبرها زوجها أن أمها توفيت وأن والدها يمشي في
الشوارع كالمجنون لا يعلم ماذا يقول وانها قد تصبح
مثل والدها تحمل جنينها المعاق في الشوارع فخافت
وأخبرت القاضي أنها سعيده معه فقال لها القاضي:
صوتك يا إبنتي لا يدلّ على ذلك لكن كما تريدين ...
وبالفعل ولدت فاطمه طفلاً معاقاً لا يدرك شيئاً
عن واقعه ولا يبكي ولا يتكلم وبقت فاطمه ترجو
الله أن يرفع غمّها لتحمل مرة أخرى وتنجب إبنةً
جميله كأمها بعد سنه ثم ولداً ثم ولداً وكأن هؤلاء
الأبناء جاءوا رحمةً لها ورغم تسلّط والدهم الذي
تزوّج من زوجةً أخرى أنجبت مثل فاطمة ثلاثة أبناء
وفتاةٍ واحده ولم يكن الأب عادلاً بين أبناءه حتى أن
أبناء فاطمه يخدمون أبناء زوجته الثانيه رغم أن فارق
السن بينهم سنتين ورغم حب فاطمه لأولادها إلا أن
المعاق ومعاناته يسكن في الجزء الأكبر من قلبها
تشعر أنه يتألم رغم أن ملامح وجهه لا يبدو عليها شيئاً
فتتراكض به مع ابنها للمستشفى وتجلس ترجو الأطباء
أن تكون بينهم وهم يكشفون عليه فهي لا تريد
أن تبعد عينيها المرهقتين لحظةً عنه... فتأكّله بيدها
وتروي له قصصاً لا يعلم ما تقوله أمه له وتلاطفه
وتقبّله وتضع يده بين يديها وتمسح عليها ... وتمرّ
سنيناً وأجساد الأبناء تكبر وجسدها يضعف مع الأيام
لكنها لا تفارق المعاق الذي رأت أنه كبر فجأه وبدت
يده أثقل من ضعفها فتسند يديها على مخده قبل
أن تضع يده التي أصبحت يده أثقل مما كانت عليه
وبدت بصر عينيها المجهده يتآكل ضعفاً ... بصرٌ يرى
فقط ذلك الفتى حين يحتاج شيئاً وتسمع صمت وجعه
وتبكي إن شعرت أنه حزين وما أجمل دنياها به وما
أكمل سعادتها حين تقبّل يديه ... وحين يكون سعيداً
تصيب يده الطائشة وجهها فتمسك يده وتقبّلها
وتعرف أنه لا يدرك ما يفعل ... وكبر الفتى ليصبح
شاباً ويطلب الأطباء خلع جميع أسنانه نظراً لمرض
الهشاشة الذي أصابت عظامه وتم إجراء العمليه
وخلعوا ثلاثة أسنان من كل فكّ حتى لا يسبب ذلك
في كسر فكّه ... ولما دخلت عليه المستشفى أرادت
أن تؤكله كما هي عادتها فمنعها الأطباء وأخبروها
أن هناك مغذياً في يده يمدّ جسمه بكل ما يحتاجه لكن
فاطمه تسمع قرقرة بطنه ويبتسم الأطباء من كلامها
وحديثها الجاد معهم وما هي إلا دقائق حتى تأتي
الزوجة المطلّقه لتطمئن على سلفتها السابقه وصحة
إبنها وتبشّرها أنها تزوجت زواجاً تحمد الله عليه لكن
فاطمه لا يهمها من حديث الحاضرين إلا أنين إبنها من
وجعٍ بفمه فتتحرك يديه لتلمس وجعه فيأمر الأطباء بربط
يديه عندها بكت أمه وترجوهم ألا يفعلوا به ذلك فأوقفهم
الطبيب رحمةً بهذه الأم التي تمنّت لو كانت أسنانها بدلاً
من أسنانه ووجعها بدلاً من وجعه وأمر بتنويم المريض
وتجادلت مع أمن المستشفى الذي منعها من مرافقة إبنها
فأمر الطبيب تأمين غرفه خاصه على حساب المستشفى
و تم نقلهم ليجدها الطبيب تتأمل ولدها وكأنها لأول
مرةٍ تراه .. سألتها إبنتها يوماً: لو سألك ملك الموت
هل أقبض روحك أم روحه أم أنتما معا؟! إبتسمت الأم
إبتسامةً تجمّع البكاء خلفها وقالت: بل يتركنا في حالنا
ومن تلك اللحظة أدركت الفتاة أن أمها لا تريد شيئاً من
هذه الحياة سوى أن تبقى بجانبه .... وكم يخشى نبض
أن يكتب لهذه القصة نهايه رغم أن الحياة (يوماً وينتهي)
تحيتي لكم ....
سبحان من خلق هذه الفطرة في الأم
لتصبح رمزاً للتضحية والنقاء والطهر
رمزاً لا يدّعي حباً وحناناً لأبناءها
رمزاً لكل مرتع أمان لهم وسلوة أحزانهم
كلما تذكرت هذه الآيه (إن كادت لتبدي به )
حين تحدث الله عز وجل في كتابه الكريم
واصفاً أم موسى بعد فقدها لإبنها
أدركت أن من خلقها يعلم أن حبها لإبنها
سيجعلها تفضح أمره أدركت أن هذا الحب
قد يكون خارج سيطرة الأم وأن تعلّقها
بإبنه قد لا تدرك معه أن حنينها إليه قد
يقتله رغم أن الله عز وجل وعدها بإرجاعه
إليها حين قال (لا تخافي ولا تحزني إنا
رادوه إليك) والله أعلم بها من نفسها
فقال (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا )
وحين أرادت لتبدي به قال: (وربطنا على
قلبها) لأن هذا القلب قد خرج حبه عن
السيطره وكادت لتبدي به ولكن لماذا
ربط على قلبها (لتكون من المؤمنين )
اللهم اربط على قلوبنا بطاعتك واجعلنا
من المؤمنين بك فلا نفرغ بلهو أو نسيان
أشكرك أخت غلا على جمال ما كتبتي
وجعلك الله أمّاً مباركه صالحة مؤمنه
وأن يربط على قلبك حبّه وحبّ طاعته
كل الشكر والإمتنان لك سيدتي