15-02-2024
|
|
هل يجوز أكل الأخطبوط؟
السؤال
أنا من عادتي أن آكل لحم الأخطبوط أحيانا، وقرأت فتاوى تحل ذلك، لجواز أكل كل ما يعيش في البحر بنص القرآن أو السنة، لكن من المعلوم أن لحم الأخطبوط ليس بطري، وعلينا أن نضربه كثيرا بعصا أو بأداة حتى يطرى قبل طهيه، والله سبحانه وتعالى قال: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا)، فهل معنى هذا أنه لا يجوز أكل إلا ما هو لحمه طري، ولا يجوز أكل لحم الأخطبوط؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
دلت الأدلة الشرعية بعمومها على جواز أكل حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه ، كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) المائدة/96.
وروى أبو داود (83) عن أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَن الْبَحْر : ( هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : " الأصل في حيوان البحر الذي لا يعيش عادة إلا فيه : الحل " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22 /313).
وينظر جواب السؤال رقم: (182508).
ثانياً:
قد يأتي في بعض النصوص الشرعية التقييد بوصف أو شرط ، ويكون المراد به انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف (ويسمى : قيدًا احترازيا) ، وقد لا يراد به ذلك ، وإنما أتي به لمعنى آخر أراد النص التنبيه والإشارة إليه ، وهذا يفهمه العلماء ، بعد جمعهم النصوص الواردة في تلك المسألة من الكتاب والسنة .
وبعد البحث في تفسير قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل/14 .
لم نجد أحدا من العلماء ، قال إن هذا القيد احترازي ، وإنه لا يحل من لحم حيوان البحر إلا ما كان طريا ، والطري ضد اليابس ، بل اتفقوا على أنه يحل منه الطري وغيره ، وهذه بعض أقوالهم في هذا ، وبيان الحكمة من ذكر وصف (طريا) في الآية .
قال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا):
"لا مفهوم مخالفة لقوله لَحْماً طَرِيّاً ؛ فلا يقال : يفهم من التقييد بكونه طرياً أن اليابس –كالقديد- مما في البحر لا يجوز أكله ؛ بل يجوز أكل القديد مما في البحر، بإجماع العلماء .
وقد تقرر في الأصول: أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة: كون النص مسوقاً للامتان؛ فإنه إنما قيد بالطري لأنه أحسن من غيره ، فالامتنان به أتم" انتهى.
والقديد: هو لحم مملح مجفف في الشمس والهواء .
وقال الألوسي في "روح المعاني" :
"والطراوة ضد اليبوسة، ووصفه بذلك للإشعار بلطافته، والتنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله، فإنه لكونه رطبا مستعد للتغير ، فيسرع إليه الفساد والاستحالة ...
وهذا، على ما قيل، لا ينافي تقديده وأكله مخللا كما توهم" انتهى.
وقال الشربيني الخطيب في "السراج المنير"(4/26) :
"ذكر سبحانه وتعالى هنا ثلاثة منافع للبحار، الأولى : قوله تعالى: لتأكلوا منه أي: بالاصطياد وغيره من لحوم الأسماك. لحماً طرياً لا تجد أنعم منه ، ولا ألين ، وهو أرطب اللحوم ، فيسرع إليه الفساد ، فيبادر إلى أكله عذباً ، ففي ذلك دلالة على كمال قدرته تعالى، وذلك أن السمك لو كان كله مالحاً، لما عرف به من قدرة الله تعالى ما يعرف بالطري، لأنه لما خرج من البحر المالح، اللحم الطري في غاية العذوبة؛ علم أنه بخلق الله وقدرته، لا بحسب الطبع، وعلم بذلك أنّ الله تعالى قادر على إخراج الضدّ من الضدّ" انتهى.
ثالثا:
إذا تقرر ما سبق، وعلم أن "الأخطبوط" هو من جملة الحيوانات البحرية، وأنه لا يعيش في البر أصلا؛ علم أنه لا حرج على من أكل الأخطبوط، ولو كان لحمه يابسا بطبعه.
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن حكم أكل الأخطبوط ، فأجاب :
"ما لا يعيش إلا في البحر فهو حلال ، بلا استثناء ، على الصحيح ، وما يعيش في البر والبحر ، فلا يحل إلا بالذكاة"
والله أعلم .
ig d[,. H;g hgHo'f,'? g;l dp,.
ig d[,. H;g hgHo'f,'? g;l hgHo'f,'? dp,. ig
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|