ولم يرض النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من صحابته أن يسأل الناس، وعندما رأى ذات يوم رجلاً
في المسجد يستجدي الناس أعطاه فأساً وقال له: ((اذهب واحتطب ولا تأتني إلا بعد أيام،
وعندما عاد إليه الرجل بعد أيام قال له: أغناني الله من فضله، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
((ذلك خير من أن تأتي المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة)).
لكن المال في تقدير الإسلام وسيلة لا غاية، وسبيل لصون النفس عن الابتذال،
وطريق لإعزاز المؤمن وصون كرامته، وأداة لتقدم المجتمع ورفعته، والدفاع عن حرماته ووجوده.
ولما كان للمال إغراءات، ويمكن أن يكون سبباً للطغيان والانحراف والظلم،
حذر القرآن من فتنته، ووصفه بأنه زينة الحياة الدنيا، وأن الدنيا بمتعها ونفائسها وموجوداتها متاع الغرور، فقال عز من قائل:
{ المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا}
سورة الكهف: [الآية: 46].
وقال أيضاً: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال
والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب
شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}
سورة الحديد: [الآية: 20].
وصَرّح القرآن الكريم بأن المال سبب الطغيان في قوله تعالى:
{إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى} سورة العلق: [الآية: 6-7].
لذلك دعا الإسلام الإنسان إلى جعل المال في يده لا في قلبه، فدعا إلى الإنفاق والبذل والعمل
لإسعاد الآخرين،كما أنه دعا إلى منع الاعتداء على حقوق الآخرين،
وأكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}
سورة النساء: [الآية: 29].
وأمر القرآن بالتوسط في الإنفاق، بلا بخل وشح ولا إسراف وتبذير، فقال الله سبحانه:
{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} سورة الفرقان: [الآية: 67].
فالإسراف والبخل موجب للحسرة والندامة، قال عز من قائل:
{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً}
سورة الإسراء: [الآية: 29].
وحذر من الترف وعاقبته لأنه ينشر الأحقاد والضغائن، ويقضي على حياة الأمن والاستقرار،
ويؤدي إلى جحود الحق والظلم والتسلط والبغي، وعاقبته الدمار والهلاك،
قال سبحانه منذراً بتدمير المبطرين:
{وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}
سورة الإسراء: [الآية: 16].
وهكذا نرى أن نظرة القرآن للمال كانت نظرة واقعية موضوعية ساهمت في استعماله واستخدامه