15-04-2022
|
|
لا تخسروا رمضان
الْحَمْدُ للَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ إِدْرَاكِ شَهْرِ الصِّيَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، وَاهْتَدَى بِسُنَّتِهِ وَهُدَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ:
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا، فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِمَا يُرْضِيهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].
عِبَادَ اللَّهِ:
لِمَاذَا يَخْسَرُ بَعْضُ الصَّائِمِينَ رَمَضَانَ؟ أَلَمْ يَعْلَمُوا بِفَضَائِلِهِ وَمَزَايَاَهُ؟! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ شَهْرُ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَشَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ؟! أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَوْسِمٌ لِلْخَيْرَاتِ، وَفِيهِ فُرْصَةٌ لَا تُعَوَّضُ؛ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ؟! .. أَيُصَدَّقُ أَنَّ مِنَ بَيْنِنَا الْيَوْمَ مَنْ يُضَحِّي بِهَذَا الشَّهْرِ وَمَزَايَاَهُ؟!
أَيُعْقَلُ أَنَّ مِنَّا مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، وَهُوَ لَا زَالَ مِنَ الْغَافِلِينَ السَّاهِينَ، غَرَّهُ الشَّيْطَانُ وَطُولُ الْأَمَلِ ..
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ:
خُطْبَةُ الْيَوْمِ عَنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِسَبَبِهَا يَخْسَرُ الْمُؤْمِنُ رَمَضَانَ .. وَالنَّاسُ فِيهَا بَيْنَ مُقِلٍّ وَمُكْثِرٍ، فَاحْذَرُوا هَذِهِ الْأَسْبَابَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا:
أَوَّلًا: مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْخَسَارَةِ فِي رَمَضَانَ: إِهْمَالُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَمَنْ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبَاتِ، فَكَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ النَّوَافِلُ وَبَقِيَّةُ الصَّالِحَاتِ؟! بَلْ كَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ اسْتِغْلَالُ رَمَضَانَ، وَهُوَ لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ؟! وَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَعْجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ بَعْضِ الصَّائِمِينَ الَّذِينَ يُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ، وَلَرُبَّمَا تَرَكَ بَعْضَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ نَامَ عَنْهَا كَمَا يَحْدُثُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. ثُمَّ تَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْرِصُ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ! فَكَيْفَ مَنْ هَذَا حَالُهُ، أَنْ يَفُوزَ بِرَمَضَانَ وَفَضَائِلِهِ؟!
ثَانِيًا: مِنْ أَسْبَابِ الْخَسَارَةِ فِي رَمَضَانَ السَّهَرُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ .. فَبَعْضُ الصَّائِمِينَ يَجْلِسُونَ طَوَالَ اللَّيْلِ يَقْضُونَ الْأَوْقَاتَ فِي لَعِبِ الْوَرَقِ، وَتَتَبُّعِ الْقَنَوَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُوضُ فِي أَعْرَاضِ الْآخَرِينَ وَيَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَعْضُ عَبْرَ جَوَّالَاتِهِمْ يُقَلِّبُونَ أَنْظَارَهُمْ فِي بَرَامِجَ مُحَرَّمَةٍ، وَقَنَوَاتٍ فَاضِحَةٍ، تَعُجُّ بِالْغِنَاءِ وَصُوَرِ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَاتِ... وَمُتَابَعَةِ أَخْبَارِ الْمَشَاهِيرِ الْفَاسِدِينَ الَّذِينَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ.. وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَتَجَوَّلُ مِنْ سُوقٍ إِلَى آخَرَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ حَاجَةٌ غَيْرُ تَضْيِيعِ الْأَوْقَاتِ.
يَا تُرَى.. كَيْفَ يُرْجَى الْفَوْزُ وَالرِّبْحُ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ سَهِرَ طَوَالَ اللَّيْلِ فِيمَا يُغْضِبُ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا؟
وَأَيُّ صَوْمٍ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ؟! يَصُومُونَ فِي النَّهَارِ عَنِ الطَّيِّبَاتِ وَيُفْطِرُونَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ .. أَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْخَسَارَةِ؛ أَنْ تُضَيَّعَ لَيَالِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ بِمِثْلِ هَذَا الْفَسَادِ؟! فَلْيُرَاجِعْ كُلُّ مَنْ هَذَا طَبْعُهُ نَفْسَهُ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ صَوْمِهِ وَيَوْمَ فِطْرِهِ سَوَاءٌ.
ثَالِثًا: مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْخَسَارَةِ فِي رَمَضَانَ ذَلِكَ الْمَرَضُ الْخَطِيرُ، الَّذِي لَرُبَّمَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ أَحَدٌ. وَهُوَ مَرَضُ التَّسْوِيفِ وَتَأْجِيلُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَقْتًا بَعْدَ آخَرَ. وَأَضْرِبُ مِثَالًا وَاِحًدًا لِلتَّسْوِيفِ فِي رَمَضَانَ. فَمَثَلًا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يُرِيدُ الْوَاحِدُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَلَكِنَّهُ مُتْعَبٌ مِنَ السَّهَرِ، ثُمَّ يُمَنِّي نَفْسَهُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَلَكِنَّهُ مُرْهَقٌ مِنَ الْعَمَلِ، ثُمَّ يُمَنِّي نَفْسَهُ وَيَقُولُ: بَعْدَ الْعَصْرِ أُعَوِّضُ مَا فَاتَ.. وَهَكَذَا يَنْسَلِخُ رَمَضَانُ، وَلَرُبَّمَا لَمْ يُكْمِلْ خَتْمَةً وَاحِدَةً. وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ..
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ:
اقْدُرُوا لِشَهْرِكُمْ قَدْرَهُ، وَاسْتَغِلُّوا أَوْقَاتَهُ فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ، وَجَدِّدُوا عَزْمَكُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ.
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا صِيَامَنَا وَأَعْمَالَنَا، وَأَنْ يُلْهِمَنَا صَلَاحَ قُلُوبِنَا، وَأَنْ يُعَمِّرَ أَوْقَاتَنَا فِي رَمَضَانَ بِطَاعَتِهِ، وَأَنْ يُعِينَنَا فِيهِ عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى.
وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ:
اعْلَمُوا أَنَّ الصِّيَامَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْحَرَامِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ السَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَلَا يَرُدُّ الصَّائِمَ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، فَلَيْسَ بِصِيَامٍ فِي الْحَقِيقَةِ..
إِنَّمَا الصِّيَامُ الْحَقِيقِيُّ: هُوَ صَوْمُ الْجَوَارِحِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنٍ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ».
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَاوُنٌ
وَفِي بَصَرِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِي الْجُوعُ وَالظَّمَا
فَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمِي فَمَا صُمْتُ
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىَ مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: ﴿ إِنَّ ٱلَلَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَىَ ٱلَنَّبِىِّ يُٰأَيُّهَا ٱلَّذِيَنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].
gh josv,h vlqhk
gh josv,h vlqhk josv,h
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|