تحديد ماهية الضرر، أحد وسائل التقويم لمدى صحة ممارسة سلوك حياتي ما، أو عدم ذلك. وحينما يثبت أن ذلك السلوك هو غريزة وراثية، فإن استنكارنا لذلك السلوك أو انتقادنا له
تحديد ماهية الضرر، أحد وسائل التقويم لمدى صحة ممارسة سلوك حياتي ما، أو عدم ذلك. وحينما يثبت أن ذلك السلوك هو غريزة وراثية، فإن استنكارنا لذلك السلوك أو انتقادنا له يكون غير ذي معنى ولا مبرر له. حتى وإن كان ثمة احتمال لضرر لاحق، فعلينا أن نُتقن التعامل معه منذ البداية، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود ذلك الدور الوراثي.
دعونا نستعرض القصة التالية المتكررة: يجلس الأب على رأس المائدة، وهو يعلم أن معركة من نوع ما ستدور على أرض "السفرة".
إما من النوع "حامي الوطيس"، أو أن أساليب من العناد ستسير دفة الصراع، لتبقى المعركة هادئة في الظاهر. وموضوع النزاع المتكرر، بلا منازع، تناول الطفل لما أعدته الأم من طعام في الوجبة، أو طلبه تناول شيء آخر.
ودوافع النزاع هي رغبة الأم أن ترى أطفالها "الحلوين" يتناولون كل ما أعدته لهم من أطباق تراها "صحية وشهية"، في حين أن للأطفال رأي آخر ومخالف تماماً.
وهو الرأي الذي يُعبرون عنه بعدم تقبل تناول أصناف مما هو معروض أمامهم، وإقبالهم على بعض منها، أو بتصريحهم أنهم يُريدون بدلاً من كل ذلك ساندويتش من الجبنة أو من المربى.
والأب هنا في موقف لا يُحسد عليه، لأنه من جانب، لا يقوى على مخالفة الأم فيما تراه صحياً وشهياً، على الأقل "جبراً لخاطرها". ومن جانب آخر، لا يقوى على "كسر خاطر" الأطفال في حرمانهم من لذة تناول ما يشتهونه.
ولذا سيدخل لا محالة ضمن عناصر التوتر لـ "نزاع المائدة"، بل وستعلن الأم صراحة استعانتها به لحسم المشكلة، وسيستنجد به تلميحاً ذلك الطفل لإنقاذه من الوضع.
والسؤال، ليس هو: ما الذي على الأب فعله حينئذ؟
بل هو: هل للأم أن تُصعّد الأمور إلى هذا الحد؟ خاصة حينما لا يدور الحديث عن تناول الأطعمة السريعة أو المقرمشات أو غيرها، بل حول انتقائية الطفل الصغير في تناول ما يُريده من بين الأطعمة الطبيعية المعتادة.
والأصل كما يُقال في الأمثال، "الكبير يجب أن يظل كبيراً"، وخاصة في التعامل مع الأطفال. وإذا أردنا أن نتحدث بلغة علمية، فإن المشكلة برمتها، ومن أي زاوية نظرنا إليها، "ما لها داع"، وتوجيه الملامة إلى الطفل لا مبرر له. وعلينا أن نعود إلى ما يقوله الأطباء حول مشكلة "الطفل الانتقائي" لنوعية ما يأكل، ورفضه بعضاً مما يُقدم له من طعام صحي.
ووفق ما تم نشره في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية، يقول الباحثون من كلية بنسيلفينيا للطب إن على الوالدين أن لا يشعروا بخيبة الأمل حينما لا يتقبل طفلهم ما يُقدمونه له من أطعمة، لأن الأطفال مُبرمجون وراثياً على تقبل تناول أنواع دون أخرى من الأطعمة.
وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد متابعتهم سلوكيات حوالي 800 طفل توأم. نصفهم توأم متطابق identical في الصفات الوراثية، أي الذين يُشبهون بعضهم البعض. والنصف الأخر من التوأم غير المتطابق non-identical. وتُوصف الدراسة بأنها من كبريات الدراسات التي بحثت في دور الوراثة على نوعية الأطعمة أو المشروبات التي يتم تناولها، وعلى مدار ألـ 24 ساعة، من قبل الأطفال الصغار، أي الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ.
ولاحظ الباحثون أن الأولاد يخضعون لما تُمليه عليهم صفاتهم الوراثية، أكثر من البنات، في انتقاء ما تناول أنواع الأطعمة والمشروبات. وأن التوأم المتطابقين يتشابهون في نوعية اختياراتهم تلك، أكثر من التوأم غير المتطابقين.
وقال الباحثون إن فهم سبب رفض بعض الأطفال تناول أصناف معينة من الأطعمة، سيُخفف من شعور الإحباط الذي يُعاني منه ملايين الآباء والأمهات في صراعهم اليومي مع أطفالهم لتوجيههم تناول أطعمة معينة. كما أن ذلك سيُخفف من الشعور بالذنب الذي تُبديه بعض الأمهات إزاء اعتقادها بأنها لا تُحسن إعداد الطعام لأطفالها.
ولكن الأهم في نتائج الدراسة هو ما وجده الباحثون من أنهم لم يلحظوا أن وزن الطفل مرتبط بالعموم، بتفضيله تناول أطعمة دون أخرى. ومع ذلك طالب الباحثون بإجراء مزيد من الدراسة حول هذا الجانب بالذات، خاصة وأن دراسات سابقة ربطت فيما بين الوراثة وكثرة تناول الأكل، وبين الوراثة والسمنة.
أي لجلاء حقيقة العلاقة بين الانتقائية في الأكل وظهور السمنة. وعلينا تذكر أن الطفل، وفي مراحل عمره المبكرة، لا يزال في طور “اكتشاف الدنيا وما فيها”. وهو يحتاج إلى جرأة أكبر في توسيع نطاق ألوان وأشكال وطعم ما يتناوله. كما أنه يبحث، وفق حدود عقليته وإمكانياته، عن تكوين شخصية مستقلة، لا تخضع لتوجيهات أوامر الأم أو الأب.
وهنا علينا كآباء وأمهات، أن نكون أكثر ذكاءً في احتوائه بحناننا ومساعدته على معرفة ما هو صحي ومفيد، وبالتالي على تقبله. وعلى معرفة ما هو ضار أو غير صحي، وبالتالي الابتعاد عنه. ولعل أصدق وأطرف الأمثلة ما سبق عرضه من دراسات طبية، عن أطفال الأسر التي تذهب إلى المزارع لتجلب الفواكه والخضار منها، أو التي تزرعها في حدائق منازلها، هم أكثر إقبالاً على تناول ذلك النوعين الصحيين من الأطعمة.
ونحن، الآباء والأمهات، منْ نُشكل بالحكمة والصبر، تلك العادات والسلوكيات الحياتية الصحية التي من الأفضل لأطفالنا إتباعها. ولكي ننجح في ذلك علينا أن نفهم جيداً أطفالنا، والتعليلات العلمية لسلوكياتهم.
يومًا ما سنلتقي .. في ابريلٍ دافىء أو نوفمبرٍ خريف أوراقه تملأ أرصفة طرقات العابرين ..يومًا ما ستزهر الحياة من جديد و كأنها تزور ربيع داخلنا للمرة الأولى ، ستتلاشى آلام البِعاد و يصير الخيال واقًعا و الأمان رفيقًا و الكلمات ثرثرة لا نهاية لها .. يومًا ما سيحل لقاء حتمي و أبدي لا نهاية لميقاته .