أولاً: حال الاحتضار:
إذا بلَغ بالمريض شدَّة المرض إلى حالة الاحتضار، فعلى الحاضِرين ما يلي:
أ- أنْ يُلقِّنوه الشهادة؛ فعن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله))[1].
وعن معاذ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخَل الجنة))[2].
ب- وعلى الحاضرين كذلك أنْ يَدْعوا له، ولا يَقولوا إلاَّ خيرًا؛ فعن أُمِّ سلَمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا حضَرتُم المريض أو الميِّت، فقولوا خيرًا؛ فإنَّ الملائكة يُؤمِّنون على ما تقولون))[3].
ملاحظات:
1- معنى التلقين: تذكيره بالشهادة، ويَجوز بأنْ يُسمِعه الشهادة، فيتذكَّرها المُحتضَر، ويجوز أنْ يقول له بصيغة الأمر: قل: لا إله إلا الله، وقد ذهَب بعض أهل العلم إلى إسماعه فقط الشهادة بجواره، وعدم أمْره بها؛ حتى لا يَضْجَر، والصحيح جواز الأمر؛ لما ثَبَت في الحديث أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عاد رجلاً من الأنصار، فقال: ((يا خالُ: قل: لا إله إلا الله))؛ الحديث[4].
2- ذهَب جمهور العلماء أنه إذا أتى بالشهادة مرَّة، لا يُعاوَد، ما لَم يتكلَّم بعدها بكلامٍ آخَر.
3- قال النووي: "وينبغي أنْ يُقال: لا يُلقِّنه مَن يَتَّهِمه؛ لكونه وارثًا، أو عدوًّا، أو حاسدًا، أو نحوهم"[5].
4- ليس هناك حديث صحيح على استحباب قراءة سورة (يس) عند الاحتضار أو غيرها، والأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة.
5- لا أعلم حديثًا صحيحًا في استحباب توجيه المُحتضَر إلى القِبلة، والأحاديث الوارِدة في ذلك ضعيفة.
ثانيًا: بعد الموت:
إن مات، فعلى الحاضرين أمور:
أ- إغماض عينَيه والدعاء له؛ فعن أُمِّ سلَمة - رضي الله عنها - قالت: دخَل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أبي سلَمة، وقد شَقَّ بصرُه، فأغمَضه، ثم قال: ((إنَّ الرُّوح إذا قُبِض، تَبِعه البصرُ))، فضَجَّ ناس من أهله، فقال: ((لا تَدْعوا على أنفسِكم إلاَّ بخيرٍ؛ فإنَّ الملائكة يُؤمِّنون على ما تَقولون))، ثم قال: ((اللهمَّ اغفِر لأبي سلَمة، وارفَع درجتَه في المَهديِّين، واخْلُفه في عقِبه في الغابرين، واغفِر لنا وله يا ربَّ العالمين، وافْسَح له في قبره، ونوِّر له فيه))[6].
ومعنى (شَقَّ): شَخَص ورفَع بصرَه، و(الغابرين): الباقين، والمراد: كُنْ خليفةً له في ذريَّته.
ب- تغطيته بثوبٍ يَستُر جميع بدنه؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين تُوفِّي، سُجِّي ببُردِ حِبَرَةٍ[7].
ومعنى (سُجِّي): غُطِّي، (بُرد): ثوب يَشمَل جميع البدن، (حِبَرَة): نوع من الثياب تُصنَع باليمن.
ج- الإسراع بتجهيزه بعد تَحقُّق موته؛ وذلك لعموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسْرِعوا بالجنازة))[8].
د- الإسراع بإنفاذ وصيَّتِه، وقضاء ديونه؛ فعن سعد بن الأَطْول - رضي الله عنه -: أنَّ أخاه مات وتَرَك ثلاثمائة درهم، وترَك عيالاً، قال: فأردتُ أنْ أُنفِقها على عياله، قال: فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أخاك مَحبوس بدَيْنه، فاذْهَب فاقْضِ عنه))؛ الحديث[9].
قال الشيخ الألباني: "فإن لَم يكن له مالٌ، فعلى الدولة أنْ تُؤدِّي عنه إنْ كان جَهِد في قضائه"[10]، ثم استدلَّ على ذلك بحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حَمَل من أُمتي دَينًا، ثم جَهِد في قضائه، فمات ولَم يَقضِه، فأنا وَليُّه))[11].
وإذا كانت هذه الديون لَم يَحلَّ وقتُ سدادها، أو كانت عبارة عن أقساط، فلا يَلزم التعجيل بسدادها، بل يَتحمَّلها الورثةُ، وتُسدَّد في ميعادها، وتَبرَأ بذلك ذمَّة الميِّت[12].
ملاحظات:
1- استحبَّ العلماء بعض الأمور لَم يأتِ بها نصوص، لكن فيها مصلحة للميِّت، وتسهيل عند غسْله وتكفينه، فهي للمصلحة ولا بأس بها؛ لعموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن استطاع منكم أنْ ينفعَ أخاه بشيءٍ، فليَنفعه))، ومن هذه الأمور التي استحبَّها العلماء:
• شدُّ لَحْيَيه؛ حتى لا يَقبُحَ منظرُه؛ وذلك بوضْع رِباط تحت ذقنه، ويُربَط على رأسه؛ لإغلاق الفم.
• تَليين مَفاصِله؛ وذلك بأنْ يَضُمَّ الساعد إلى العَضُد، ثُمَّ يَردَّه، ويَضمَّ ساقه إلى فَخِذه، وفَخِذَه إلى بطنه، ثم يَمدَّه، ويُلَيِّنَ أصابعه.
2- يَنبغي التحقُّق من الوفاة، خاصة لِمَن مات فجأَة؛ خَشية أن يكون في غيبوبةٍ، ولا مانعَ من الاستعانة على ذلك بالوسائل الطبيَّة التي بها يُعرَف تَحقُّقُ الموت.
3- يجوز أخذ عيِّنات من الميِّت؛ لمعرفة سبب الوفاة، خاصَّة إذا كان هناك شُبهة جنائيَّة.
4- ولا مانعَ كذلك من وضْع الميِّت في ثلاَّجة تَحفَظ بدَنه، لا سيِّما إذا كان الأمر سيَطول قبل تَجهيزه لسببٍ ما.
5- ليس هناك دليلٌ على استحباب توجيه الميِّت قبل تَغسيله إلى القِبلة؛ وإنَّما يكون ذلك في القبر.
6- ليس هناك ذِكرٌ مُعيَّن عند تغميض عين الميِّت أو تَسْجيته، إلاَّ ما ورَد في الدعاء له كما تقدَّم.
7- يجوز كشْف وجْه الميِّت وتَقْبيله، والبكاء عليه؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أقبَل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرسه من مسْكنه، حتى نَزَل فدخَل المسجد، وعمر يُكلِّم الناس، فلم يُكلِّم الناسَ حتى دخَل على عائشة - رضي الله عنها - فتيمَّم النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو مُسجًّى ببُردِ حِبَرَةٍ، فكشَف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه، فقبَّله بين عينَيه، ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبيَّ الله، لا يَجمع الله عليك مَوْتَتَيْن، أمَّا الموتة التي عليك، فقد مُتَّها"[13].
8- ماذا يجب على أهل الميِّت إذا بلَغهم خبرُ الوفاة؟
الجواب: يجب عليهم الاسترجاع بأنْ يقولوا: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، ويجب عليهم الصبرُ والرضا بقضاء الله؛ فعن أُمِّ سلَمة - رضي الله عنها - قالت: سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما من مسلمٍ تُصيبه مصيبةٌ، فيقول ما أمَره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مُصيبتي، واخْلُف لي خيرًا منها، إلاَّ أخَلَف الله له خيرًا منها))؛ الحديث[14].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: مَرَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بامرأة عند قبرٍ وهي تَبكي، فقال لها: ((اتَّقِي الله واصْبِري))، فقالت: إليك عنِّي؛ فإنَّكَ لَم تُصَبْ بمصيبتي، قال: ولَم تَعرِفه، فقيل لها: هو رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخَذها مِثلُ الموت، فأتَت باب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلم تَجد عنده بوَّابين، فقالت: يا رسول الله، إنِّي لَم أَعرِفك، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الصبر عند أوَّل الصدمة))[15].
9- يَحرُم النياحة والتسخُّط، وضَرْب الخدود، وشَقُّ الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية؛ كقولهم: "يا جَملي، يا سَبعي، أو يا ثبوراه، أو نحو ذلك".
فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس منَّا مَن ضرَب الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية))[16].
وعن أبي بُردَة قال: "وَجِعَ أبو موسى، وجعَل يُغشَى عليه، ورأسه في حِجْر امرأة من أهلِه، فصاحتِ امرأة، فلم يَستطع أنْ يردَّ عليها شيئًا، فلمَّا أفاقَ، قال: أنا بريءٌ مما بَرِئ منه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَرِئ من الحالِقة والسالِقة والشاقَّة"[17].
ومعنى (الحالقة): التي تَحلِق شعرَها عند المصيبة، و(السالقة): التي تَرفَع صوتَها، و(الشاقة): التي تشقُّ ثوبَها.
ويجوز البكاء والحزن على الميِّت، شريطة ألاَّ يقول ما يُسخِط الربَّ؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لا يُعذِّب بدمع العين، ولا بُحزن القلب، ولكن يُعذِّب بهذا أو يَرحَم))، وأشار إلى لسانه[18].
10- يجوز النَّعي والإخبار عن وفاة الميِّت؛ لكي يَجتمِع الناس؛ لتجهيزه ودفْنه، ونحو ذلك، ويُشتَرط في ذلك ألاَّ يُصاحِبه شيء من أمور الجاهليَّة؛ كمدْحه، ومدْح أجداده، والنداء على رؤوس المنابر، فذلك وأمثاله من النَّعي المَنهي عنه.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نعَى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرَج إلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّر أربعًا[19].
قال الحافظ: "وحاصِله أنَّ مَحضَ الإعلام بذلك لا يُكرَه، فإن زادَ على ذلك، فلا، وقد كان بعضُ السَّلف يُشدِّد في ذلك، حتى كان حذيفة إذا مات له ميِّت، يقول: لا تُؤْذِنوا به أحدًا؛ إنِّي أخاف أن يكون نعْيًا، وإنِّي سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأُذنِي هاتَين يَنهى عن النَّعي؛ أخرجه الترمذي، وابن ماجه بإسنادٍ حسن، ثم أورَدَ كلام ابن العربي فقال: قال ابن العربي: "يُؤخَذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالاتٍ:
الأُولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصَّلاح، فهذا سُنَّة.
والثانية: دعوة الحفل للمُفاخَرة، فهذه تُكْره.
الثالثة: الإعلام بنوعٍ آخر - كالنياحة ونحو ذلك - فهذا يَحرُم"[20].
11- اعْلَم أنَّ من الأخطاء الشائعة على ألْسِنة الناس، أنَّهم يُطلِقون على الميِّت: (المتوفِّـي) بكسْر الفاء، والصحيح أنْ يُقال: (المُتوفَّـى) بفتح الفاء؛ لأن (المتوفِّي) بالكَسر هو الله - عزَّ وجلَّ - كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر: 42]، وكذلك لا يقال: (تَوفَّى فلان) - بفتح التاء والفاء المُشدَّدة - ولكن يُقال: (تُوفِّي فلان) - بضمِّ التاء، وكسْر الفاء المشدَّدة - وذلك لنفس المعنى السابق.
12- قال ابن حزم: "لو ماتت امرأةٌ حامل، والولد حيٌّ يَتحرَّك قد تَجاوز ستة أشهر، فإنَّه يُشقُّ بطنُها، ويُخرَج الولد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، ومن تَرَكه عمدًا حتى يموت، فهو قاتِل نفْسٍ"[21].
13- يُستحبُّ أن يَتمنَّى الموتَ في أرضٍ مُبارَكة؛ كما كان عمر يَتمنَّى أن يموت في المدينة، فكان - رضي الله عنه - يدعو: "اللهمَّ ارزقني شهادة في سبيلك، واجعْل موتي في بلد رسولك"[22]، وكما دعا موسى - عليه السلام - ربَّه عند الموت أنْ يُدنِيَه من الأرض المُقدَّسة[23].
قال البخاري: "باب مَن أحبَّ الدفنَ في الأرض المُقدَّسة ونحوها" [24].
14- إذا مات الإنسان في غير مولِده، قِيسَ له في الجنَّة من مولده إلى مُنقطَع أمْره؛ فعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: تُوفِّي رجل بالمدينة، فصلَّى عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا ليتَه مات في غير مولِده!))، فقال رجلٌ من الناس: لِمَ يا رسول الله؟ قال: ((إنَّ الرجل إذا مات في غير مولده، قِيس له من مولِده إلى مُنقطَع أثَرِه في الجنَّة))[25].
15- ينبغي للإنسان أنْ يَغتنِم عمره باكتساب الطاعات؛ فعن أبي هريرة قال: سَمِعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ألا أُنبِّئُكم بخياركم؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((خيارُكم أطولُكم أعمارًا، وأحْسنُكم أعمالاً))[26].
وليعلم أنَّه إذا بلَغ الستين، فقد أعذَر الله إليه؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن عمَّره الله ستين سَنَة، فقد أعذَر إليه في العُمر))[27].
قال الحافظ: "الإعذار: إزالة العُذر، والمعنى: أنَّه لَم يَبقَ له اعتذارٌ كأنْ يقول: لو مُدَّ لي في الأجل، لفَعلتُ ما أُمِرتُ به، يقال: أعذَر إليه، إذا بلَغ أقصى الغاية في العُذر، ومكَّنَه منه" [28].
16- اعْلَم أنَّ أعمار الأُمة ما بين الستين إلى السبعين سنة، ولا يُجاوِز ذلك إلاَّ القليل؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أعمارُ أمَّتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلُّهم مَن يَجوزُ ذلك))[29].
[1] مسلم (916)، وأبو داود (3117)، والترمذي (976)، والنسائي (4/ 5)، وابن ماجه (1445).
[2] حسن؛ رواه أبو داود (3116)، والحاكم (1/ 351) وصحَّحه، ووافَقه الذهبي.
[3] مسلم (919)، وأبو داود (3115)، والترمذي (977)، والنسائي (4/ 5004)، وابن ماجه (1447).
[4] صحيح؛ رواه أحمد (3/ 152)، وصحَّحه الألباني في أحكام الجنائز (1/ 10).
[5] المجموع (5/ 115).
[6] مسلم (920)، وأبو داود (3118)، وأحمد (6/ 297).
[7] البخاري (5814)، ومسلم (942)، وأبو داود (3120).
[8] البخاري (1315)، ومسلم (944)، وأبو داود (3181)، والترمذي (1051)، والنسائي (4/ 41)، وابن ماجه (1477).
سـلــمُ لـنــاهـذُآ الـــذوُوُق.. الذُي يقطفُ لنا.. وسلم لنا هذا القلم المميز آجمًل العبارات وٌآروعهـــاآ.. ما ننحرُم منُ ذآئقتُك الجميلهُ والمميزهُ.. تحية عطرة ل روحك الجميلة شكراً لك من القلب على هذآ العطاء ل روحك الجووري بانتظار جديدكِ بشوق