المحبة أعلى مقامات الإيمان.
د. خالد سعد النجار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وعبده محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:
أركان «الإيمان والإحسان» التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها ثلاثة، وهى: الخوف، والرجاءُ، والمحبة
وقد ذكرها سبحانه في قوله: {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تحويلا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:56-57]، // {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} فإن ابتغاءَ الوسيلة إليه هو التقرب إليه بحبه وفعل ما يحبه.
// {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} فهذا مقام الرجاء
// {وَيَخافُونَ عَذَابَهُ} فهذا مقام الخوف
والتركيز على المحبة دون الخوف والرجاء ناتج عن الضعف الشامل للأمة، والنظر للغرب نظرة تخوف وترقب، كحال من يركز على صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه نبي الرحمة، ويكثر من ذلك، ولا يذكر أنه -صلى الله عليه وسلم- «نبي الملحمة» إطلاقاً، والتوازن هو المطلوب.
أحكام المحبة والحب
أولا:
من الإيمان بالغيب إثبات أن الله سبحانه وتعالى يُحِب ويُحَب
قال تعالى:
// {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
// وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]
// وعن أنس -رضي الله عنه- قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَصَبِيٌّ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّهُ الْقَوْمَ خَشِيَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يُوطَأَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَتَقُولُ: ابْنِي ابْنِي وَسَعَتْ فَأَخَذَتْهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ، قَالَ : فَخَفَضَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَقَالَ: (وَلاَ اللَّهُ لاَ يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ). [رَوَاهُ الْحَارِثُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ].
ولذلك روي عن قتادة -رحمه الله- قوله: "إياكم وأذى المؤمن فإن الله يحوطه ويغضب له"
وهذه المحبة تتفاوت حسب قوة الإيمان، قال تعالى:
// قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة:165]
// وفي الصحيحين: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)
// ومحبة الأنداد أكثر من حب الله ظلم عظيم، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]
والمحبة درجات، وقد أثبت الله لنفسه منها: الخلة والمحبة والمودة:
// فأثبت الخلة لنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبينا إبراهيم -عليه السلام- قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]
// وأثبت المحبة الخاصة التي لموسى عليه السلام، قال تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39].
// وأثبت المودة في قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14] أي: كثير المودة والمحبة لأوليائه ... والود هو خالص الحب
وقال: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90]
ثانياً:
من الإيمان بالغيب إثبات أن بعض الجمادات تحب وتُحب
// فقد ثبت إثبات المحبة لجبل أحد، فعن ابن عباس عن أبيه -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أحد جبل يحبنا ونحبه) [البخاري ومسلم]
ثالثا:
من الأمور القدرية الكونية محبة الناس لبعض المخلوقات
// ودليل ذلك قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14]
// ومن طبيعة البشر المحبة الخاصة بين الزوجين، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]
// وقد يكون بعض الولد أحب من غيرهم، كما قال إخوة يوسف: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف:8].
// ومن طبيعة البشر محبة الأقارب، وخاصة ذوي الإحسان منهم، قال تعالى: {قل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23] أي: إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم, وتَصِلوا الرحم التي بيني وبينكم.
وقال تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56].
قال ابن كثير:" نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ عَمّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ يَحوطُه وَيَنْصُرُهُ، وَيَقُومُ فِي صَفِّهِ وَيُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا طَبْعِيًّا لَا شَرْعِيًّا".
// ومن طبيعة البشر حب المال، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}. [العاديات:8].
وقال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:20]
وقال جل وعلا: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ}. [البقرة:177]
وقال سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8].
وفي موقف الشرع من محبة هذه الأمور الطبيعية يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في كتابه قاعدة في المحبة:
"وكذلك الذي يحب الطعام والشراب والنساء فإن هذا محمود وبه يصلح حال بني آدم، ولولا ذلك لما استقامت نفس الإنسان، ولا وجدت الذرية، ولكن يجب «العدل والقصد» في ذلك كما قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}، وكما قال تعالى: {إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون}
رابعا:
من الأمور الشرعية وجوب محبة الله ورسوله
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. [آل عمران:31].
وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].
وهذه المحبة تتفاوت حسب قوة الإيمان، قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حبا لله} [البقرة:165].
وفي شمول هذه المحبة للعبادة يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "فأصل العبادة محبة الله بل إفراده بالمحبة، وأن يكون الحب كله لله، فلا يحب معه سواه، وإنما يحب لأجله وفيه كما يحب أنبياءه ورسله وملائكته وأولياءه، فمحبتنا لهم من تمام محبته، وليست محبة معه كمحبة من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحبه"
// وقد لام الله تعالى الصحابة على حب أهل النفاق فقال: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران:119].
// ونفى الله الإيمان عمن يواد من حاد الله ورسوله، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22].
وقال تعالى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]
// ومن ذلك محبة الآخرة أكثر من الدنيا، فقد لام الله من يحب الدنيا على الآخرة، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} [النحل:107].
وعند تعارض المحبوب لله والمبغوض للنفس، فالواجب تقديم ما يحب الله، وبذا يصبح المكروه محبوبا، ولذا قال يوسف: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.
// ومحبة الأهل والمال الوطن لا تقدم على محبة ما يحبه الله من جهاد وهجرة، قال تعالى: {وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}. [التوبة:24].
// ومحبة الدنيا لا تقدم على الآخرة، قال تعالى: {كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وتذرون الآخرة} [القيامة:20-21].
وهذه المحاب المذمومة منها ما يصل إلى الشرك بالله تعالى، ومنها ما هو محرم.
hglpfm Hugn lrhlhj hgYdlhk> Hygn grhxhj hglpff hgY]lhk
hglpfm Hugn lrhlhj hgYdlhk> Hygn grhxhj hglpff hgY]lhk hgYdlhk>