الحَمدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَبَعدُ:
فإن الحج ركنٌ من أركان الإسلام، وفريضةٌ من فرائضه العِظَام، وفضائله كثيرة ويجب على كل مسلم في العمر مرة واحدة.
وقرَّر أهل العلم أن الحج يجب بخمسة شروط:
الشرط الأول: الإسلام: فالكافر والمشرك لا يصح حجهما ولا يُمَكَّنُ من دخول المسجد الحرام، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ [التوبة: 28].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: «أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»[1].
الشرط الثاني: العقل: فالمجنون لا يؤمر بالحج والعمرة ولا يصحان منه لو أتى بهما لفقده عقله، روى أبو داود في سننه مِن حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ»[2].
الشرط الثالث: البلوغ: فلا يجب الحج على الصبي حتى يبلغ للحديث السابق، ولكن لو حج الصبي صح حجه ولا يجزئه عن حجة الإسلام، لِحَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ امرَأَةً رَفَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ»[3]، وَلِحَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيهِ حِجَّةٌ أُخرَى، وَأَيُّمَا عَبدٍ حَجَّ ثُمَّ عُتِقَ فَعَلَيهِ حِجَّةٌ أُخرَى»[4].
قال الترمذي: «وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك لا تجزي عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذلك المملوك إذا حج في رِقِّهِ ثم أُعْتِقَ فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلًا، ولا يجزئ عنه ما حج في حال رِقِّهِ، وهو قول سفيان، الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق»[5].
الشرط الرابع: كمال الحرية: فلا يجب الحج على المملوك، ولكنه لو حج فحجه صحيح، ولا يجزئه عن حجة الإسلام، لِقَولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم في حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما السابق: «وَأَيُّمَا عَبدٍ حَجَّ ثُمَّ عُتِقَ فَعَلَيهِ حِجَّةٌ أُخرَى»[6].
الشرط الخامس: الاستطاعة: فالحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلًا بنص القرآن والسنة، والمراد بالمستطيع القادر ببدنه وماله لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]. فمن عجز عن الحج والعمرة لهرم أو مرض لا يُرجَى بُرؤُهُ، أو كان قادرًا ببدنه وليس عنده مال يحج به أو يعتمر لم يجبا عليه، ومن عجز ببدنه وعنده مال لزمه أن ينيب من يحج عنه ويعتمر.
والنيابة في الحج والعمرة مشروعة لِحَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ رضي اللهُ عنه: أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ»[7].
ومن مات وهو لم يَحُجَّ وله مال، أُخرِجَ من تَرِكَتِهِ ما يُحَجُّ به عنه، ولغيره أن يحج عنه لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ رضي اللهُ عنه، وفيه: أَنَّ امرَأَةً مَاتَتْ أُمُّهَا، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَتْ: «إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا»[9].
وتزيد المرأة شرطًا سادسًا: وهو وجود محرمٍ أو زوجٍ يرافقها إلى الحج، لما جاء في الصحيحين مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلْ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ؟ فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا»[10].