البكاء من خشية الله إن البكاء من خشية الله من الأعمال الصالحة التي خصها الله بالأجر العظيم، ورفع ثوابها وأجزل لصاحبها الخير، وقد ذكره الله تعالى في كتابه
إن البكاء من خشية الله من الأعمال الصالحة التي خصها الله بالأجر العظيم، ورفع ثوابها وأجزل لصاحبها الخير، وقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم، قال تعالى في سورة الإسراء: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109]، وقال جل جلاله في سورة المائدة: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].
وللبكاء من خشية الله أجور عظيمة جدًّا:
أولًا: قد جعل الله البكاء من خشية الله في الخلوة سببًا لأن ينعم العبد بظل عرش الرحمن يوم القيامة: وهو أجر عظيم على عمل يسير، ولكنه مع ذلك يحمل في طياته معنيان خطيران لهما من الأهمية في دين الله ما الله به عليم، حتى إن فِقدان أحدهما مهلك لصاحبه،فالمعنى الأول هو خشية الله، وهي التي ما تحل في قلب خرب حتى تعمره، ولا تدخل على عاص حتى ترده، ولا ينجو العبد إلا بها، وأما المعنى الثاني فهو الإخلاص،فالعبد الذي يذكر الله خاليا فتفيض عيناه لا يريد بذلك إلا مرضاة ربه فقط، فما من أحد ليراه فهو مخلص لربه حريص على مرضاته، ومعلوم ما للإخلاص من وزن في دين الله، فبلا إخلاص يهلك العبد ولابد، ويذهب العمل هباءً منثورًا، ولذا استحق من يذكر ربه خاليًا، فتفيض عيناه أن يكون في هذا الفضل العظيم يوم القيامة، فيظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، والشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه"؛ البخاري ومسلم.
وثانيًا: قد جعل الله البكاء من خشيته حجابًا لتلك العين عن النار فلا تمسها:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حُرم على عينين أن تنالهما النار عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من الكفر"؛رواه الحاكم وفي مسنده انقطاع، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم"؛رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وثالثًا: قد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدموع من خشية الله هي من أحب الأشياء إلى الله جل جلاله:
ففي الحديث الحسن عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله عز وجل"؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ورابعًا: قد تعلقت النجاة بالبكاء مع إمساك اللسان ولزوم البيت:
فقد روى الترمذي في سننه من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك"؛ رواه الترمذي، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن ملك نفسه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته"؛ رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده.
وخامسًا: قد سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاء من خشية الله، وحضنا عليه: ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عصمه الله وغفر له، وأعدَّ له من النعيم ما لم يعده لأحد من العالمين، فقد كان صلى الله عليه وسلم كثير البكاء، ففي الحديث الصحيح عن مطرف عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز الرحا من البكاء"؛ رواه أبو داود واللفظ له، وفي الحديث الحسن عن البراء رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا"؛ رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وقد حضَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على الأعمال التي ترقق قلوبنا وتدمع عيوننا:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإن فيها عبرة"؛رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح، وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا، فَإِنَّهُ يَرِقُّ القَلْبُ، وتَدّْمَعُ العَينُ، وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات"يعني الموت،رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه.