معنى اسم
الله الحَيِيّ[1]
الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الحَيِيِّ)[2]:
الحييُّ فِي اللغة هو المتصِفُ بالحياءِ، يقال: حَييَ منه حَياءً واستَحْيَا منه واستَحَى منه، وهو حَييٌّ ذو حياءٍ كغنيٍّ ذي غِنًى[3].
والحياء صفةٌ خُلُقية رقيقةٌ، وسَجِيَّةٌ لطيفةٌ دقيقةٌ، تمنعُ النفسَ مِنْ تَجاوزِ أَحكامِ العُرْفِ، أو مِنْ تجاوز أحكامِ الشَّرْعِ، وأحكامُ العُرفِ يُقصد بها كلُّ ما تعْرفهُ النفوسُ، وتستحسنُه العقولُ مِنْ مكارمِ الأخلاقِ، ومحاسنِ الشِّيمِ، وَهِيَ التي كانت ولم تَزَلْ مستحسنةً فِي كلِّ زمانٍ ومكانٍ[4]، وعند البخاري مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "
إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"[5].
"إذا لم تَسْتَحِ": فعْل مضارع مجزوم بِلَمْ وعلامة جزمه حذفُ آخرِه، فالفعل مكوَّن مِن ثلاثة أحرف وحُذِفَ آخرُه للجزم وبقيَ حرفان.
قال أبو تمام:
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ♦♦♦ ولم تَسْتَحْيِ فاصنعْ ما تشاءُ
والمقصودُ: أنَّ الحياءَ لم يزلْ مستحسَنًا فِي شرائعِ الأنبياءِ، وأنه لم يُنسخْ فِي جملةِ مَا نُسِخَ مِنْ شرائِعهم[6]، وعند البخاري مِنْ حديث أبي سفيانَ رضي الله عنه، قَالَ: "
فَوَاللهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ"[7].
وعند البخاري من حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "
إِنَّ موسى كَانَ رَجُلًا حَييًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ"[8].
والله عز وجل قَالَ: ﴿
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 25]، فالحياءُ صفةٌ أخلاقيةٌ، وسَجِيَّةٌ نَفسِيةٌ تُراعِي مكَارمَ الأخلاق، ومحاسِنَ الشِّيمِ، وَهِيَ كلُّها خَيْرٌ.
أما حياءُ الشرعِ فهو الحياءُ الذي يحفظُ به العبدُ حدودَ اللهِ ومحارمَهُ، وربما يتطلبُ ذلك وَرَعًا واتِّقاءً للشَّبهةِ مما يحيفُ عَلَى الحيِيِّ بعضَ الشَّيْءِ[9].
واللهُ عز وجل هو الحيِيُّ الذي تكفَّلَ بعبادِهِ وبأرزاقِهم؛ لأنه ليس لهم أحدٌ سِواه: فهو الذي يَقبل تَوبَتَهُمْ، ويوفِّق مُحسِنَهُمْ، ويسمعُ دعاءَهم، ولَا يخيِّبُ رجاءَهم، وحياءُ الرَّبِّ تَعَالَى لا تدركه الأفهامُ، ولا تكيِّفهُ العقولُ؛ فإنه حياءُ كرمٍ وبِرٍّ وجُودٍ وجلالٍ[10].
وعند أبي داود، وصحَّحه الشيخُ الألبانيُّ مِنْ حديث سَلمَانَ الفارسي رضي الله عنه؛ أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "
إنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"[11].
والحياءُ وصفُ كمالٍ لله، لَا يُعارض الحكمةَ، وَلَا يُعارضُ بيان الحقِّ والحجةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ [البقرة: 26].
وُرُودُهُ فِي الحديثِ الشَّريفِ[12]:
1- وَرَدَ فِي حديثِ يَعْلى بنِ أميةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى رَجلًا يغتسلُ بالبَرَازِ بلا إزارٍ، فصعد المنبرَ، فحمدَ اللهَ وأَثنى عليه، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "
إِنَّ اللهَ عز وجل حَيِيٌّ ستِّيرٌ يُحبُّ الحياءَ والسِّتْرَ، فإِذا اغْتَسَل أَحدكُم فَلْيَسْتَتِرْ"[13].
2- وَفِي حديثِ سلمان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "
إنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"[14].
وَقَدْ وَرَدَ بصيغةِ الفعل فِي الكتابِ العزيزِ فِي قوله عز وجل: ﴿
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26].
3-
وَفِي حديثِ أبي واقدٍ اللَّيثيّ؛ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بينما هو جالسٌ فِي المسجدِ والنَّاسُ معه إذْ أَقبل ثلاثةُ نفرٍ، فأقبل اثنانِ إِلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وذهبَ واحدٌ، قال: فوقَفَا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدُهما فرأى فُرْجةً فِي الحَلْقَةِ فجلسَ فيها، وأما الآخرُ فجلسَ خَلْفَهُم، وَأما الثالثُ فأدْبرَ ذاهِبًا، فلما فَرغَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلا أُخبركم عن النَّفَرِ الثلاثةِ؟ أما أحدُهُم فآوى إلى اللهِ فآواه اللهُ، وأما الآخرُ فاسْتَحيا فاسْتَحيا اللهُ منه، وأما الآخرُ فأعْرضَ فأعْرضَ اللهُ عنه"[15].
4- وَفِي حديثِ أمِّ سلمةَ رضي الله عنها قالت: جاءتْ أمُّ سُليمٍ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: يا رسولَ اللهِ! إنَّ الله لا يَسْتحيي مِنَ الحقِّ، فهل عَلَى المرأةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احتلمَتْ؟ فَقَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "
نَعَمْ إِذَا رأتِ الماءَ..."[16].
*