« روحي أوركسترا سرية أجهل أيَّ آلات سأنقر وأيّاً منها ستصرّ داخلي ؟ لا أعرف نفسي إلا بصفتي سيمفونية».
( فرناندو بيسوا)
في تصوره التحليلي لماهية الأدب الآلي يذهب (إيتالو كالفينو) إلى أن لو كان بالإمكان جمع كل المحاولات اللغوية العالمية في تحولاتها «وأوكل إلى الحاسوب مهمة القيام بإجراءاتها، ياترى هل سيكون لدينا آلة قادرة على أن تحل محل الشاعر والمؤلف؟ وبما أنه لدينا الآن آلات قادرة على القراءة وأخرى على التحليل اللغوي للنصوص الأدبية، وأخرى على الترجمة والتلخيص، فهل سيكون لدينا -وهو المهم- آلات قادرة على نظم القصائد وتأليف الروايات؟ « جاء هذا التفسير المتسائل بعد ما كان قد أكد بأنه يمكن أن يحل الحاسوب محل الشاعر عندما يغذى برامجياً بالمواد اللغوية التي (لا أعرف أي لغة) ولنفترض أنها لغته الإيطالية، وهذا ما يجسد الحيرة فيما يشبه التراجع المحتشم عما ذهب إليه، لكونه يضمر في داخله عدداً من الأسئلة التي تصعب الإجابة عليها، فهو أشبه بالمتخيل الحالم الذي يسبح في بحر من الشاعرية المحلقة التي لا تتكئ على قواعد ذات أسس تؤكد له أن ما ذهب إليه من الممكن تحقيقه، فيسير في خط موازٍ لمسار استحالة المقترح فيقول: «إن الأمر المثير هنا ليس فيما لو كانت هذه المسألة قابلة للحل من الناحية العملية أم لا، لأنه لن يكون من المجدي لنا صياغة مثل تلك الآلة المعقدة التي لن تقدم إلاّ أبيات منظومة وأدباً مصفوفاً بطريقة ميكانيكية. « وكنت قد وقفت عند ذلك في المقالة السابقة مشيراً إلى أن (كَبْسَةَ زِرٍ) على الحاسوب لينتج قصيدة ستكون النتيجة واحدة ومكررة عند كل من -كبس الزر- للغرض ذاته، ونكون في حالة دوران حلزوني مقلوب، فها هو يبرر في «إن ما أفكر فيه هو آلة تُدَوِنُ على الورق كل ما نعتبره هاما (= مهماً) في حياتنا السيكولوجية، وفي خبراتنا اليومية.. وفي التقلبات غير المتوقعة.. ترى ما الأسلوب الذي سيكون متبعاً في مثل هذا الأدب الآلي الروتني؟. « تستمر الأسئلة المتراكمة في المخيلة ويستمر التحليق الشاعري المتخطي والمتجاوز إلى اللا معقول، وعندما حانت لحظة الاستراحة عند كالفينو من الركض الشاعري، وفي حالة من إعادة الحسابات والرجوع إلى القدرات الإنسانية التي تمكنت من اختراع الآلة بأشكالها، مما يثبت أن العقل الإنساني الجماعي والفردي هو المهيمن على الآلة التي لا يمكنها أن تتجاوز (العقل البشري)، فيؤكد أن ما سيكون من الشعر الآلي المتخيل لن يقدم بل سيؤخر ويجر إلى ركون وركود وتمحور حول دائرة لا تتعدى الصفر العاري من الأرقام التي تميزه وتظهر قيمته