25-10-2024
|
|
احترام ذوي الهمم
/
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فإن الإعاقة أمر رباني من قضاء الله وقدره الذي يختبر به عباده؛ فمنهم من يصبر ويحتسب، وينجح في ذلك الامتحان، ومنهم من يتذمَّر ويشكو ويسيء الأدب مع الله، واللبيب من تصبَّر واحتسب، وعلِم أن الدنيا زائلة وتنتهي بين عشية وضحاها، فجعل ذلك الابتلاء مصدرًا للحسنات له سهلَ المنال، أو ربما ليس بسهل تحمُّل ذلك البلاء، ولكنه أسهل من قيام الليالي، وصيام الأسابيع والشهور، وإنفاق الأموال لجمع الحسنات، فالْمُبْتلى تُغفَر خطاياه ويرجع كيوم ولدته أمه، إن صبر وحمِد الله، وحفِظ إيمانه ويقينه به؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: إني إذا ابتليتُ عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمِدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب عز وجل للحفظة: أنا قيَّدت عبدي هذا وابتليتُه، فأجْرُوا له كما كنتم تُجْرون له وهو صحيح))[1] ، وما من ألم ولا مرض ولا حزن يصيب المسلم وصبر عليه، إلا وكفَّر عنه من ذنوبه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكةِ يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه))[2] ، وكل الناس مبتلًى؛ مسلمهم وكافرهم، فالبلاء سنة الله في الأرض، وجزء من التكليف والامتحان الذي وضعه الله لبني آدم، فالصبر فيه هو طريق الفَرَجِ من ذلك البلاء، والشفاء بإذن الله، وهو باب للأجر الكبير؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، والتذمُّرُ على أقدار الله لا يرفع البلاء، بل يجلب سخط الله، وربما يؤخر رفع البلاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الصبر مِفتاحُ الفَرَج، والزُّهْدُ غِنى الأبد))[3].
ومن المؤسف أن ترى المجتمع يعامل هؤلاء المعاقين بسلبية وعدم احترام، وما ذنبهم في هذا البلاء؛ إنه قدر الله الذي كتبه عليهم، وهم صابرون محتسبون، وقد أعطاهم الله من القدرات والمواهب ما يعوضهم عن النقص، ويرفع عنهم الخِذلان والفشل، ومع ذلك تجد أناسًا ينظرون إلى المعاق على أنه لا يُحتسَب أو يُعَدُّ مع البشر، فلا يعطوهم فرصة حتى لإثبات مهاراتهم وقدراتهم، ولا تفتح لهم فرص في مجال العمل، ولا حتى المشاركة في المناسبات الاجتماعية والمسابقات ونحوها.
فلماذا هذه المعاملة والتنقيص في حقهم؟ هل لأن الله كتب عليهم ذلك؟ بل إن الله اختارهم لهذا البلاء من دون البشر؛ ربما لأنه رأى فيهم القدرة على الصبر والتحمل، أو أنهم متفضلون على بقية الناس بالورع وشدة العزم، وقد تخطَّت المجتمعات الأوربية هذه المرحلة، وبدؤوا بمعاملة المعاقين باحترام، والسماح لهم بالمشاركة في المجتمع، وخصصت لهم فرص العمل، بل إن بعض الدول تفضِّلهم حتى في المعاملة على الأسوياء، فتجد لهم أماكن مخصصة لإيقاف السيارات في الأمام، وتخصص لهم العربات داخل الأسواق وفي المطارات وغيرها، وتمنحهم الدولة مرتبات شهرية، وتخصص لهم نسبة للتوظيف تُفرض على كل شركة، وغيرها من المميزات التي لا يطولها الأصحَّاء، بينما في مجتمعات المسلمين لا يملك هؤلاء في الغالب سوى التسول؛ حيث لا يُعينهم أحد، ولا يهتم لأمرهم إلا القليل، ولا تُتاح لهم الفرص ليكونوا أفرادًا منتجين كغيرهم من الناس؛ حيث يتم رفضهم بمجرد سماع أن بهم كذا وكذا، رغم أن منهم من يمتلك من المواهب الجبارة التي لا يمتلكها الأسوياء، فتجد منهم من يجيد السباحة، ومنهم من يجيد الرسم والكتابة، والحساب والعلوم، وغيرها ومن المواهب، ولو أن الدول الإسلامية حاولت استغلال هذه المواهب والطاقات الجبارة، لَدفعت الأمة إلى التطور، ودعمت حركة نمو التقنية والاختراع والابتكار.
ولا يقتصر الأمر على حرمانهم من الفرص فحسب، فللأسف هناك من مرضى القلوب من ينظر إليهم باحتقار وتنقيص وقرف، وكأنهم وباء على المجتمع يجب إزالته، فمثل هؤلاء الناس لا يعرفون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تعاليم الإسلام؛ فإن الله تعالى خصص لهم الأعذار، وتكلم عنهم في القرآن دون تنقيص من شأنهم؛ قال تعالى في عذرهم للتخلف عن الجهاد: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 17]، ولا يزالون مع ذلك ينالون أجورهم كاملة في صبرهم وطاعتهم واحتسابهم، بل إن أهل العافية يغبطونهم يوم القيامة، ويتمنَّون لو أنهم كانوا منهم لِما يرَون من ثوابهم وما عوضهم الله به في الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطَى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض))[4] ، ولا يعني ذلك أن يتمنى الإنسان المرض في الدنيا، فربما يُفتن به أو لا يستطيع تحمله، ولكن إن ابتلاه الله به فليصبر ويحتسب، وليبشر بالأجر من الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، وقد أعدَّ الله تعالى لهم من الأجر والثواب لصبرهم واحتسابهم الكثيرَ يوم القيامة؛ حيث قال الله في شأن الصابرين: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ [الفرقان: 75]، وقال: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]، وهذا نالوه بالصبر فقط، فلم يذكر أنهم صاموا الدهور، وقاموا الليالي في العبادة، فطوبى لهم ولما وهبهم الله من الأجور السهلة؛ فالصبر على البلاء أسهل من العمل الكثير، والإنسان لا بد وأن يصبر على المرض، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، فهناك من أصحاب الإعاقات من ليس له علاج، وهو كافر وسيموت ويذهب إلى مصيره، فيتعذب في الدنيا بالإعاقة والمرض، ويتعذب في الآخرة في الجحيم والعياذ بالله، ولكن المسلم المعاق قد عوضه الله في الآخرة، وكثير من المعاقين عاشوا حياة طيبة بمحبة الناس لهم، وعونهم، وبالفرح بمواهبهم وهباتهم التي أعطاها الله لهم، فيا لحظهم الوفير في الدارين!
hpjvhl `,d hgill hpjvhl
hpjvhl `,d hgill `,n
|