ريتشارد الأول (8 سبتمبر 1157 - 6 أبريل 1199) ملك إنجلترا منذ 6 يوليو 1189 وحتى وفاته. كما حكم كدوق لنورماندي (باسم ريتشارد الرابع) ودوق أقطانية وغاسكونية وسيد قبرص وكونت
ريتشارد الأول (8 سبتمبر 1157 - 6 أبريل 1199) ملك إنجلترا منذ 6 يوليو 1189 وحتى وفاته. كما حكم كدوق لنورماندي (باسم ريتشارد الرابع) ودوق أقطانية وغاسكونية وسيد قبرص وكونت أنجو ومين ونانت وسيد عموم بريتاني على فترات أثناء عهده(1). وقد عرف بلقب ريتشارد قلب الأسد، حتى قبل تتويجه بفضل سمعته كقائد عسكري ومحارب عظيم.[2] وسمّاه المؤرخون المسلمون ملك الإنكتار.[3]
في عمر السادسة عشرة، قاد ريتشارد جيشه، وأخضع التمردات على عرش أبيه هنري الثاني ملك إنجلترا في بواتو.[2] كما كان ريتشارد القائد الرئيس خلال الحملة الصليبية الثالثة، بعد أن رحل فيليب الثاني ملك فرنسا، وحقق انتصارات معقولة على منافسه المسلم صلاح الدين الأيوبي، بالرغم من عدم استطاعته الاستيلاء على القدس.[4]
تحدث ريتشارد لهجة (Langues d'oïl) وهي لهجة غالو رومانسية، إضافة إلى القسطانية وهي لغة أيضًا رومانسية كانت منتشرة في جنوب فرنسا والمناطق القريبة منها.[5] لم يُمض ريتشارد وقتًا طويلاً من حياته في مملكة إنجلترا، حيث عاش في دوقية أقطانية في جنوب غرب فرنسا، مفضلاً جعلها حائط صد لحماية مملكته.[6] كان أتباعه يعتبرونه بطلاً تقيًا. كما أنه من الملوك القلائل في إنجلترا، الذي غلب لقب شهرته (ريتشارد قلب الأسد) على لقب ترتيبه (ريتشارد الأول)، كما يعتبر من أيقونات إنجلترا وفرنسا.[7]
التجهيز للحملة الصليبية
صورة رسمتها ماري-جوزيف بلونديل لريتشارد في القرن التاسع عشر.
بعد أن أصبح ريتشارد ملكًا، وافق هو وفيليب، على الذهاب في الحملة الصليبية الثالثة، لأن كليهما خشى أن يغتصب الآخر أراضيه في غيابه.[57] وبدأ في تجهيز الجيش الصليبي الجديد، فأنفق معظم ما في خزانة والده (الممتلئة بالأموال التي جمعتها عشور صلاح الدين)، وزاد الضرائب، وحتى وافق على إطلاق سراح الملك ويليام الأول ملك إسكتلندا نظير قسمه بأن يدفع لريتشارد 10,000 قطعة فضية. ولجمع المزيد من الأموال، باع العديد من الألقاب الرسمية والامتيازات والأراضي للراغبين.[58] كما إضطر من يحملون ألقابًا بالفعل لدفع مبالغ ضخمة للاحتفاظ بمناصبهم. فدفع ويليام لونغشامب أسقف إيلي ومستشار الملك 3,000 قطعة فضية للاحتفاظ بمنصبه كمستشار للملك.[59]
كما قام ريتشارد بعض الترتيبات النهائية في أراضيه في القارة،[60] فعيّن ويليام فيتزرالف حاكمًا على نورماندي. وفي أنجو، أقال ستيفن التوري من منصبه كحاكم، وسجنه مؤقتًا لسوء إدارته المالية، واستبدله بباين دي روشفور. وفي بواتو، عين بيتر بيرتن حاكمًا، وفي غاسكونية، اختار لها هيلي دي لا سيل حاكمًا. ثم انطلق في الحملة الصليبية في صيف 1190.[60] وعين هيو دي بوسيه أسقف دورهام وويليام دي ماندفيل إيرل إسكس كأوصياء على العرش، لكن سرعان ما توفي الأخير وخلفه مستشار ريتشارد ويليام لونغشامب،[61] وهي القرارات التي لم ترض جون شقيق ريتشارد.
انتقد بعض المؤرخين ريتشارد لقضاء ستة أشهر فقط من حكمه في إنجلترا، ومصّ موارد المملكة لدعم حملته. فيقول المؤرخ ويليام ستابس:
كان ملكًا سيئًا. إلا أن مآثره العظيمة كمهارته العسكرية وسخائه وتذوقه للشعر وروحه المغامرة، لم تشفع له ليتعاطف معه شعبه. لم يكن إنجليزيًا، لكن ذلك لا يعني أنه منح نورماندي أو أنجو أو أقطانية الحب أو الرعاية التي حرم منها مملكته. كان طموحه كمحارب: أن يقاتل من أجل أي شيء أيا كان، لكنه على استعداد لأن يبيع أي شيء قاتل من أجله. كان المجد الذي سعى خلفه هو النصر لا الفتح.[62] تذرع ريتشارد بأن إنجلترا "باردة والسماء تمطر دومًا"، وعندما كان يجمع الأموال لحملته، قال أنه "على استعداد لبيع لندن لمن يشتري."[63] ومع ذلك، على الرغم من إنجلترا مثلت قيمة كبيرة وجزءً كبيرًا من أراضيه، وبالأخص لأنها منحته لقب ملكي جعله على قدم المساواة مع الملوك الآخرين، لم توجه إنجلترا له أي تهديدات داخلية أو خارجية كبيرة خلال فترة حكمه، على عكس أراضيه في القارة، لذا لم تتطلب حضوره الدائم هناك. وكمعظم ملوك بلانتاجانت قبل القرن الرابع عشر، لم يكن في حاجة لاستخدام اللغة الإنجليزية على نطاق واسع. وبتركه البلاد في أيدي عدة مسؤولين (بما فيهم والدته)، أصبح ريتشارد أكثر قلقًا على أراضيه الفرنسية الواسعة. وبعد كل تجهيزاته تلك، أصبح لديه جيشًا من 4,000 رجل مثقل بالأسلحة، و4,000 جندي مشاة وأسطولاً من 100 سفينة.
احتلال صقلية
توج تانكريد ملكاً على صقلية عام 1189 بعد وفاة ويليام الثاني على الرغم من أن كونستانس زوجة الإمبراطور هنري السادس كانت الوريثة الشرعية للحكم. زج الملك تانكارد الملكة جوان بالسجن ورفض إعطائها ميراثها المستحق، وهي أرملة ويليام وأخت ريتشارد. وفي سبتمبر 1190، وصل كل من ريتشارد وفيليب إلى جزيرة صقلية.[64] وفور وصول ريتشارد طالب تانكارد بإطلاق سراح أخته وإعطائها الميراث. خرجت جوان من السجن في 28 سبتمبر ولكن تانكارد رفض إعطائها ميراثها.[65]
شعر سكان مسينا بالضيق نتيجة تواجد قوات أجنبية على أرضهم، فثاروا مطالبين بخروجهم.[66] فهاجم ريتشارد مدينة مسينا واستولى عليها في الرابع من أكتوبر عام 1190.[66] وبعد سلب ونهب وحرق المدينة، أسس ريتشارد قاعدة له فيها. خلق هذا العمل حالة من التوتر بين ريتشارد وفيليب. بقي ريتشارد في صقلية حتى وافق تانكارد أخيراً على توقيع معاهدة. تم توقيع المعاهدة في 4 مارس 1191 بين كل من ريتشارد وفيليب وتانكارد.[67] كانت شروطها الأساسية:
تحصل جوان على 20,000 أونصة من الذهب تعويضاً لها على الميراث الذي لم يعطها إياه تانكارد.
أعلن ريتشارد رسمياً ابن أخاه آرثر دوق بريتاني ولي عهده ووريث حكمه، وعلى تانكارد أن يعده بتزويج آرثر إحدى بناته عندما يبلغ سن الرشد.
بقي ريتشارد وفيليب في صقلية بعضاً من الوقت، مما أدى إلى زيادة حدة التوتر بينهما، حتى أن فيليب أراد التآمر مع تانكارد على ريتشارد.[68] لكن الخصومة انتهت عند لقائهما حيث توصلا إلى اتفاقية تضمنت إنهاء خطبة ريتشارد لأليس شقيقة فيليب.[69]