01-09-2023
|
|
{وبشر المخبتين} (خطبة)
﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34]
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه وهو أصدق القائلين:
﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الواقعة: 77 - 80]
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى أمر عباده بتدبر القرآن فقال:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه إمام المرسلين
وسيد المتقين، فاللهم صلِّ على سيدنا ونبينا محمد النبي الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وخلفائه الراشدين
المهديين وسائر صحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ وَرَاقِبُوْهُ، فَالتَّقْوَى سَبَبٌ لِلْخَيرِ والثَّوَابِ، والنَّجَاةِ مِن الشَّرِّ وَالعِقَابِ، ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 103]
يقول الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، ويقول جل وتعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، أما بعــد:
معاشر الموحِّدين، يطيب لي أن يكون حديثنا اليوم تحت عنوان: "وبشِّر المخبتين".
عباد الله، لقد قال ربكم جل وعلا في سورة الحج متكلمًا عن طائفة من عباده: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35].
أيها المؤمنون، يقول ربكم: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ فمن هم المخبتون؟
المخبتون هم: المتواضعون لله عز وجل ﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ [الأعراف: 206]، وكما قال الإمام الطبري:
﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾؛ أي: الخاضعين لله بالطاعة، المذعنين له بالعبودية، المنيبين إليه بالتوبة.
فالإخبات لله تعالى: سكونٌ وطمأنينة وخشوعٌ وخضوعٌ وذُلٌّ لله تبارك وتعالى، فإذا أخبت القلب إلى الله عز وجل
تحلَّى بجميل الصفات، وطيب الأخلاق والآداب.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "مَتَى اسْتَقَرَّتْ قَدَمُ الْعَبْدِ فِي مَنْزِلَةِ الْإِخْبَاتِ، ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ، وَعَلَتْ نَفْسُهُ
فَلَا يَفْرَحُ بِمَدْحِ النَّاسِ، وَلَا يَحْزَنُ لِذَمِّهِمْ، وَبَاشَرَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ قَلْبُهُ".
عباد الله، فما هي صفات المخبتين؟
لقد نصَّ القرآن الكريم على أربع صفات تبين حال هؤلاء المخبتين؛ إذ يقول تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35].
فالصفة الأولى من صفات المخبتين: ﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾، فمن صفاتهم: وجل القلب عند ذكر الرب، والوَجَلُ:
خَوْفٌ شَدِيدٌ، مَقْرُوْنٌ بِهَيْبَةٍ وَمَحَبَّةٍ؛ فَالمُخْبِتُونَ: تَخْشَعُ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ؛ لِعِلْمِهِمْ بِعَظَمَةِ اللهِ وَجَلَالِهِ، وَهَذَا مِنْ عَلَامَةِ الإِيْمانِ، وَمَحَبَّةِ الرَّحْمَن
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]، فهذا الوجل لهذا القلب المخبت ناشئ
من حُسْن معرفته بربه؛ كما قال الله جل في علاه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]؛ أي: بالله
هذا وإن ذكرهم الدائم لربهم لا يمنعهم من الخوف منه بل استشعار الخوف عندهم عنوان ثابت لا تتبدَّل مفرداته ولا تطمس
معالمه بالرغم من إخلاصهم في العبادة وحسن اتِّباعهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
ولعل قائلًا يقول: كيف يخافون عند الذكر مع أن ربنا جل وعلا قال: ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 28]؟
والجواب: أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد وصدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فطمأنينتهم بذلك قوية
لأنها لم تتطرق إليها الشكوك، وأما الخوف فإنما هو بسبب خوفهم من عدم تقبُّل أعمالهم وردها عليهم ولخوفهم من الوقوع في الضلالة بعد الهدى.
عباد الله، والصفة الثانية من صفات المخبتين: ﴿ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ﴾.
فمن صفاتهم: الصبر على أقدار الله المؤلمة، وما من عبدٍ إلا وهو مبتلًى بأنواع من البلايا في هذه الحياة الدنيا:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].
فالمخبتون لربهم في حال الابتلاءات تراهم في حالة استسلام وخضوع لا يعرف اليأس إلى قلوبهم سبيلًا، فهم يتحمَّلون ويتجمَّلون بالصبر
ومهما عظمت المحن واشتدت فهم صامدون كالجبال الرواسي؛ لأن ثقتهم بالله ثابتة دائمًا لا يمكن أن تضعف أو تنهار في أي لحظة من اللحظات.
أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والصفة الثالثة من صفات المخبتين: ﴿ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ ﴾.
فإن من صفاتهم: إقامة الصلاة؛ أي: المحافظة عليها، والإتيان بها قائمة بأركانها وشروطها وواجباتها، خضوعًا وخشوعًا وحسن تقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
فالمخبتون لربهم كلما نُودي إلى الصلاة سعوا إليها يغسلون ذنوبهم، ويُجدِّدون الإيمان في قلوبهم في حال اتصال بالله
لا يعرف الرياء والنفاق؛ بل يعرف السكينة والاطمئنان يدعونه ويناجونه في حالة من الخشوع والطُّمَأْنينة فيقينهم في ربِّهم
أقرب إليهم من أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم خاصة أنهم يعلمون جيدًا أن الصلاة إن صلحت صلح سائرُ العمل.
معاشر المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والصفة الرابعة من صفات المخبتين: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾.
فمن صفاتهم: بذل المال وإنفاقه في سبيل الله عز وجل في وجوه الخير وأبوابه المتنوعة من واجبٍ ومستحبٍّ، طيبة بذلك النفسُ، راجية موعود الله جل في علاه، وعظيم ثوابه.
فالدنيا لم تجد سبيلًا تخترق به قلوبهم، فالدنيا دائمًا في أيديهم تسير معهم حيث أرادوا في الخير والبر والمعروف.
أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، لقد سمعتُم صفات المخبتين من عباد الله، وتعرَّفتُم إليها، فكونوا مِنهم
وامشُوا في ركابِهم، واتقوا اللهَ بالتَّحلِّي بها، فقد قال ربنا: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ وحذف ما بشَّرهم به، والقاعدة
عند أهل اللغة أن المتعلَّق إذا حذف فقد أفاد الشمول لكل خير وفضيلة في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون، جديرٌ بالمؤمن أن يدعو الله عز وجل كثيرًا أن يجعله من عباده المخبتين، وقد روى أهل السنن من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن نبينا صلى الله عليه وسلمَ كان يقول في دعائه: ((..... اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا
لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا، لَكَ مُخْبِتًا -وفي رواية إِلَيْكَ مُخْبِتًا- إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا....)).
اللهم إنَّا نسألكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعمل، ونعوذُ بكَ مِن النَّار وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعمل
ربَّنا اصرْف عنَّا عذابَ جهنَّمَ إنَّ عذابَها كان غرامًا، ربنَّا هبْ لنَا مِن أزواجِنا وذُرِّياتِنا قُرَّةَ أعيُنٍ، واجعلنا للمتقينَ إمامًا.
_ عبدالفتاح شعبان حبسه.
V,fav hglofjdkC (o'fm) hglofjdk hgsgdlm hgt'vm o'fm
V,fav hglofjdkC (o'fm) hglofjdk hgsgdlm hgt'vm o'fm ,fav
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|