قال ابن القيم - رحمه الله -: وفي ذكر الله أكثر من مائة فائدة، يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويزيل الهم، ويجلب الرزق ويكسب المهابة والحلاوة، ويورث محبة الله التي هي روح الإسلام.
ويورث المعرفة والإنابة والقرب، وحياة القلب، وذكر الله للعبد هو قوت القلب وروحه، ويجلي صداه ويحط الخطايا ويرفع الدرجات، ويُحدث الأنس ويزيل الوحشة، ويذكِّر بصاحبه وينجي من عذاب الله، ويوجب تنزُّل السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر، ويشغل عن الكلام الضار، ويسعد الذاكر ويسعد به جليسه من الحسرة يوم القيامة، وهو مع البكاء سبب لإظلال الله العبد يوم الحشر الأكبر في ظل عرشه.
وأنه سببٌ لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين، وأنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها، وأنه غراس الجنة، وأن العطاء والفضل الذي رتِّب عليه لم يرتَّب على غيره، وأن دوام الذكر للرب تبارك وتعالى، يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده.
شعرًا:
لا شيء مثل كلام الله تحفَظه
حفظًا رصينًا وتعمل فيه مجتهدَا
شعرًا:
لو يعلم العبد ما في الذكر من شرفٍ
أمضى الحياة بتسبيح وتهليل
آخر:
ما أنعم العيشة لو أن الفتى
يلهم تسبيحًا لخلاق الورى
وأن الذكر يسير العبد وهو في فراشه وفي سوقه، وأن الذكر نور الذكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده، وأن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة، إلا ذكر الله عز وجل.
وأن الذكر يجمع ما تفرَّق على العبد من قلبه وإرادته وهمومه وغرمه، والذكر يفرق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والأحزان والحسرات على موت حظوظه ومطالبه، ويفرِّق ما اجتمع على حربه من جند الشيطان.
وأن الذكر ينبِّه القلب من نومه ويوقظه، والقلب إذا كان نائمًا فاتته الأرباح والمتاجر، وأن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر.
وأن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه وهذه المعية معية خاصة، وأن الذكر يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، وإن الذكر رأس الشكر وأن أكرم الخلق على الله من المتقين من لا يزال لسانه رطبًا من ذكر الله.
وأن في القلب قسوةً لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى، وإن الذكر شفاء القلب ودواؤه والغفلة مرضه، وأن الذكر أصل موالاة الله عز وجل، وأنه ما استُجلبت نعم الله واستُدفعت نقمُه بمثل ذكر الله.
شعرًا:
عليك بذكر الله في كل لحظةٍ
فما خاب عبد للمهيمن يذكر
آخر:
فجالِس رجال العلم واحفظ حديثهم
ولا تَكُ للجهال يومًا مواخيَا
ولازم فتًى في كل وقت ملازمٍ
لذكر الذي فوق السماوات عاليا
لعلك أن تعتاد للذكر مثله
فتُحرز غفرانًا وأعلى الأمانيا
وأن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، وأن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر فإنها رياض الجنة، وأن مجالس الذكر مجالس الملائكة.
وأن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته، وأن مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك، وأن جميع الأعمال إنما شُرعت إقامةً لذكر الله تعالى، وأن أفضل أهل كلِّ عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله عز وجل، فأفضل الصوام أكثرهم ذكرًا لله عز وجل.
وأن ذكر الله يسهل الصعب وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق، وأن ذكر الله يُذهب عن القلب مخاوفه كلها، وله تأثيرٌ عجيب في حصول الأمن، وأن في الاشتغال بالذكر اشتغالًا عن الكلام الباطل من الغيبة والنميمة واللغو، وأن عمال الآخرة كلهم في مضمار السباق، والذاكرون أسبقهم في ذلك المضمار، ولكن الفترة والغبار يمنعان من روية سبقهم.
فإذا انجلى الغبار وانكشف، رآهم الناس وقد حازوا قصب السبق، وأن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، فإنه أخبر عن الله بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربُّه، ومن صدقه الله لم يُحشر مع الكاذبين، ورُجي له أن يحشر مع الصادقين.
شعرًا:
وداوم ولازم قرعَ باب مؤمِّلًا
فما خيَّب المولى رجاءَ مؤمِّلِ
وصابر فما نال العلا غير صابرٍ
وقل واعظًا للنفس عند التململ
مع الصبر إحدى الحسنيين مناك أو
منايا كرام فاصبري وتحمل
وداو لسقم القلب واعمُر خرابه
بذكر الذي نعماه للخلق تشمل
آخر:
لو يعلَم الناس ما في الذكر من شرفٍ
لم يُلههم عنه تجميعُ الدنانير
ولم يبالوا بأوراق ولا ذهب
ولو تحصل آلاف القناطير
اللهم ألْهِمنا ذكرك ووفِّقنا للقيام بحقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، ولا تفضحنا بين خلقك، يا خير من دعاه داعٍ، وأفضل من رجاه راجٍ.
يا قاضي الحاجات ومجيب الدعوات، هبْ لنا ما سألناه وحقِّق رجاءنا فيما تمنيناه، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ما في ضمائر الصامتين، أذِقنا بردَ عفوك وحلاوة مغفرتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.