تفسير قوله تعالى ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا
.. قوله تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ . نبذ أهل
|
|
15-03-2022
|
|
تفسير قوله تعالى ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا
..
قوله تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106].
نبذ أهل الكتاب كتاب الله القرآن الكريم وراء ظهورهم، وكذبوا نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم زاعمين بأنهم يؤمنون بما أنزل عليهم ومنكرين نسخ شريعتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، تبين جواز النسخ بين الشرائع، وفي الشريعة الواحدة، كما بيّن عز وجل- قبل هذا- تكذيبهم للأنبياء، وقتلهم لهم، خلاف ما يزعمون من تمسكهم بدينهم، وأن غاية ما حملهم على نبذ كتاب الله- عز وجل- وتكذيب رسوله هو البغي والحسد.
قوله: ﴿ مَا نَنْسَخْ ﴾ قرأ ابن عامر: "ما نُنْسِخ" بضم النون وكسر السين، وقرأ الباقون: ﴿ مَا نَنْسَخْ ﴾ بفتح النون والسين.
و"ما" في قوله: ﴿ مَا نَنْسَخْ ﴾ اسم شرط جازم، و"ننسخ" فعل الشرط، وجوابه "نأت".
وقد تكلم عز وجل عن نفسه في قوله "ننسخ" و"ننسها" و"نأت" بضمير الجمع تعظيماً لنفسه؛ لأنه العظيم سبحانه.
والنسخ لغة: الرفع والإزالة[1]، يُقال: نسخت الشمس الظل، ونسخت الريح الأثر، أي: أزالته، ومنه النسخ في القرآن الكريم، كما في هذه الآية ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ أي: ما نرفع ونزل من لفظ آية أو حكمها، أو لفظها وحكمها جميعاً.
وهو شرعاً: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل شرعي.
﴿ مِنْ آيَةٍ ﴾ "من" لبيان الجنس، والآية لغة: العلامة، وآيات الله تنقسم إلى قسمين: آيات شرعية، كما في هذه، وكما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ﴾ [النحل: 101]، وآيات كونية، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [فصلت: 37]، وقوله تعالى: ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾ [يس: 37]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59].
عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾: ما نبدل من آية"[2].
وعن مجاهد عن أصحاب عبدالله بن مسعود أنهم قالوا: "﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾: نثبت خطها ونبدل حكمها"[3].
فهذه الآية أظهر الأدلة وأقواها على وجود النسخ في القرآن الكريم، بمعناه الشرعي، مع وقائع النسخ الصريحة في القرآن الكريم.
﴿ أَوْ نُنْسِهَا ﴾ قرأ ابن كثير وأبوعمرو: (أو نَنْسَأْها) بفتح النون الأولى وإسكان الثانية، وهمزة ساكنة بعد السين، أي: نؤخرها ونؤجلها، ونتركها فلا ننسخها[4]، ومن ذلك "بيع النسيئة" أي: التأجيل والتأخير، ومنه قول الشاعر:
لعمرك إن الموت ما أنسأ الفتى
لكالطِّوَل المُرْخَى وثِنْياه باليَدِ[5]
وقرأ الباقون: ﴿ أَوْ نُنْسِهَا ﴾ بضم النون الأولى، وإسكان الثانية، وكسر السين، وهي تدل على معنى القراءة الأولى، أي: نؤخرها ونؤجلها، ونتركها فلا ننسخها[6].
كما تحتمل معنى آخر، وهو النسيان، أي: ذهول القلب عن الشيء، والمعنى: أو ننسها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يذكرها أبداً، كما قال تعالى: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعلى: 6، 7] أي: إلا ما شاء الله أن تنساه، فتذكره، أو تُذَكَّر به، أو إلا ما شاء الله أن تنساه فلا تذكره أبداً[7].
قال قتادة في قوله: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ﴾ قال: "وكان الله تعالى ينسي نبيّه ما يشاء وينسخ ما يشاء"[8].
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال عمر: "أقرؤنا أبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وذلك أن أبيًّا يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ﴾"[9].
والفرق بين ما نسخه الله- عز وجل- وما أنسأه نبيه صلى الله عليه وسلم: أن المنسوخ قد يبقى ويذكر لفظه أو حكمه، وأما المنسأ فلا يبقى ولا يذكر لا لفظه، ولا حكمه، بل يذهل عنه القلب كلية.
﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ﴾ جواب الشرط "ما" أي: بخير منها مطلقاً، في الدين والدنيا والآخرة، من حيث العمل ومن حيث الثواب والأجر وغير ذلك.
فإن كان النسخ إلى أثقل، كما في نسخ التخيير بين الصيام والإطعام بإيجاب الصيام فالخيرية فيه بمضاعفة الأجر والثواب؛ لأن الأجر على قدر المشقة، مع مراعاة التدرج في التشريع.
وإن كان النسخ إلى أخف، كما في نسخ مصابرة الواحد للعشرة في القتال، بمصابرته لاثنين فقط، وكما في نسخ وجوب قيام الليل إلى الندب، فالخيرية في هذا بالتخفيف على الأمة مع تمام الأجر.
وإن كان النسخ إلى مساوٍ ومماثل كما في نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة فالخيرية في هذا بالاستسلام لأمر الله- عز وجل- وتمام الانقياد له.
﴿ أَوْ مِثْلِهَا ﭝ ﴾ في الخيرية، من حيث العمل والأجر وغير ذلك، أو مثلها في العمل، وإن كان خيراً منها في العاقبة والأجر.
وفي الآية إشارة إلى أن المنسوخ لابدَّ له من بدل مقارن له، مرتبط به ارتباط الشرط بجوابه.
فما ينسخه الله- عز وجل- من الآيات، أو ينسئه نبيه صلى الله عليه وسلم، أو يؤخره فلا ينسخه، أو يؤخر نزوله فلا ينزله يأت بخير منه أو مثله عملاً وثواباً وغير ذلك، ديناً ودنيا وأخرى.
والبدل الذي هو خير من المنسوخ أو مثله قد يكون هو الناسخ نفسه، وقد يكون هو وغيره مما يأتي به الله عز وجل.
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ الهمزة للاستفهام التقريري في هذا الموضع والذي بعده، و"أنَّ" للتوكيد في هذا الموضع والذي يليه، أي: قد علمت ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾. وهمزة الاستفهام إذا جاء بعدها "لم" فمعناها التقرير.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكل من يصلح له، أي: أنك قد علمت وعلم كل مخاطب: ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
وقدم المتعلِّق في قوله: ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لتأكيد شمول قدرته- عز وجل- لكل شيء، مهما كان، وأيـًّا كان، صغيراً أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً، ومن ذلك: قدرته- عز وجل- على نسخ ما شاء من الآيات، أو إنسائها، والإتيان بخير منها، أو مثلها، وغير ذلك.
و﴿ قَدِيرٌ ﴾ على وزن "فعيل" يدل على كمال قدرته- عز وجل- أي: أنه عز وجل ذو القدرة التامة العظيمة و"القدير" اسم من أسمائه- عز وجل-، ومعناه: الذي يفعل ما أراد بلا عجز، كما قال تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 16]، وقال عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44].
[1] ويأتي النسخ لغة بمعنى النقل، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29].
[2] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 389)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 201) - الأثر (1065).
[3] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 390).
[4] انظر: "جامع البيان" (2/ 393-395)، "الحجة في القراءات" ص (109).
[5] البيت لطرفة بن العبد. انظر "ديوانه" ص (37)، "جامع البيان" (2/ 394). والبيت في الديوان: لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى...
[6] انظر: "جامع البيان" (2/ 393-395)، "الحجة في القراءات" ص (109).
[7] انظر: "جامع البيان" (2/ 390-393).
[8] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 391).
[9] أخرجه البخاري في "التفسير" (4481).
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
jtsdv r,gi juhgn ﴿lQh kQkXsQoX lAkX NdQmS HQ,X kEkXsAiQh kQHXjA fAoQdXvS lAkXiQh lQh HQkX juhg[
jtsdv r,gi juhgn ﴿lQh kQkXsQoX lAkX NdQmS HQ,X kEkXsAiQh kQHXjA fAoQdXvS lAkXiQh lQh NdQmS HQkX lAkX lAkXiQh juhg[ jtsdv fAoQdXvS kQHXjA kQkXsQoX kEkXsAiQh
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ - آرَسسْ ، على المشاركة المفيدة:
|
|
16-03-2022
|
#2
|
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-03-2022
|
#3
|
/
تسلم ايدك عالطرح
يعتيك العافية
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
16-03-2022
|
#4
|
_
،
جَزَاكَ اَللَّهُ خَيْر . . .
وَأَحْسَنَ إِلَيْكَ فِيمَا قَدَّمَتْ
دُمْتُ بِرِضَى اَللَّهِ وَإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ
~
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
17-03-2022
|
#5
|
جزاك الله خيرا
وجعله في ميزان حسناتك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
18-03-2022
|
#6
|
الله يعطيك العافيه
سلمت يدينك ربي يسعدك
ماننحرم منك :ff1 (12):
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
18-03-2022
|
#7
|
جــــزاك الله خيـراً على ما قدمت
جعلـه الله في ميزان حسنـاتك
دمت بحفظ الرحمان
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
21-03-2022
|
#8
|
.
.
جَزآك آلمولٍى خٍيُرٍ " .. آلجزآء .. "
و ألٍبًسِك لٍبًآسَ
" آلتًقُوِىَ " وً " آلغفرآنَ "
وً جَعُلك مِمَنً يٍظَلُهمَ آلله فٍي يٍومَ لآ ظلً إلاٍ ظله .~
وً عٍمرً آلله قًلٍبًك بآلآيمٍآنَ .~
علًىَ طرٍحًك آلًمَحِمًلٍ بنًفُحآتٍ إيمآنٍيهً .!
للهَ درِك
..||**
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
22-03-2022
|
#9
|
جزاك الله خير الجزاء
وشكراً لطرحك الهادف وإختيارك القيّم
رزقك المــــــــولى الجنـــــــــــــة ونعيمـــــها
وجعلــــــ ما كُتِبَ في مــــــوازين حســــــــــناتك
ورفع الله قدرك في الدنيــا والآخــــرة
دمت بِ سعآدة لا تنتهي
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
26-03-2022
|
#10
|
-
اسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك
وَ يجعل الفردوس الأعلى سكنك
تقديري .
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الكلمات الدلالية (Tags)
|
﴿مَا, مَا, آيَةٍ, أَنْ, مِنْ, مِنْهَا, تعالج, تفسير, بِخَيْرٍ, نَأْتِ, نَنْسَخْ, نُنْسِهَا, قوله |
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
| | | | | | | | | |