يروي أن رجلاً قصد صديق له لحاجة إليه فدخل عليه فرحب به أجمل ترحيب ، وأجلسه إلى جانبه ، وبات ليلته عنده ، وبعد تناول وجبة العشاء جلسا يتسامران .
وفي صباح اليوم التالي أحضر له فطوره وتناولا معاً الطعام ، وقبل توديعه ، سأله صاحب البيت : أولك حاجة تريد أن أقضيها لك ؟ فأجابه : نعم ، لقد اقترضت مبلغاً من المال من أحد المرابين ، وقد أثقل كاهلي ، واقترب موعد تسليمه ، والمبلغ ليس متيسراً عليّ ، فسأله صديقه عن حجم المبلغ المديون به ، فأجاب الرجل : مائة دينار ، فقام الصديق ودخل البيت ، وجلب له مائتي دينار وسلمه إياها .
ففرح الرجل وشكر صديقه ، ولما عدَ المبلغ ووجده بهذا القدر ، استغرب وقال : هذا المبلغ أكثر مما طلبته منك ، ولا حاجة لي بالمبلغ المتبقي .
وبينما هو يعد المبلغ بغرض إرجاع الزائد عن حاجته من المال الذي طلبه ، أمسك الصديق بيد الرجل وقال له : أرجعه وضعه في جيبك ، فوالله هذا غيض من فيض ، أي أن هذا المبلغ الذي أعطيتك إياه ، ما هو إلا قليل من كثير ، وذهب قوله مثلاً يضرب للكريم الذي ينفق قليلاً من كثير .
ثم اتسع استخدام المثّل فصار يضرب على من يتحدث ويدخل في تفصيلات ، ويتشعب في حديثه فيشد المستمعين إليه ، مما يدعو إلى استغرابهم على ما يمتلكه من قدرة على الحديث ، واتساع في المعلومات ويشار إليه بأن ما يمتلكه هذا المتحدث ، ما هو إلا غيض من فيض ، تشبيهاً بماء البحر في حالة المّد ، فإن ما يخرج منه من ماء ، قياساً مع ماءه الحقيقي ، ما هو إلا قليل جداً.
يومًا ما سنلتقي .. في ابريلٍ دافىء أو نوفمبرٍ خريف أوراقه تملأ أرصفة طرقات العابرين ..يومًا ما ستزهر الحياة من جديد و كأنها تزور ربيع داخلنا للمرة الأولى ، ستتلاشى آلام البِعاد و يصير الخيال واقًعا و الأمان رفيقًا و الكلمات ثرثرة لا نهاية لها .. يومًا ما سيحل لقاء حتمي و أبدي لا نهاية لميقاته .