09-12-2023
|
|
الظَّاهِرُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الظَّاهِرُ
جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الظَّاهِرِ):
الظَّاهِرُ فِي اللُّغَةِ اسمُ فَاعِلٍ لمِنِ اتَّصَفَ بالظُّهُورِ.
والظَّاهِرُ خِلَافُ الْبَاطِنِ، ظَهَرَ يَظْهَرُ فهوَ ظَاهِرٌ وَظَهِيرٌ.
والظُّهُورُ يَرِدُ على عِدَّةِ مَعَانٍ؛ مِنْهَا:
العُلُوُّ والارْتِفَاعُ، يُقَالُ: ظَهَرَ على الْحَائِطِ وَعَلَى السَّطْحِ: يَعْنِي صَارَ فوْقَه، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 97]، أَيْ مَا قَدَرُوا أَنْ يَعْلُوا عَليْهِ لارْتِفَاعِه.
والظُّهُورُ أَيْضًا بِمَعْنَي الغَلَبَةِ، ظَهَرَ فُلانٌ عَلَى فُلانٍ؛ أَي: قَوِيَ عَلْيهِ، ويُقَالُ: أَظهَرَ اللهُ المسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ؛ أَي: أَعْلَاهُم عَلْيهِم، قال تَعَالَى: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14]؛ أَي: غَالِبينَ عَالِينَ.
والظَّهْرُ بمعنَى السَّنَدِ والحِمَايَةِ وما يُرْكَنُ إِلَيْهِ يُقَالُ: فُلانٌ له ظَهْرٌ: أَي مَالٌ من إِبِلٍ وغَنَمٍ، وفُلانٌ ظَهَرَ بالشَّيءِ ظَهْرًا: فَخَرَ بهِ، وعِنْدَ البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ ت أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَة مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»[1].
ويأتي الظُّهُورُ أَيضًا بمعنى الْبَيَانِ وبُدُوِّ الشَّيءِ الْخَفِيِّ، وكَذَلِكَ الظَّهْرُ مَا غَابَ عَنْكَ، يُقَالُ: تكلَّمْتُ بِذَلِكَ عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ، ويُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ القُرْآنَ عَلَى ظَهْرِ لِسَانِه، وَعَنْ ظَهْرِ قَلْبِه، وعِنْدَ النَّسَائِيِّ وصَحَّحَهُ الألبانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، مَرْفُوعًا: «فَقَالَ: هَلْ تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ؟»[2].
والمُظَاهَرَةُ المُعَاوَنَةُ، وظَاهَرَ بَعْضُهُم بَعْضًا أَعَانَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ﴾ [الممتحنة: 9]؛ أَيْ: عاوَنُوا[3].
والظَّاهِرُ سُبْحَانَهُ هُوَ المنْفَرِدُ بِعُلُوِّ الذَّاتِ والفَوْقِيَّةِ، وعُلُوِّ الغَلَبَةِ والقَاهِرِيَّةِ، وعُلُوِّ الشَّأْنِ، وانْتِفَاءِ الشَّبِيهِ والمِثْلِيَّةِ، فَهوَ الظَّاهِرُ فِي كلِّ مَعَانِي الْكَمَالِ، وهُوَ البَيِّنُ المبِينُ الذِي أَبْدَى فِي خَلْقِه حُجَجَهُ الْبَاهِرَةَ وَبَرَاهِينَهُ الظَّاهِرَةَ، أَحَاطَ بِكُلِ شَيءٍ عِلْمًا، وَأَحَصَى كُلَّ شيءٍ عَدَدًا، حِجَابُه النُّورُ لو كَشَفَهُ لأحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهى إِليهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ[4].
قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: «الظَّاهِرُ هُوَ الَّذِي عُرِفَ بِطَرِيقِ الاسْتِدْلالِ الْعَقْلِيِّ بِمَا ظَهَرَ لهمْ مِنْ آثَارِ أَفْعَالِه وأَوْصَافِه»[5].
والظَّاهِرُ أَيضًا هُوَ الَّذِي بَدَا بِنُورِهِ مَعَ احْتِجَابِه بِعَالَمِ الغَيْبِ، وبَدَتْ آثَارُ ظُهُورِه لِمخْلُوقَاتِه فِي عَالَم الشَّهَادَةِ، فاللهُ عز وجل اسْتَخْلَفَ الإِنسَانَ فِي مُلْكِهِ، واسْتَأْمَنَهُ على أَرْضِهِ، فاقْتَضَى الاسْتَخْلافُ والابْتَلَاءُ أن يكونَ الإنسانُ بينَ عَالمَينِ: عَالَم الغَيْبِ وَعَالَم الشَّهَادَةِ؛ لِيتَحَقَّقَ مُقْتَضَى تَوْحِيدِ اللهِ فِي أسْمَائِه، وجَلاءُ المَعَانِي المْتَعَلِّقَةِ بأَوْصَافِهِ وأَفَعَالِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 26].
وَقَالَ: ﴿ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [السجدة: 6].
وهُوَ سُبْحَانَهُ أَيْضًا الظَّاهِرُ الَّذِي أَقَامَ الْخَلَائِقَ وأَعَانَهُمْ، ورَزَقَهُمْ ودَبَّرَ أَمْرَهُمْ، وهَدَاهُمْ سُبُلَهُمْ، فَهُوَ المُعِينُ عَلَى المَعْنَى الْعَامِ، وهُوَ نَصِيرُ المُوَحِّدِينَ مِنْ عِبَادِه عَلَى المَعْنَى الْخَاصِّ[6].
وُرُودُهُ فِي الْقُرآنِ الْكَرِيمِ[7]:
وَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3].
مَعْنَىِ الاسمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قَالَ الفَرَّاءُ: «(الظَّاهِرُ) عَلَى كُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وكَذَلِكَ (البَاطِنُ) عَلَى كُلِّ شَيءٍ عِلْمًا»[8].
وقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «وَقَوُلُهُ: ﴿ وَالظَّاهِرُ ﴾، يَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ دُونَهُ، وَهُوَ العَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ فَلا شَيءَ أَعْلَى مِنْهُ»[9].
وَقَالَ الزَّجَاجُ: «(الظَّاهِرُ) هُوَ: الذي ظَهَر لِلْعُقُولِ بِحُجَجِهِ، وبَرَاهِينَ وُجُودِه، وأَدِلَّةِ وَحْدَانِيَّتِهِ، هَذَا إِذَا أَخَذْتَهُ مِنَ الظُّهُورِ.
وإِنْ أَخَذْتَهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: ظَهَرَ فلانٌ فَوْقَ السَّطْحِ إِذَا عَلَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا فَهُوَ مِنَ العُلُوِّ، واللهُ تَعَالَى عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَلَيْسَ المُرَادُ بِالْعُلُوِّ ارْتِفَاعَ المَحَلِّ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى يُجَلُّ عَنِ المَحَلِّ والمَكَانِ!! وإنَّما العُلُوُّ عُلُوُّ الشَّأْنِ، وارْتِفَاعُ السُّلْطَانِ»[10].
وَقَالَ الزَّجَاجِيُّ: «(البَاطِنُ) اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ بَطَنَ، وَهُوَ بَاطِنٌ إِذا كَانَ غَيرَ ظَاهِرٍ، و (الظَّاهِرُ): خِلافُ البَاطِنِ، فاللهُ ظَاهِرٌ بَاطِنٌ، هُوَ بَاطِنٌ لأنَّه غَيْرُ مُشاهَدٍ كَمَا تُشَاهَدُ الأَشْيَاءُ المَخْلُوقَةُ، عَزَّ عَنْ ذَلِكَ وَعَلَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ بالدَّلائِلِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وأَفْعَالهِ المُؤَدِّيَةِ إِلى الْعِلْمِ بِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، فَهُوَ ظَاهِرٌ مُدْرَكٌ بالعُقُولِ والدَّلاَئِلِ، وَبَاطِنٌ غَيْرُ مُشَاهَدٍ كَسَائِرِ الأَشْيَاءِ المُشَاهَدَةِ فِي الدُّنْيَا، عز وجل عَنْ ذَلِكَ، وتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا.
ويَجُوزُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ (البَاطِنُ): العَالِمُ بِمَا بَطَنَ؛ أَيْ: خَفِيَ، كَقَوِلِكَ: بَطَنَ بِفُلَانٍ: أي خُصَّ بِه فَعَرفَ بَاطِنَ أَمْرِهِ، وهَؤلاءِ بِطَانَةُ فُلَانٍ؛ أيْ: خَاصَّتُهُ.
ويَجُوزُ أَيضًا أَنْ يَكُونَ (الظَّاهِرُ): القَوِيَّ، كَقَوْلِكَ: ظَهَرَ فلانٌ بِأَمْرِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَيْهِ؛ أَيْ: قَوِيٌّ عَلَيْهِ، وجَمَلٌ ظَهِيرٌ؛ أَيْ: قَوِيٌّ شَدِيدٌ.
قَالَ الأصْمَعِيُّ: يُقَالَ: ظَاهَرَ فلانٌ فُلانًا على فُلانٍ، إِذا مَالَأهُ عَلَيْهِ، ويُقَالُ: اتَّخِذْ مَعَكَ بَعِيرًا أو بَعِيرَيْنِ ظِهْرِيَّيْنِ؛ أَيْ: عُدَةً، والْجَمْعُ ظَهَارِيُّ كَمَا تَرَى»[11].
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: «هُوَ (الظَّاهِرُ) بِحُجَجِهِ الْبَاهِرَةِ، وبَرَاهِينِه النيِّرَةِ، وبِشَوَاهِدِ أَعْلَامِهِ الدَّالَّةِ على ثُبُوتِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَصِحَّةِ وَحْدَانِيَّتِهِ.
ويَكُونُ الظَّاهِرُ فَوْقَ كُلِّ شَيءٍ بِقُدْرَتِهِ.
وَيَكُونُ الظُّهُورُ بِمَعْنَى العُلُوِّ، وَيَكونُ بمعْنَى الغَلَبةِ»[12].
وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: «(الظَّاهِرُ) ومَعْنَاهُ: الْبَادِي بِأَفْعَالِه، وهُوَ جَلَّ ثناؤُهُ بِهَذِه الصِّفَةِ، فَلَا يُمْكِنُ مَعَهَا أَنْ يُجْحَدَ وُجودُه ويُنْكَرَ ثُبُوتُهُ»[13].
hg/Q~hiAvE [QgQ~ [QgQhgEiEK ,QjQrQ]Q~sQjX HQsXlQhcEiE hg/Q~hiAvE [QgQhgEiEK [QgQ~
hg/Q~hiAvE [QgQ~ [QgQhgEiEK ,QjQrQ]Q~sQjX HQsXlQhcEiE
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|