خلال الحديث بينهما تراكضت أحداث سابقة لذهن هشام
مثل إحالة مديره السابق للتقاعد ورفض المدير الجديد إجراء
مراسم توديعه في حفل مصغّر بالإداره مما جعل أحدهم يقيم
الحفل بمنزله في سكن الموظفين الملاصق لجهة العمل ليتفاجأ
هشام أن المنزل يعود لوالد حنان .. الفتاة التي تعرّف إليها
حين إتصلت خطئاً ببريد هشام الصوتي بدلاً من بريد والدها
فأدركت أنه للشاب الذي يثني والدها دائماً عليه ويتمنى نقله
للعمل معه لولا رفض مديره الحالي ومجرد أن قال هشام أسمه
(يتطلب الرد تعريف صاحب البريد بإسمه) وكأن نبرات صوته
هي أول بوادر العبث بمشاعر حنان وكبداية لفصول مراهقتها
الجميله وربما يكون الجذب من إنسياب الهدوء في حروفه ...
فتحدثت لصديقاتها عن ذلك فشجّعنها للتعرّف عليه خصوصاً
أن والدها يثني عليه .... وأصابها خوف عندما هدّدتها إحدى
صديقاتها بأنها إن لم تتحرّك نحوه فستقوم هي بذلك ....
فإتصلت به مجدداً في اليوم التالي ومجرد أن سمعت صوته بدأ
كل شيء يتجمّد في جسدها حتى صوتها تراكم في حلقها ولم
تستطع البوح به ... وجاء صوته مجدداً: مرحبا .... لكنها عجزت
حتى أن تقول له شيئاً ... وما هي إلا دقائق حتى بدأت إتصالات
صديقاتها في الضغط عليها للإستمرار ... ولكن ماذا ستقول له
ومرّت عطلة نهاية الأسبوع لتأخذ فرصتها في التفكير في شيء
يسمح لها بالحديث معه ... ويبدأ الدوام ولم يستقر لها أمر ...
إلا رغبة الإتصال به مجدداً وكان ذكيّاً حين حوّل هاتفه للبريد
الصوتي وترك رساله تقول: عذراً أرجو الإتصال إلى الرقم التالي
وهو رقم هاتف جواله متعذّراً لمديره بأن ظرف غيابه لن
يعيقه عن إكمال ما يتطلّب العمل منه ... وسرعان ما إتصلت به
لتطلب منه أن يلغي هذه الرساله لسبب لن تقوله له إلا بعد أن
يقوم بذلك وفعلاً نفّذ لها ما طلبته منه وحين تأكدت أن ذلك
حدث بالفعل أخبرته أنها سمعت من الفتيات ما يتعلّق ببريده
الصوتي وتخشى أن يزعجه أحدٌ منهنّ ... قال لها كلمه أرعبتها
فقطعت الإتصال وسط فرحة عارمه في وجدانها ومشاعرها
حين قال شكراً لإهتمامك بي ... ضحك كثيراً من سلوكها
وأسلوبها البريء والعفوي معه ... وحاولت أن تتصل به لكنها لا
تقوى على محادثته وفي يومٍ من الأيام صمّمت أن تتجرأ قليلاً
وتتحدث إليه لكن الوقت قد فات حين ترك رسالة برقم جواله
نظراً لعودته للرياض لقضاء إجازته السنوية وطالت الإجازة ولم
تستطع تحمّل هذا العبث الفكري الذي حدث لها فاتصلت به
وتحدثت إليه وعرفها وقال لها كنت أقصدك حين وضعت
رقمي لأن إجازتي إقتربت على الأبواب ولا أعلم سبباً لذلك
لكن ندمت لأنني وجدت إتصالات كثيره تأتي على جوالي دون
أن يتحدثن (ليرى ردّة فعلها) فأخبرته أن رقمه إنتشر بين بنات
مدرستها وطلبت منه ألا يردّ عليهن لأن هناك من يسجّل
صوته لتتفاخر بمعرفته فأدرك خطورة أن يعرف الموظفين
أن رقمه بيد بناتهم وحوّل جهازه للبريد الصوتي ولم يستقبل
حتى إتصالاتها قبل أن تنتهي إجازته ويعود إلى عمله ...
وما إن وصل للشرقيه حتى إتصلت به وكان الإتصال يوحي أن
الطرفين مستعد للدخول بعمق في علاقة هادئه... وحرّكتها
المشاعر وثورة المراهقه أن تسأله عمن إتصل به وتخشى أن
يسبقها أحد عليه ثم أخبرته أنها في يوم ميلادها تتمنى أن تراه
ليكون لهذا اليوم أجمل ذكرى ... فوعدها وأخذ وصفاً لمنزلها
وحين وصل البيت ودخله وجد به زورقاً بحرياً جميلاً وسيارة
فارهه ... وكانت في أجمل لبسها فأدخلته المجلس وهو مكتظ
بالفتيات اللاتي حضرن الحفلة لمعايدتها وأحضرن هداياهنّ لها
فابتسم وتذكّر قصة يوسف حين دخل على نساء المدينه وكأن
نظراتهن تريد أن تأكلنه أما حنان فتعيش أجمل شعور وسعادة
أنها إنتصرت على الفتيات وحظيت به ولم يكن في الحقيقة
عيد ميلاد حقيقي لكنها أرادت أن تُظهِر قدرتها أمام الفتيات
أنها إستطاعت أن تنل قلبه نظر إلى الفتيات ثم نظر إليها وهو
يسلّمها هديتها وقال هناك هدية أخرى حين تصبحي طبيبه
ها هو أمام منزل والدها مجدداً في مناسبة أخرى وهي وداع
مديرهم السابق مما أحدث له صدمه أن يكون البيت لوالد أول
فتاة يتعرف عليها وهو نفس المنزل الذي دخله لتقديم هدية
عيد ميلاد إبنته .... ليقرر بعد ذلك هشام إلى الإعتذار في
الإستمرار مع حنان لأنه لا يخون شخصاً إئتمنه يوماً .
وتفرّقا فانكسر قلبها رغم أنه قال لها كلمات غيّرت حياتها ...
سنعود في الجزء القادم إلى تكملة ذلك الإتصال الذي
بدأناه في الجزء الأول وهو عودة حنان إلى هشام
ومبررات الإتصال