تعتركني البدايات، حين كانت ومضات طفولة، فأبدأ خاطرتي، تذكرت كثيراً من الظلام يرتطم بجدران البيت، فتلتحف به "السكة" الضيقة، وترنيمة ثرثار تعبر الأسقف، فتثير السكون حولنا، فنعتزل الكلام، ونغوص في
الأفق يشبه دفتري المملوء "بالشاخبيط" ويجتاحني التمرد على قلبي الوحيد الذي لا يكفي عشقي لوالدتي، أبحث عن قلب آخر يحمل البعض الآخر من حبي، ما أسوأ أن تهرب بحلمك على وسائد الواقع.
في الصباح يصخب الرفقاء، نعشق ملامسة النقاء، ونلتصق بنكهة الطين، المعاني، الأشياء، تلتحم اللحظات، وهناك أنغام تركض بين الأرجاء.
مرهقة تلك الدقائق المبللة بالشوق، يغتربني بوح، تجتاحني دهشة، شعرت أن طفولتي حبستها الشيخوخة.
حارتنا كصندوق هدايا مغلفة ببعض الخدع تسابقنا في زواياها لنظفر بنصيبنا من السعادة، حارتنا فيها من ملامحنا.
حين أجلس هناك أصبح فيلسوفاً متأملاً، أتمالك في حيرتي، وبعض الصور تتكسر، وأستفز خيالي، فلا استقر.
كبرت اليوم، اعتصرني الزمن، واقتلعني التوقيت، صوت مشحون، وبقايا ظنون، وذكرى قديمة سارقة، تسطو على أوقاتي، وتسيطر على ذاتي، تنافسني في صوتي، وتحرق أوراقي الجديدة.
أسراري تصرخ، ورحلتي تعود، وعودتي ترحل، اقترب شيء بعيد، وابتعد شيء قريب، بانت بعض الزوايا، واختفت بعض الأماكن كل ذلك ظهر في حياتي وأدركت أنه لم يكن هناك أي وعود، إلى أين أذهب وأين أحبو؟
وبقيت أسئلتي في حارتي.. لماذا لا تبقى آثار أقدامنا على الهواء؟ ولماذا لا تشيخ النجمات في تاريخ المساء؟ ولماذا لا ينبت هذا العشق في ذلك الماء؟ لماذا تحتار في ملامح أمي جهات السماء؟ ولماذا يموت الصمت في فم الغناء؟ لماذا نقتات خواطرنا من ذهن العناء؟ لماذا تنتحر الشمس على حدود الشتاء؟ لماذا يهزم هذا القلب في غزوة البكاء؟ لماذا تحبس الفراشة في ألوان الخيلاء؟ لماذا تسقط الزهور من كثر الانحناء؟ لماذا يحين الوداع في أوقات اللقاء؟ لماذا تستحي الطبيعة من عذر الكبرياء؟
ويبقى القول: ما بين حارتي.. وحيرتي.. وطفولتي.. وبعض أسئلتي.. تعتركني نهاياتي..