تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، عقبَ ذكرِهِ لفسادِ أهلِ الكتابِ، ونبْذِهِم لعهدِ اللهِ تعالى وراءَهُم ظِهْريًّا، وكتمانِهِم العلمَ الشرعيَّ، واشترائِهِم به ثمنًا قليلًا، وهم مع ذلك، ﴿ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 188]، ومع كل تلك الطوام العظام، والبلايا الجسام، يقولون: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 18]، ويقولون: ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾، وكأنهم اتخذوا عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا بالأمان من العذاب!
فقال تعالى تَوْبِيخًا لهما على أمْنِهم مكرَ اللهِ تعالى - مع كفرهم - وَتَهْدِيدًا لهم على تضييعهم دين اللهِ وعلى جرأتهم على ملكِ الملوكِ، وجبَّارِ السمواتِ والأرضِ: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ﴾، وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسأل عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألُون، الملكُ ملكُهُ والأمرُ أمرُهُ، لا يُطاعُ إلا بإذْنِهِ ولا يُعصى إلا بعلمِهِ، ﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾.[2]
ثم بَيَّنَ سبحانه وتعالى أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، فإذا أراد بعبد سوءًا فلا رادَّ له: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ ﴾.[3]