عندما تنطق اشجار النخيل
♣ قَصّص وروايات آلخَيآليَة و آلوآقعَيةْ المنقوله ♣
عندما تنطق أشجار النخيل لو كان بمقدوري أن أهب نصف عمري ، بل عمري كله وأفلح في العثور عليه . و لكن أي عمر بقي وقــد غــزا
|
19-11-2023
|
|
|
SMS ~
[
+
]
|
|
|
|
|
عندما تنطق اشجار النخيل
عندما تنطق أشجار النخيل
لو كان بمقدوري أن أهب نصف عمري ، بل عمري كله وأفلح في العثور عليه . و لكن أي عمر بقي وقــد غــزا الشيــب مفرقي و رسمت التجاعيد خطى الزمان على جبيني ؟
لقد اختفى كأنه حلم ، وتركني متحسرا ، متلهفا . في حلقي غصة . اختفى كما ظهر. أين يكون الآن ؟ هل غادر المدينة إلى غير رجعة ؟ أم أنه لا يزال يتجول في أنحائها متخفيا ، بعيدا عن ناظري ؟ ألا يكون ذلك المتسكع ذي الشعر الأشعث والنظرات الزائغة ؟ ربما يكون هذا الحمال الذي ينوء بثقل العربة المحملة بالمواد الغذائية ... بل قد يكون هذا الشاب الأنيق ببذلته الرمادية وربطة عنقه الحمراء ... بل ذاك الرجل الرزين الذي يلقي نظرة عابرة على المقهى ... لا أدري . يخيل إلي في بعض الأحيان أني على وشك الانقضاض على أحدهم لأفاجئه بسؤالي : " هذا أنت ؟"...ثم بجهد جهيد أكبح جماح نفسي وتتمثل لي نظرات المارة الساخرة واستنكار الشخص لتصرفي . وحين يكل ذهني من التخمين ونفسي من التحفز والانتظار، أعود جــارا
أذيال الخيبة ، متشبثا بأمل باهت .
الآن وأنا أخطو حثيثا نحو الكهولة ، أذكر بحسرة لقائي الأول به . كان لقاء عنيفا . ربما حدث ذلك على غير عادتي ... كنت أحتسي شايا أسود في مكاني المفضل بزاوية في مقهى " كونتننطال" وقد انتهيت لتوي من قراءة مقال حول طرق التربية الحديثة ، ودونت ملاحظاتي في الهامش . فالجريدة عندي سجل لآفكاري ومدونة لملاحظاتي . فعلت ذلك بشيء غير قليل من الزهو، وقد اعتراني شعور بالبهجة و الحبور الشبقي وأنا ألتفت بين الفينة الآخرى إلى الشارع المبتل، فأرى عبر الزجاج البني وجوها تقبل وأخرى تدبر، وخطى حثيثة وأخرى وئيدة ... حركة لا تنتهي . ثم أعود لجريدتي بعد أن أكون قد عثرت على كلمة تائهة أملأ بها شبكة الكلمات المسهمة ... كم يكون مر من الوقت حين دب إلى نفسي الفتور وإلى جسمي الإعياء من هذا الجو
المثقل بدخان السجائر وأنفاس الزبناء ؟
تحركت في تفسي رغبة الانصراف ، ويا ليتني فعلت ذلك . وفي لحظة من اللحظات انتصب شيء قبالتي ... لوحت بيدي متمتما " الله يسهل ". لكن الشيء لبث في مكانه . ضاقت نفسي ، فرفعت عيني لأجد صبيا أشعث أغبر، تكاد قامته تتجاوز الكرسي المقابل للطاولة :" مارلبورو؟ - كلا ...إثنان بدرهم ونصف –كلا... " قلتها بشيء من النرفزة . لوى رأسه كمن يستعد للانصراف، لكنه عدل عن ذلك وعيناه النجلاوان لا تفارقان الكأس الذي يكاد يكون فارغا . نظر إلي متسائلا فلم يجد إلا البرود . امتدت يده إلى قطع السكر الباقية جانب الكأس ، فلم أملك أن أمسكت بذراعه في قسوة لا مثيل لها ودفعته نحو الباب ، فندت
عنه صرخة ثم نظر إلي وهو يصيح :" الدين..." غلا الدم في عروقي ووددت لو لم أتركه يفلت .
تحاملت على نفسي ونهضت أبحث عن النادل ، ثم خرجت ليلفني هواء بارد مشبع برذاذ " الشرقي"... الوقت ليلا ... والشارع يكاد يخلو من المارة ... ما أحوجني للتجول بعيدا عن الضجيج والزحام والأنوار . عرجت على المحطة ومنها إلى شارع النخيل . نفسي متوترة وصدري ضيق حرج كأنما يصعد في السماء . أسائل نفسي : أتكون مطمئنة ... أم أمارة بالسوء ؟ قد يكون الأمر كذلك ما دمت لا أتخيل الصبي إلا وقبضتي تشد عنقه حتى تجحظ عيناه ... أم تراها لوامة مع هذا الشعور العميق بالندم على حرمانه من رشفة شاي وقطعة سكر ؟
الأفكار تتزاحم في رأسي ، وأحاسيس شتى تتداخل فأنتبه لنفسي لأجدني أشير وأعرض بوجهي أو أهز كتفي ، ثم... هاهو الصبي قابع عند باب المحطة السفلي . شملني شعور وحشي وأمسكت به فنظر إلي مذعورا كفريسة وقعت في الفخ : -" اتركني ... ابعد عني ..." انهالت صفعاتي على قفاه ، على وجهه :" هذا لمن يسب الدين ... خذ ... ولد الحرام ." ولم أتركه حتى كلت ذراعي ، لكنه لم يهرب ، بل انطلق في عويل وسباب ... وددت لو انشقت الأرض عني وابنلعتني .
تجمهر حولنا بعض المارة بين فضولي ومنتقد ومؤيد وساخر. حاولت شرح الموقف لأجلب عطف وتأييد القوم ولو أدى بي ذلك إلى الافتراء والكذب. كدت أقول إنه استفزني وخطف مني بعض حاجياتي ، لكن نحيب الفتى حال دون إسماع صوتي فأدرت ظهري للجمع وأخذت أنزل السلالم في اتجاه شارع النخيل ... اعتقدت لأول وهلة أني تخلصت من الصبي وعويله ، لكني لم أكد أتنفس الصعداء ، وأنا أقترب من الشلال ،حتى بصرت به مقبلا يقتفي أثري متوعدا . بكاؤه يثيرني ونحيبه يشد أعصابي .. " ماذا تريد ؟ - قلت وأنا أتوقف مرتعشا من البرد والحنق معا .
- ماذا فعلت ، ومن تكون حتى تضربني؟ هل هي سيبة ؟احتقرتني لأني صغير السن ؟ أو لأني فقير ؟"... ليته يسكت . لكنه كان يبكي بحرقة . كل شهقة كانت طعنة نجلاء في صدري، وكل دمعة سكبها كانت سوطا يلسع جوانحي . بدا لي وكأنه لا يبكي فقط ضربي له ، بل حرمانه من الشاي... من السكر ... لعدم شرائي سجائره ... إنه يبكي تسكعه في هذا الليل القارس برده ، الممطرة سماؤه ، وربما يبكي حاله وعيشه ووجوده في هذه الحياة ، ثم ... ألا يكون لي الفضل في هذه الدموع التي ظلت حبيسة مآقيه ؟
- اسمع ... – مددت يدي أربت على كتفيه ، فردها بعنف . عاودت الكرة :
- اسمع ... حقا لقد ... دعني أحدثك ... لقد ضربتك ... اسمع ... ألم تسبني و ... أوه ألا تنصت قليلا ؟
قلتها بعصبية ملوحا بقبضتي من جديد .
- اضرب .. وجدتني صغيرا .. احتقرتني لصغر سني و رثاثة ملابسي وتشردي."... كلماته لا زالت تدوي في مسمعي وتقض مضجعي . حاولت إفهامه أني لا أحقد عليه وأني ، بالعكس ، حريص على مصالحته . كانت فرصة لي كي أنفض عني غبارالعزلة و الوحدة . أخيرا وجدت ضالتي المنشودة ، وصار لي صديق بين الأنام . لكنه لم يتركني أكمل ، بل انطلقت كلماته كسيل جارف . إنها تعريني من كبريائي ، وتحط من قدري . صرت قزما أمام هذا " الشيء" الذي يكبر ويكبر حتى يتجاوز قامة النخيل المائلة في سخرية من هذا الموقف ، و كأنها تردد معه كلماته .
متى انصرف ؟ وأين اختفى ؟ لا أدري … عدت أجر أذيال الخيبة ، محاذيا الحيطان ، متجنبا نظرات العاشقين المستغربة مروري وحيدا بهذا المكان الخالي ، في هذا الوقت المتأخر من الليل … لا أعي سوى عبارات الصبي الحارقة ، المدوي صداها بين جذوع النخل … صدى لاحقني بعد ذلك ، كلما تاقت نفسي لفسحة عبر الشارع الطويل.
في تلك الليلة ، وما تلتها من ليال ، لم يهدأ لي بال ولم تقر لي عين ... أجهدت نفسي لأتذكر كلما قاله بنبرته الباكية ، وصار شغلي الشاغل البحث عن جملة تائهة أو عبارة شاردة ، لكني لم أنس ما تفوه به وهو ، كما أعتقد ، يتهيأ للانصراف ، عندما عيرني بأشياء فتحت عيني وأرتني الحقيقة عارية :" أنا أعرفك ... كنت مدرسا لجارنا ، وكنا معجبين بحلمك ورزانتك ... لكنك في الواقع لا تساوي أكثر من الصفر الذي تمنحه لأكسل تلميذ لديك ... هل تراني بسجائري وملابسي الرثة المرقعة؟ أنا أحسن منك ... كنت ماسحا للأحذية ثم حمالا ، لكني لم أؤذ أحدا ولم أسئ إلى أحد ... وقد أكون يوما ما أحسن حالا وأفضل منك." قد يكون قال كلاما آخر ، لكني كنت في غيبوبة وددت لو لم توقظني منها لسعات كلماته الملتهبة ... تمنيت لو امتد بي العمر دهرا ... إلى ما لا نهاية .
****************
حين آويت إلى فراشي ، جفاني النوم . لم أكن متعودا على السهر، فأضناني الأرق . ولم أحس بالدفء رغم الغطاء الصوفي الذي لفني من قمة رأسي حتى أخمص قدمي ... أين يكون الآن ؟ ليتني صحبته معي إلى هنا ... قد يكون جائعا . حدثتني نفسي بالخروج للبحث عنه ثم عدلت عن ذلك . بحثت عن شيء أقضي به الوقت ريثما يعرف الكرى طريقه إلى جفوني . عثرت على يومية تزخر بأعياد ميلاد كل أقاربي وبعض مواعيد الامتحانات ، ثم العطل وبداية "الليالي" ونهايتها و... انتصافها ، أو كما تسمى " ليلة حاكوزة" . اقشعر بدني ويدي تتحسس جيبي متلمسة حمصا وزبيبا وفستقا ، اشتريته لابنة أخي كي تبدلها " حاكوزة" دمية أو دراجة أو ... ثم تمثل لي وجه الصبي الباكي ، فلم أشعر إلا و أنا ألقي الغطاء عني وأمرق إلى الخارج .
قصدت المحطة ، ثم الفدان ، فساحة العدالة . وطفت بأزقة لم يخطر ببالي المرور بها نهارا فبالأحرى في هذه الساعة المتأخرة من الليل ... لا أحد . حاولت سؤال أحد المارة " بباب التوت" لكنه توجس خيفة من منظري وانطلق مهرولا نحو الباب ليختفي دون رجعة . فعدت خائبا واندسست في فراشي . لم يغمض لي جفن وبدا لي الليل سرمديا ، وسكونه مضنيا. كل شيء في الليل صار لا يطاق... الصمت ... النجوم ... الوحدة .
حين أقبل الصبح ، أخيرا ، كان الصداع يشق جبهتي شقين . انتبهت إلى تأخري عن القسم فتحاملت على نفسي أجرها جرا ، وانطلقت منهكا ، شبه منهار . الطريق إلى المؤسسة بدا لي غريبا وموحشا . التلاميذ يحملقون في بسحنتهم المغبرة وشعرهم الأشعث . تكاد أسمالهم لا تخفي شيئا من أجسادهم المقرورة. يا للعجب... كلهم يحملون علب سجائر ويمدون إلي أيديهم الصغيرة . أحث الخطى فيسرعون ورائي .
ها أنذا أهرول نحو القسم و أتهالك على مكتبي لاهثا ... تلامذتي ينظرون إلي مبتسمين . انتبهت لنظراتهم إلي بخبث...سروالي ؟ ما له ؟ ... آه ، لقد أدخلت طرفا منه في الجورب ، وأطلت ملابسي الداخلية فوق الحزام ... ضحكت فضحكوا... أصلحت من هندامي ، وانطلقت أشرح الدرس في حماس و كفاي تندس في جيبي دون وعي مني وتتحسس ما بداخله ، ثم...توقفت عن الشرح . جمدت في مكاني حين لمست أصابعي حمصا . أمسكت حقيبتي ثم انطلقت أعدو خارجا . المدير مقبل يلوح بالاستفسار. أخذته منه وخرجت ...إلى أين ؟... لأبدأ بالمحطة .
في اليوم التالي ، جاءني تنبيه من المدير. لم يستسغ ردي على الاستفسار ورأى فيه هذيانا : سجائر؟ ... حمص ؟... زبيب؟... ماسح الأحذية؟... نخيل؟...
****************
ها أنذا منزو في مكاني المفضل بالمقهى .أعبث بلحيتي ، وأفتل شواربي متطلعا إلى الوجوه لعل أحدهم يقبل نحوي مبتسما ليعلن لي أنه " هو " فأريه حبات الحمص والزبيب والفستق التي لا زالت في جيبي ملتصقة ... رغم سنوات الانتظار الطويلة .
uk]lh jk'r ha[hv hgkodg hw]hv
uk]lh jk'r ha[hv hgkodg hw]hv jk'r
سلمت الانامل يالبرنسيسه عالتصميم الرائع لاهنتي
|
19-11-2023
|
#2
|
19-11-2023
|
#3
|
/
طرح رائع وَ اختيار مميز
شكراً جزيلاً لك
|
|
مَطَرٌ وكلُّ دُروبِنا للوَجد قد تُنسىٰ إذا تُمشىٰ لكنَّهُ الدَّربُ الوحيد إلىٰ عينيك والمُمتَدُّ من قلبيإلىٰ كفَنِ الشّهيد وحتّىٰ صَرخَةِ الإنسانْ ياوَجَعيالمَعجونُ بالخُذلان مهما طافَ بالنّسيان دَربي إلىٰ عينيك لَن يَنسىٰ !
|
20-11-2023
|
#4
|
20-11-2023
|
#5
|
-
طرح رَاقي وَ آنتقاء مُميز
الله يعطيك العَافية ..
لروحك السعَادة الدَائِمة .
|
|
|
25-11-2023
|
#6
|
28-11-2023
|
#7
|
•.
سلمت أناملك على الطرح المميّز
ويعطيك العافية على المجهود المبذول
ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعك
لك تحياتي وفائق شكري
ولك كل الود
|
|
يااااه إهداء جدا جميل بـ ريشة ذهبيه مخملية ..
الله يسعد قلبك مثل ماأسعدتني ي العُمر ,,:
.
عز الأصايل
آراهن على أن يأتوني بمثلك
قلب وحنيه وصداقه وحظ "♥
الله يديمكِ لي يابعد قلبي ولايحرمني منكِ
شكرا وجدا جميلتي
:
,,
وَصِيفْ آمّآله:
رُزقـتُ بصديق وأخ سنداً، تميلُ الدُنيا ولا يَمِيل..
الله يبقيك ويدمك لي.
عز الأصايل,كيرآز ,لدٌن:
راضتنِي الحياه لما أهدتني صُحبه مثلكم،
حلت أيام عمُري حلاوة بصُحبتكم
أحبكم وجداً.
عجب عينك,إكتفآء"
جـابـكم الله لـيّ عـلـى شـكـل جـبـر خاطـر لقـلّبـي .
ورد, الريم,أشوآق,بليت بك غيمة فرح,مزن"
اللهُم قلوبهم أجعلها نورا ًعلى نور ,
الله يديمكم جميلاتي..
الشامخ"
الله يديـم لي لُطفـك،دعواتـك الحُـلوة،ووجـودك...
إحساس, ترف, أحمد, ألحآن"
بـعـض الأصحاب مخـلوقيـن من الـطـهر
يــزرعــوُن الرضـى لك بالحــيـاة مثلكم تماما.
كلي لك"
ڪ قاف القمر أنتي، غيابك مّر.
ذهول, نسيناكم,يافا,كوين
سأحميكم دون علمكم بـ كلمه ،
أستودعتكم الله كل حين وكل ثانية,,
" أنفآس الـحٌب
و تبقى ملاذي الوحيدو الأخير
ولا موقع بعدك غير العدم..
أنا هنآ فقط والسلآم, "
|
29-11-2023
|
#8
|
..
سـلمت آلآيآدي
ع آلآنتقآء الرآئـع والمميز
دمتم وآدآم الله عطـآئكم
تحيـآتي ..:ff1 (-8):
|
|
|
29-11-2023
|
#9
|
12-12-2023
|
#10
|
سلمت وسلمت آنآملك على الطرح
لاحرمنآ الله جمال ابداعك
يعطيك ربي العافيه
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
| | | | | | | | | |