شرح حديث: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)
الأربعون النووية
عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرٍو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ، فاصنع ما شئت))؛ رواه البخاري.
ترجمة الراوي:
عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسير الأنصاري، من بني الحارث بن الخزرج، وهو مشهور بكنيته، ويعرف بأبي مسعود البدري؛ لأنه رضي الله عنه كان يسكن بدرًا، وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: إنه لم يشهد بدرًا، وهو قول إسحاق، وكان أحدث من شهد العقبة سنًّا، وشهد أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، وكان قد نزل في الكوفة، واستخلفه عليٌّ في خروجه إلى صفين، قال أبو مسعود: كنت رجلًا عزيز النفس، حمي الأنف، لا يستقل مني أحد شيئًا، سلطان ولا غيره، فأصبح أمرائي يخيرونني بين أن أقيم على ما أرغم أنفي وقبح وجهي، وبين أن آخذ سيفي، فأضرب، فأدخل النار.
قال بشير بن عمرو: قلنا لأبي مسعود: أوصنا، قال: عليكم بالجماعة؛ فإن الله لن يجمع الأمة على ضلالة، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر.
مات أبو مسعود سنة أربعين، وقيل: إحدى أو اثنتين وأربعين[1].
منزلة الحديث:
◙ هذا الحديث حديث عظيم، عليه مدار الإسلام، وأصول الأخلاق، بقول فصيح وجيز، يعد من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام[2].
◙ قال ابن العطار رحمه الله: هذا الحديث أصل كبير لمن تأمل معناه، وتدبره وعمل به، وهو من كلام النبوة الأولى، من الحكم المتقدمة على ألسنة الأنبياء المتقدمين، وهو يجمع خيرًا كثيرًا[3].
شرح الحديث:
((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى))، قال ابن حجر: أي مما بلغ الناس من كلام النبوة، مما اتفق عليه الأنبياء؛ أي: إنه مما ندب إليه الأنبياء، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم؛ لأنه أطبقت عليه العقول، وزاد أبو داود [وأحمد] وغيرهما: ((النبوة الأولى))؛ أي: التي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم[4].
قال ابن رجب: يشير إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين، وأن الناس تداولوه بينهم، وتوارثوه عنهم قرنًا بعد قرن، وهذا يدل على أن النبوة المتقدمة جاءت بهذا الكلام، وأنه اشتهر بين الناس، حتى وصل إلى أول هذه الأمة[5].
((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) أورد أهل العلم معنيين لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت))؛ أحدهما: أنه أمر بمعنى التهديد والوعيد، والمراد: إذا لم يكن حياء، فاعمل ما شئت، فإن الله يجازيك على ما صنعت.
والآخر: أنه أمر بمعنى الخبر، والمراد: أن من لم يستحي صنع ما شاء؛ فإن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياءٌ، انهمك في كل فحشاء ومنكر.
إذا لم تصُنْ عِرْضًا ولم تخشَ خالقًا ♦♦♦ وتستحيِ مخلوقًا فما شئتَ فاصنَعِ
ولقد كانت العرب في جاهليتها الأولى تستحيي؛ فهذا أبو سفيان قبل إسلامه عندما وقف أمام هرقل ليسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عن نفسه - كما جاء في حديثه الذي أخرجه البخاري - فقال: ((لولا الحياء من أن يؤثروا عليَّ كذبًا، لكذبت عليه))[6].
قال عنترة:
وأغُضُّ طرفي إن بدَتْ لي جارتي ♦♦♦ حتى يواري جارتي مأواها
قال عمر رضي الله عنه: (مَن قل حياؤه قل ورعُه، ومن قل ورعه مات قلبه).
قال الشاعر:
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي ♦♦♦ ولم تستَحْيِ فاصنع ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العيش خيرٌ ♦♦♦ ولا الدنيا إذا ذهَب الحياءُ
يعيشُ المرء ما استحيا بخيرٍ ♦♦♦ ويبقى العُودُ ما بقي اللحاءُ
الفوائد من الحديث:
1 - إذا ترك المرء الحياء، فلا تنتظروا منه خيرًا.
2 - الحياء كله خير.
3 - الحياء أصل الأخلاق الكريمة.
4 - الحياء من خصال الإيمان، وحسن الإسلام.
5 - الحياء يبعد عن فضائح الدنيا والآخرة.
6 - الحياء دليل على كرم السجية، وطيب
الحياء صفة من صفات الأنبياء والصحابة والتابعين.
8 - يُعَدُّ صاحبها من المحبوبين من الله والناس.
9 - وفيه أن من الأخلاق الكريمة التي كان عليها أهل الجاهلية ما هو من ميراث النبوة الأول.
avp p]de: (Y`h gl jsjp thwku lh azj) hgHvfu,k hgk,,dm gl gh hgHvfu,k hgk,,dm jsfp dp]e p]de: svn a,j azj) thwku
avp p]de: (Y`h gl jsjp thwku lh azj) hgHvfu,k hgk,,dm gh jsfp dp]e svn a,j Y`h