30-12-2019
|
|
"من يسلم تسليمة واحدة"
• حدَّثَنا أبو مصعبٍ المدينيُّ أحمدُ بن أبي بكرٍ، حدَّثَنا عبدُالمهيمن بنُ عبَّاس بن سهلِ بنِ سعدٍ الساعدي، عن أبيه، عن جَدِّه: "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سلَّم تسليمةً واحدةً تلقاءَ وجهِه".
هذا حديثٌ إسنادُه ضعيفٌ؛ لضعفِ عبدِالمهيمن المذكور قبْل، وعندَ الدارقطنيِّ: "عن يمينِه، لا يَزيد عليها"[1].
• حَدَّثَنا هشامُ بنُ عمَّار، ثَنا عبدُالملك بن محمَّد الصنعانيُّ[2]، ثَنا زُهيرُ بن محمَّد، عن هِشامٍ[3]، عن أبيه، عن عائشةَ: "أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُسلِّم تَسليمةً واحدةً تلقاءَ وجهِه".
هذا حديثٌ قال فيه الحاكمُ: صحيحٌ على شرط الشيخين، وقدْ رَوَى وُهيبُ بن خالد، عن عُبيدِالله بن عُمرَ، عنِ القاسمِ، عن عائشةَ: "أنَّها كانتْ تسلم تسليمة واحدة"[4]، وذَكَر ابنُ خزيمة في صحيحِه حديثَ عائشة المرفوع بزِيادة: "يَميل إلى الشقِّ الأيمن قليلاً"[5]، والموقوف بزيادة: "لا تلتفت عن يَمينِها، ولا عن شِمالِها"[6]، وذكَر مِن حديثِ وهيبٍ أيضًا، عن هشامٍ، عن أبيه: "كان يُسلِّم واحدةً: السلام عليكم"[7]، وقال الترمذيُّ: حديث عائشة لا نَعرِفه مرفوعًا إلا مِن هذا الوجْه، وقال محمَّدُ بنُ إسماعيلَ: زُهيرُ بنُ محمَّد أهلُ الشام يَروون عنه مناكِير، ورِوايةُ أهل العِراق عنه أشْبَه، وقال أحمدُ بن حنبلٍ: كأنَّ زهيرَ بنَ محمَّد الذي وقَع عندَهم ليس هو هذا الذي يَروي عنه أهلُ العِراق، كأنَّه رجلٌ آخَر، قلَبوا اسمَه، وأصحُّ الرِّواياتِ عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم تَسليمتين في الصلاةِ، وعليه أكثرُ أهلِ العِلم مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم، ورَأَى قومٌ مِن الصحابة وغيرِهم تسليمةً واحدةً في المكتوبة؛ قال الشافعيُّ: إن شاء سلَّم تسليمةً واحدة، وإن شاء سلَّم تسليمتين[8]، وبنحوه ذكره أبو عليٍّ الطوسيُّ في أحكامه، وقال ابنُ حزم: أمَّا تسليمة واحدة فلا يصحُّ فيها شيءٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ الأخبارَ في ذلك إنَّما هي مِن طريقِ محمَّد بن الفرَج عن محمَّد بن يونس، وكِلاهما مجهول، أو مُرسَل من طريقِ الحسَن، أو مِن طريقِ زُهَير بن محمَّد، وهو ضعيفٌ، أو مِن طريقِ ابن لَهِيعةَ، وهو ساقِط[9]، وقال ابنُ أبي حاتمٍ في كتاب "العلل" عن أبيه: هذا حديثٌ منكَر، إنَّما هو عن عائشةَ موقوف[10]، وقال أبو عُمر بنُ عبدِالبَرِّ: حديث عائشةَ لم يرفعْه إلاَّ زهيرُ بن محمَّد وحْدَه، وزهيرٌ ضعيفٌ عندَ الجميع، كثيرُ الخطأ، لا يُحتجُّ به، وذُكِر ليحيى بن معين هذا الحديث، فقال: عمرُو بن أبي سلمة وزُهَير ضعيفان، لا حُجَّةَ فيهما[11]، وأقرَّه على هذا أبو محمَّد، وأبو الحسن، وابنُ المواق، وكأنَّه غيرُ جيِّد في موضعين:
الأول - قوله: لم يرفعْه غيرُ زهير؛ لما ذَكَر الحافظُ ضياءُ الدين المقدسيُّ في باب مَن رَوَى تسليمة: عن عائشةَ قالت: "كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أَوْتَر بتِسع لم يقعدْ إلاَّ في الثامنة، فيَحْمَد الله، ويُكبِّره، ثم يَنهَض، ولا يُسلِّم، ثم يصلِّي التاسعةَ، فيجلس، فيذكُر الله عزَّ وجلَّ ويدْعو، ويُسلِّم تسليمةً يسمعنا، ثم يُصلِّي ركعتين وهو جالسٌ، فلمَّا كبِر وضعُف أوترَ بسبعِ رَكعات، لا يَقعُد إلاَّ في السادِسة، ثم يَنهض ولا يُسلِّم، ثم يُصلِّي السابعةَ، ثم يُسلِّم تسليمةً"، ورواه الإمامُ أحمدُ، والنَّسائيُّ، وهذا لفظُه، زادَ أحمد: ثم يُسلِّم تسليمةً واحدةً: ((السلام عليكم))، يرفَع بها صوتَه حتى يوقظنا، ورواه النسائيُّ عن إسماعيل بن مسعود: ثنا خالدٌ، ثنا شُعْبَةُ، ثنا قتادةُ، عن زُرارة بن أوْفَى، عن سعدِ بن هِشام عنها[12].
الثاني - قوله: وهو ضعيفٌ عندَ الجميع، كثيرُ الخطأ، لا يُحتجُّ به، ليس كذلك؛ لما ذَكَره الحاكمُ في تاريخ بلدِه: قال عيسى بن يونس: ثنا زُهيرُ بن محمَّد وكان ثِقةً، وقال العجلي: لا بأسَ به، وذَكَره ابنُ حبَّان، وابنُ شاهين في الثِّقات، وقال عثمانُ بن سعيدٍ الدارميُّ، وصالِح بن محمَّد: ثِقة صدوق، وقال يحيى بنُ مَعينٍ: ثِقة، وقال ابن عديٍّ: أرجو أنَّه لا بأسَ به، وقال موسى بن هارون: أرجو أنَّه صدوق.
• حَدَّثَنا محمَّدُ بنُ الحارثِ المِصريُّ، ثَنا يحيى بنُ راشد، عن يَزيدَ مولى سلمةَ، عن سلمة بن الأكوع قال: "رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى، فسَلَّم مرةً واحدةً".
هذا حديثٌ إسنادُه صحيح، وإن كان يحيى بنُ راشدٍ المازني البصريُّ البرَّاء - وفي نُسخة: البَّكاء - قد مُسَّ؛ فقد قال فيه البخاريُّ في "تاريخه الكبير": ثِقة، وقال أحمدُ بن صالح العِجليُّ: ثِقة صاحِبُ حديث، وذَكَره البستيُّ في "الثقات"، وخرَّج الحاكمُ حديثه في مستدركه، وقال الدارقطنيُّ: صُوَيلح يُعتبَر به.
وفي الباب: حديث أنس بن مالك: "أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُسلِّم تسليمةً واحِدةً"؛ يَعني: في الصلاةِ المكتوبة، رواه الحاكمُ في تاريخِ بلدِه مِن جِهة أبي بكرِ بن أبي شَيبةَ، ثَنا يونسُ بنُ محمَّد، ثنا جريرُ بن حازمٍ، عن أيوبَ عنه[13]، وقال أبو عُمرَ في "الاستذكار": حديثُ أنسٍ لم يأتِ إلاَّ مِن طريقِ أيوبَ عن أنس، ولم يَسمعْ أيوبُ مِن أنس عندَهم شيئًا[14]، انتهى كلامه، وفيه نظَر؛ لما رواه أبو القاسمِ في "الأوسط" بسندٍ صحيحٍ متَّصل على رسمِ البخاريِّ مِن حديثِ عبدالله بنِ عبدالوهاب الحجبيِّ: ثنا عبدُالوهاب بنُ عبدالمجيد الثقفيُّ، عن حُمَيدٍ عن أنس، وقال: لم يرفع هذا الحديثَ عن حميدٍ إلاَّ عبدُالوهاب، تفرَّد به الحجبيُّ[15].
وحديثُ الحسَن عن سَمُرة: "أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُسلِّم تسليمةً واحدةً تلقاءَ وجهِه"؛ ذكره أبو أحمد الجرجانيُّ، وردَّه بروحِ بنِ عطاء بنِ أبي ميمونة[16]، ورواه أيضًا الكجي في "سُننه" عن الشاذَكُونيِّ عن روحٍ، عن أبيه، عنه، وقال مُهَنَّا: سألت أبا عبدِالله عن التسليمِ في الصلاةِ واحدةً، فقلت: أتعرِف فيه شيئًا عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقال: حديثٌ حدَّثني به سليمانُ بنُ داودَ الهاشمي عن إبراهيمَ بن سعدٍ عن ابنِ أخي[17] ابن شهابٍ، عن عمِّه: "أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُسلِّم واحدةً"، قلت: أكان هذا عندَ يعقوب عن أبيه؟ قال: لا، قال أبو عمر: قد رُوي مِن مُرسَل الحسين: "أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكرٍ وعُمرَ كانوا يسلِّمون تسليمةً واحدةً"، ذكَره وكيعٌ، عنِ الربيع، عنه، ورُوي عن عثمان، وعليٍّ، وابن عُمرَ، وابن أبي أَوْفَى، وأنسِ بن مالك، وشقيقِ بن سَلمةَ، ويحيى بن وثَّاب، وعمرَ بنِ عبدِالعزيز، وابنِ سِيرينَ، والحسَن، وأبي العالية، وسُوَيدِ بن غَفَلةَ، وأبي رَجاء، وقيس بن أبي حازمٍ، وعبدِالرحمن بن أبي لَيلَى، وسعيدِ بن جُبَير - أنَّهم كانوا يُسلِّمون تسليمةً واحدةً، وقدِ اختُلف عن أكثرهم، فرُوي عنه التسليمتانِ كما رُوِّينا الواحدة، والعمل المشهورُ بالمدينة التسليمةُ الواحِدة، وهو عمَلٌ توارثه أهلُ المدينة كابرًا عن كابِر، ومثله يصحُّ به الاحتجاجُ بالعملِ في كلِّ بلد، وكذلك العملُ بالكوفةِ مستفيضٌ عندهم بالتسليمتين، كما رُوِّينا أيضًا، وكلُّ ما جرَى هذا المجرَى فهو اختلافٌ في المباح، وقال أبو حنيفة وأصحابه، والثوريُّ، والأوزاعيُّ: السلام ليس بفَرْضٍ، قالوا: ويخرُج مِن الصلاة بما شاءَ مِن الكلام وغيرِه، وهو قولُ النَّخعِي، وقال مالك، واللَّيْث، والحسَن بن صالِح بن حي، والشافعي: السلامُ فَرْضٌ، وتركُه يُفسِد الصلاةَ، إلاَّ أنَّ ابن حيٍّ أوجبَ التسليمتين معًا، وقال الطحاويُّ: لم يَجِد هذا القولَ عن غيرِه[18].
[1] سنن الدارقطني (1/359).
[2] كذا بالأصل، وهو الصوابُ، وقد تصحَّف في المطبوعِ إلى الصغاني، وهو مِن صنعاء دِمشق.
[3] كذا بالأصل، وفي المطبوع: هشام بن عُروة.
[4] المستدرَك (1/230-231).
[5] ابن خزيمة (729)، وفيه: (شيئًا) مكان (قليلاً).
[6] ابن خزيمة (730)، (732).
[7] ابن خزيمة (731).
[8] الترمذي (2/90-93) رقم (296).
[9] المحلَّى (3/279).
[10] عِلَل الحديث (1/148) رقم (414).
[11] الاستذكار لابن عبدِالبَرِّ (4/293-296).
[12] النَّسائي (3/240)، وأحمد (6/236)، وهو في "السنن والأحكام" للمقدسيِّ (121-122) رقم (1537).
[13] أخرجه أبو بكر بنُ أبي شَيبةَ في "المصنَّف" (1/335).
[14] الاستذكار (1/296).
[15] المعجم الأوسط للطبراني (8473).
[16] الكامل (3/141-142)، وقال: هذا الحديثُ عن سَمُرةَ مِن حديثِ الحسَن عنه، يَرويه روح بن عطاءٍ، عن أبيه، عنه، وهذا ليس صريحًا في ردِّه إيَّاه، والله أعلم.
[17] في الأصل: عن إبراهيمَ بن شِهاب، والظاهر أنَّ الصواب ما أثبت، والله أعلم.
[18] الاستذكار (4/296-298).
"lk dsgl jsgdlm ,hp]m" lk dsgl jsgdlm ,hp]m
"lk dsgl jsgdlm ,hp]m" lk dsgl jsgdlm ,hp]m
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|